السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
سقاية القبور... لكسب "العيش"!
الساعة 20:44 (الرأي برس - عربي )
منذ ساعات الصباح الأولى يبدأ الطفل همام نجيب، ذو العشرة أعوام، نهار عمله الطويل متجوّلاً بين القبور، تحت أشعّة الشمس الحارقة. يُسابق أقرانه من الأطفال، ليحصل على مبالغ بسيطة من زوّار المقبرة، مقابل سقي قبور موتاهم. تختبئ ملامحه البريئة خلف الظروف المعيشية الصعبة، التي أجبرته على ترك مقاعد الدراسة، والعزوف عن ممارسة حقوقه كطفل، للهاث وراء مبلغ لا يكفيه لتأمين قوت يومه. لا تختلف مرارة وحزن الطفل محمّد عن همام، فهما ورفاقهما يعيشون الظروف نفسها، حيث تمكن قراءة معالم البؤس في وجوههم، وهم يحملون أوعية المياه، ويغسلون بها قبور الموتى. لماذا أطفال المقابر؟ حملت الحاجة بعض الأسر في المدينة على الدفع بأطفالها إلى الإهتمام بقبور الموتى، مقابل مبالغ زهيدة، تتفاوت ما بين عشرة وخمسين ريال يمني. معظم هؤلاء الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 3 و13 عاماً، ويفتقرون إلى التعليم. يعاني بعضهم أمراضاً، وإصابات سبّبتها الحرب الأخيرة، فيما فقد البعض الآخر أهله، ما دفعهم للبحث عن عمل، ولكن يقف الفقر في قفص الإتّهام، باعتباره السبب الرئيسي وراء خروج هؤلاء الأطفال إلى العمل. لفتة إنسانية في بادرة هي الأولى من نوعها، نظّمت مبادرة روح للأعمال الإنسانية طبقاً خيرياً، يذهب ريعه لمساعدة أطفال المقابر في مدينة عدن. ويهدف القائمون على المبادرة إلى إخراج مأساة هؤلاء الأطفال إلى دائرة الضوء، ومساعدتهم، بالإضافة إلى توعية المجتمع بحقّهم في التعليم والحياة الكريمة. حملت الحاجة بعض الأسر في المدينة على الدفع بأطفالها إلى الإهتمام بقبور الموتى تقول رئيسة مبادرة روح، الأخصّائية الإجتماعية، رويدا عدنان، لـ "العربي"، إن أطفال المقابر "مُهمّشون، ظروفهم تعدّت خط الفقر بكثير، يقطنون في الخيام، وبين مخلّفات الكراتين والستائر، و بينها بعض المساكن على وشك الهاوية، تأمّلت واقعهم، وكُنت حريصة على الخروج برؤية متكاملة، وفعلاً أدركت أنّ لكل طفل قصّة مختلفة، لكنّهم يشتركون في المأساة، في فقرهم المدقع الذي دفعهم للخروج، واتّخاذ سقي القبور، والإعتناء بها، وغرس الشتلات وغيرها، السبيل للحصول على بعض ما يعينهم في توفير لقمة العيش". وتضيف عدنان أنّ "وجود مبادرة روح للأعمال الإنسانية هُنا لمدّ يد العون لهؤلاء الأطفال، وإيصال أصواتهم للمجتمع، على أمل أن يكون هناك تجاوب فعّال مع تلك القضية"، مبدية استعداد القائمين على المبادرة لـ"التعاون مع من يسعى للمساهمة بتوفير ما يحتاجه أطفال المقابر، والقضاء على واقع البؤس والشقاء والضياع، الذي يعيشون فيه". وناشدت عدنان كلّ الجهات المسؤولة "وضع حلول لهذه الظاهرة"، مُحذّره من "تحوّلها إلى كارثة، تعصف بالكلّ، فقد يتعرّضون لشتّى أنواع الأمراض، ولا يستبعد تعرّضهم للعنف والتحرّش الجنسي، فلا توجد رعاية ولا اهتمام بهم، بسبب الوضع الأمني المُنفلت، الذي تشهده المدينة". غير مرئيّين من جهته، يبدي مدير عام مكتب الشؤون الإجتماعية في عدن، أيّوب أبو بكر، تفاجؤه بأن ثمّة شريحة واسعة من الأطفال المُهمّشين، اتّخذوا من مقابر المدينة مكاناً لقضاء يومهم وكسب قوتهم. ويعتبر أبوبكر بدء المبادرات الشبابية بتسليط الضوء على مأساة هؤلاء الأطفال "خطوة ايجابية"، واعداً بأن "يعمل المكتب، بالتنسيق مع المنظّمات الإنسانية والجهات ذات العلاقة، على الإهتمام بهذه الشريحة، وتقديم كافّة أوجه الدعم، والرعاية الممكنة لها". ودفعت الحرب الأخيرة عشرات الأطفال إلى سوق العمل لإعالة أسرهم، في ظلّ الظروف الإقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، لكنّ فئة أطفال المقابر في عدن، رغم تزايد أعدادها باطّراد، ما زالت غير مرئيّة بالنسبة للكثيرين.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً