الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
تعز..حرب القمامة
الساعة 19:14 (الرأي برس - عربي )

وسط حالة الحرب والفوضى، يحير المواطن اليمني في معرفة الهيكلية الإدارية التي تسيّر شؤونه في مناطق النزاع، وكيف يتمّ الأمر. ففي مدينة تعز، يمرّ أشخاص وكأنّهم أشباح أو ظلال، يقومون بعمل الدولة، من دون معرفة الجهة التي تقف ورائهم، أو لماذا قاموا بهذا العمل، ولماذا تركوه أحياناً. هل لا يزال هناك موظّفون في الدولة يقومون بأعمالهم بوازع من شفقة أو ضمير؟ أم أن الحبل متروك على الغارب للمنظّمات الخارجية وعبثها؟


ولفكّ لغز جانب من العمل في أحد القطاعات المهمّة والحيوية، قصد "العربي" المسؤولين والعاملين في صندوق النظافة والتحسين على امتداد شارع جمال، ليقف على الآليّات التي يعملون بها، ومن يتحمّل المسؤولية عن القصور الكبير في الأداء، والحالات الوبائية الناتجة من تكدّس القمامة واختلاطها بمياه الصرف الصحّي.

إضراب عن العمل
على أحد الأرصفة، بالقرب من محلّ مفروشات، كان يجلس 3 من العمّال المتعاقدين مع صندوق النظافة والتحسين. عند سؤالهم عن طبيعة عملهم، قال أحدهم إنّهم "يعملون مع منظّمة الصليب الأحمر، وتحت إشراف ارتفاع القباطي، المنسّقة في برنامج النقد مقابل العمل، الذي تموّله المنظّمة الدولية، ويتولّاه صندوق النظافة والتحسين، ويديره غازي أحمد علي".
وأوضح العامل أنّهم "مضربون عن العمل بسبب تأخّر صرف مستحقّاتهم للأسبوع الفائت"، وأنّهم "قاموا صباحاً بتظاهرة مع زملاء آخرين لهم، على امتداد شارع جمال، وتمّ احتجاز أحدهم من قبل مسلّحين على ظهر دراجة نارية، ونقله إلى مكان ما، وتهديده بالفصل من وظيفته في حال واصل الإضراب". وتحدّث العامل عن أن "منظّمة الصليب الأحمر تصرف مبالغ كبيرة لهذا العمل، غير أن الأموال تذهب لمتعاقدين إداريّين، وأنّهم يحصلون فقط على الفتات". وتابع متهكّماً: "أربعة مشرفين على عامل نظافة واحد!".


وعن دور المحافظ، علي المعمري، والسلطة المحلّية، سخر العامل، وقال إن "المحافظ لم يأت من أجل عامل النظافة، لقد أتى للبحث عن السياسييّن".


منسّقة البرنامج.. مضربة هي الأخرى
"العربي" التقى ارتفاع القباطي، منسّقة برنامج العمل في مشروع "الصليب الأحمر"، والمعيّنة –بحسب ما علم الموقع- من مدير صندوق النظافة الحالي.
إرتفاع، وهي أيضاً متعاقدة مع صندوق النظافة، أشارت إلى أن "الإيراد الحكومي للصندوق متوقّف بسبب الحرب، وعدم تحصيل الأموال من الأهالي، وذوي الشأن"، مضيفة أن "منظّمة الصليب الأحمر هي الداعمة الوحيدة لمشروع تسيير أعمال الصندوق".


ولفتت إلى أن "دعم المنظّمة يتمثّل في صرف 2000 ريال للعامل مقابل يوم واحد من العمل"، وأنّه "يتمّ استلامها عن طريق مصارف الكريمي، في نهاية كلّ أسبوع".


غير أن ارتفاع عادت وقالت إن "مدير الصندوق، غازي أحمد علي، يصرف مبالغ قيمة ديزل لتشغيل آليّات النقل، ومبالغ أخرى مقابل صيانة المعدّات".


وبحسب ارتفاع فإنّه "يعمل في شارع جمال، في المنطقة الممتدّة من شركة النفط إلى عقبة 26 سبتمبر، 8 عمّال للكنس، و12 عامل ترحيل للقمامة، ومشرف ومراقب". وأرجعت مشاكل تكدّس القمامة في شارع جمال إلى إضرابها مع موظّفيها، منذ الأربعاء 18 مايو، "بعد قيام مسلّحين، قبلها بيوم، في منطقة عصيفرة، باحتجاز معدّات صندوق النظافة، ومنها قلّاب دايو سكس كبير، وبابور نقل صغير أخضر كنتر"، متابعة أن "هؤلاء المسلّحين لم يعطوا أيّ تبرير لهذا الفعل".


وعند السؤال عن هويّتهم ، جالت المسؤولة بعينيها وقالت "المقاومة"، ثم حاولت بعد ذلك التراجع، والنأي بنفسها عن تصنيف هذه الجهة، لخشيتها من أن يقوم المسلّحون بوضع عراقيل أمام عملهم.
إرتفاع تحدّثت عن حجم "العبث" الذي يطال أصول وممتلكات صندوق النظافة والتحسين مشيرة إلى أنّه "مذ اندلعت الحرب، وسيطر الحوثيّون على مقرّ الصندوق في جولة القصر، لا أحد يستطيع الدخول إلى تلك المنطقة بسبب الإشتباكات"، زائدة أنّه "يتمّ العمل بما تبقّى من أدوات وعربات كانت في شارع جمال لحظة اندلاع الحرب، وهي كالتالي: بابوران من ذوات الضاغطات للقمامة، و6 بوابير صغيرة (كونترات)، وشيول (جرّافة)".


ولفتت إلى أن "المعدّات والعربات تبقى في أماكن مفتوحة في الشوارع، لعدم وجود مكان يجمعها"، وأنّها "تتعرّض لاعتداءات تخريبية بين وقت وآخر، في أنابيب الضغط، والرافعات".
مشكلة أخرى، أكّدت ارتفاع أنّها تواجه عملهم، وهي "سيطرة الحوثيّين على مقلب القمامة في مفرق شرعب، واضطرارهم إلى كبّ القمامة في منطقة غراب ذات الطبيعة الخضراء"، منبّهة إلى أن "المنطقة قريبة من تجمّعات سكانية ولا يتمّ ردم القمامة، فتزحف على جوانب الطريق الإسفلتي". وكشفت أن "مسلّحين مجهولين يطلبون مبالغ مالية نظير محاولتها كبّ القمامة في مجاري السيول بمنطقة عصيفرة"، وأن "اثنين من قادة المسلّحين تذرّعوا بأن مواطنيهم سيتضرّرون".


وبالنسبة للمخلّفات الصحية، اتّهمت ارتفاع موظّفين في مستشفى الثورة بـ"كبّ النفايات الخطرة إلى جانب جسر قريب من الشارع، ما يؤدّي إلى تساقطها، وبالتالي إحداث مشاكل بيئية"، مؤكّدة أنّهم "تواصلوا مع مدير المستشفى لحرق هذه النفايات في المحرق الخاص بهم، فردّ عليهم: وأنتم أيش عملكم". مصدر طبّي يؤكّد ارتفاع حالات السلّ إلى مستويات غير آمنة
وعن الخسائر التي خلّفتها الحرب على الأفراد، ذكرت ارتفاع أن "سائق إحدى العربات استشهد بقذيفة سقطت عليه داخل المدينة، وقبل 3 أسابيع أصيب مسؤول الحركة في الصندوق بشظايا في يده".


وختمت حديثها بأنّها "تواصلت، مؤخّراً، مع مكتب المحافظ المعمري، بناءً على طلبه"، وأنّه "كان من المفترض أن تجتمع به في 22 مايو، لكن المكتب أبلغها أنّه تمّ تأجيل اللقاء إلى 23 مايو".


مدير النظافة لا يستطيع ممارسة عمله
أحد موظّفي صندوق النظافة قال، لـ"العربي"، إن "مدير الصندوق، غازي أحمد علي، لا يستطيع الدخول إلى شارع جمال وممارسة عمله، بسبب اتّهامات موجّهة إليه بمناصرة جماعة أنصارالله، ولذا، فإنّه يدير شؤون الصندوق من منطقة الحوبان، والتي يوجد بها عدد كبير من معدّات صندوق النظافة".


وحصل "العربي" على بعض الإيضاحات التي وزّعها مدير الصندوق، على بعض المجموعات على تطبيق "واتس آب"، موضحاً تفاصيل عن الجوانب المالية المتعلّقة بعمله. وكتب غازي: "الأعزّاء، بالنسبة لرواتب المتعاقدين، الديوان، هناك توجيهات بصرف ثلاثة رواتب من قبل الأخ المحافظ (عبده الجندي) لديوان المحافظة، والصندوق والفروع التابعة له الرئيسية والثانوية، وأيضاً حديقة الحيوان، والزراعة".


وأضاف: "مع اعتذاري لأنّكم عارفين ما تعانيه محافظة تعز، من تدمير وأيضاً عدم استطاعة الصندوق استلام أي موارد، لا كهرباء، ولا مصانع، الإسمنت، ولا أيّ موارد".
وأشار إلى "(أنّنا) بدأنا منذ فترة بسيطة تحصيل نقطة الربيعي، ويتحصّلوا عادة في اليوم من مائة إلى مائة وخمسون (هكذا، والصحيح خمسين) ألف ريال، وسدّدنا رواتب المتقاعدين للصندوق ومشروع النظافة، وحديقة الحيوان، والزراعة، من شهر مارس إلى نهاية شهر يوليو 2015".
وأوضح أنّه "(تمّ)، أيضاً، سداد مستحقّات الحراسة الأمنية وبعض مصاريف النظافة، والمحروقات وغيره، حسب الإمكانيّات المتاحة".


وكشف مدير الصندوق عن "تنسيق مع منظّمات عديدة، على أساس يقوموا بنظافة المدينة، بشكل عام، وسيقومون بشراء المواد، وأيضاً دفع أجور العمال، ورفع المخلّفات كاملة لمدّة ثلاثة أشهر، وسيكون السداد عبرهم".


وتابع بالقول: "يداً بيد سيبدأ العمل إن شاء الله، من شهر يناير 2016، وتبدأ منظّمتين (هكذا، والصحيح منظّمتان) بحدود أربعمائة ألف دولار، والسداد عبرهم، وسيكون الصندوق عامل مساعد فقط".


وتحدّث عن أن "الصليب الأحمر، بدأ العمل في المدينة، وسيكون بالأطراف، وسيقوم بسداد مستحقّات العاملين أسبوعياً، عبر شركة الكريمي". وفي هذا الإطار، قال غازي إن "الصندوق عليه أن يشتري الديزل وخلافه، وإن شاء الله عند بدء المنظّمات، بالإمكان توفير مبالغ مالية، والتي سيتمّ تحصيلها عبر المنافذ، وسيكون سداد المرتّبات أوّلاً بأوّل، إعذروني على الإطالة. أكتب لكم بكلّ شفافية".
مسؤول سابق في الصندوق: هناك فساد
إلى ذلك، أكّد مسؤول سابق في صندوق النظافة أن "هناك حالات فساد تشوب عمل الصندوق حاليّاً"، منتقداً "الآلية التي يعملون عليها".


وأوضح أن "الصندوق يعمل بأشخاص، دون وجود هيكل إداري مثل المحاسب ومدير المشتريات"، وأنّه "تمّ القفز على مسؤول الصندوق، أحمد الرميمة، ومكتبه في منطقة المظفر، لتعيين متعاقدين آخرين، بالمخالفة للقانون".


واتّهم المسؤولين الحاليّين بـ"البعث بأصول الصندوق، من خلال استخدام طرق عشوائية لرفع القمامة بالجرّافات، واحتكاكها بالعربات، مما يؤدّي إلى إحداث أضرار في الناقلات الميكانيكية، وكذلك تدمير صناديق القمامة، والتي يصل سعر الواحد منها إلى ثلاثة وثمانين ألف ريال". 


وأكمل المسؤول السابق أنّه "رصد حالات لجمع مبالغ مالية من أصحاب الدكاكين والحارات من قبل مشرفي النظافة ومتعاملين معهم". (إرتفاع نفت هذا الإتّهام، وقالت إن هناك حالات فردية تمّ التعامل معها وإجراء التحقيق، وتبيّن إحدى الصور المرفقة بالتحقيق نسخة من هذه الوثيقة).


وبالنسبة للجانب المالي، أشار إلى أن "العاملين على شارع جمال يستلمون ثمانين ألف ريال بدل محروقات، بينما يتمّ استهلاك من 20 إلى 40 لتراً لنقل القمامة، عوضاً عن مبالغ كبيرة يتمّ صرفها تحت بند الصيانة، بينما المعدّات في أبأس حالاتها".


عودة إلى عمّال النظافة
كان لابدّ من العودة إلى متعاقدي الصندوق من العمّال والمشرفين في الرصيف، لتقصّي ما ورد على لسان هؤلاء. 
عمر محمد قائد، وهو مشرف، تحدّث، لـ"العربي"، عن أنّه "يشرف على عشرة عمّال هم قوام العاملين الميدانيّين في شارع جمال"، لكنّه قال إن "المراقبين أكثر من العمال"، وإنّه "قد يصل عددهم من أربعة إلى ثلاثة". (عند هذه النقطة، كان عمر قد استدعي من قبل منسّقة البرنامج، والتي كانت في الطرف الآخر من الشارع).


من جانبه، لفت أحد العمّال، من المحتجّين والمضربين عن العمل، إلى أن "الذين يعملون في شارع جمال عاملان اثنان"، وإن "هناك مبالغة في الرقم الذي أورده المشرف". وشكا هذا العامل من أنّه "لم يستلم مستحقّاته منذ أسبوعين، فيما زوجته لم تستلم منذ أسبوع".


ما الذي تعنيه كلمة قمامة؟
في السياق الصحي، حذّر، لـ"العربي"، مصدر طبّي من أن "تكدّس القمامة واختلاطها بالمجاري لا يقلّ خطورة عن الحرب التي تشنّ على مدينة تعز".


ونبّه إلى أنّه "إلى جانب حمّى الضنك والملاريا التي تنشط في مياه المجاري، نشطت أمراض السلّ التي يتسبّب بها دخان إحراق القمامة المتراكمة، من قبل الأهالي". 
وزوّد المصدر "العربي" بوثيقة ادّعى أنّها "تبيّن أن حالات السلّ ترتفع عند مستويات غير آمنة"، محذّراً من أنّه "إذا بقي الحال على ما هو عليه، فإنّه من غير المستبعد أن ينتشر مرض الكوليرا، وفيروسات أخرى".


يُشار إلى أنّه، بعد الانتهاء من كتابة هذا التحقيق، علم "العربي" أن محافظ تعز لم يلتق منسّقة عمل الصندوق في شارع جمال، مثلما كان مقرّراً.


كما علم "العربي" أن المحافظ سافر في مهمّة خارجية، واكتفى بإصدار قرار بإدارة مؤقّتة للصندوق من 5 أشخاص آخرين، بينهم المنسّق الأسبق للصندوق، حسين المقطري، ولم يتسنّ معرفة أسماء البقية.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص