الخميس 28 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
هالو . . يويا. - أمين احمد ثابت
الساعة 14:36 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

من طابقنا الثالث العتيق ، معالم حينا , وحي هيفاء . . يظهرا واضحا - هو اسم اطلقته على الاخر من مخرج ذاكرة الطفولة .
موكبا - كان الاعلام يحثنا لاستقباله بكرم - انه حامل الخير . . اخيرا . . إلينا - يتقدمه فاتحان , بعقالين ودشداشة . . مختلفة - وصلت إلينا روائح عطور متزاحمة - لم نكن نعرف سوى البخور والعود المحروق . . في المنازل ، حين تزداد رطوبة الجو ، وتتمدد منتجات التفاعل العضوي . . عن المجاري ، او تجمع القمامات التي لم تسحب عن حيينا - فحكومتينا تقول صبرا ، انها ضائقة . . مالية مؤقته . . وتزول - مع الاقتراب ، انفلق الموكبان عند زاوية العبور الى مدخل الحيين - كان الاكبر ومجموعته متوجها إلينا - معالمه كانت تتضح اكثر كلما . . اقترب ، يزداد جسده امتلاء . . كصخرة متدحرجة ببطيء كسول ، وبعنق يعكس كبرا وتعاليا . . مطبوعين بشدق مبتسم . . تصنعا .......
كانت هناك الكثير من الحقائب . . والصناديق المزركشة ، يحملها مستخدمين سمر - خلف مجموعة المرافقين - يحملونها بحرص - كانت خطواتهم تعكس طاعة . . مقدسة ......
كنت كبير الحي – كما يقوله الناس – طرق على البوابة الخشبية لحوش منزلنا . . الصغير – زغاريد وضجيج يصل إلى مسامعنا 
- دعنا نخرج نشوف . الحريم . . كلهن في الشارع . تسمع ....
- . . ما في خروج ، ولاظهور من أي مكان .
- ايوه . . انتظر .
كان الشارع ضاجا كخلية نحل . من زمن بعيد اسمع قهقهات في ارجاء المنطقة . كانت الاناث متقاطرات على شرفات المنازل ، واخريات يتهامسن بغنج عند عتبة أبواب منازلهن المتلاصقة – كن يلاحقن بنظراتهن . . الصناديق المحمولة . . والحقائب ، واذا ما وقف بصر احد ضيوفنا القادمين على احداهن – بعد ان مسح محيط تواجدهن ، تبتسم بود - كما لو انه احد اقاربها - كن يراقبن رحمة الله بإرساله هذا الغيث . . بشغف ....
كنت قد توتر وجهي من كثرة التركيز على ابتسامته الواسعة , الفاتحة لتجويف فمه كباب سري يقود الى مغارة – كيف لم يتعبا شدقيه من الانفراج . . منذ أن لاح قدومهم علينا 
- كيف احوالكم . . ياغالي . 
وقف إلى جواره راصد مال – بأدب جم ، مطأطيء الرأس، يرفعه بانكسار عندما يوجه سيده الحديث إليه – وبعد السلام والمجاملات ، يعرض سعرا لشراء المنزل ، اكثر من اربعة اضعاف ثمنه . . وربما يزيد – كنا . . مفلسين ، لم تعد لدينا مدخرات – لا احد عنده ، الكل مفلسا – بتأدب حتى لا نؤلم حامل الخير والمسرات ، عشنا منكشحين في الطابق الثالث – حسب رغبته استأجر الطابق الارضي . . بحوش المنزل – عندهم لا يمكن السكن إذا لم يشعر انه مالكا للأرض ، وجمالة منه اخذ الطابق الثاني . . كمكتب يدير فيه عماله – ولأنه ضيفنا .. قبلت بخجل على مضض . . كرمه – الفلوس مالها قيمة ، بل هي قيمة الانسان .. حين تعرفه – دفع تكاليف فتح بابا . . وسلما ممتد من طابقنا الثالث الى الشارع الترابي – مش مشكلة . هم ضيوفنا . . يأخذ الحوش .. والبيت كله . . بس لو كان لنا دار آخر .......
- اللهم لك الحمد . . على نعمك .
منذ زمن بعيد لم أرى الناس في حالة جذلى . . كما هم عليه منذ قدوم الغيث ، انتشاء . . غامر يعلق على الوجوه ، حتى عاد الناس إلى طبيعتهم اثناء سيرهم . . في الطريق – عادت خطوات الثقة والاعتزاز ، الحديث بصوت . . كما لو ان قول اي واحد . . هو مهم ومثار انتباه الاخرين – لعنة الله على الحاجة و . . الفقر ، كم يذلان . . الانسان – عمرا نراقب ناس البلدان الاخرى . . كيف هم . . يعيشون – ندعوا الله كثيرا . . ان يرفع الغمة , ويعوضنا على صبرنا – لم يعر أي منا اهتمامه .. سوى تحسن الدخل و . . تعويض ايام الفقر ؛ لم نلحظ نظرات الاختلاس والتربص عند القادمين ، كيف كانت تمشط البيوت المتراصة و. . المساحات الفارغة . . المبعثرة كأزقة مظلمة – كيف تتسمر اعناقهم عند مواضع تسرب صوت رقيق ، أو ظلال انثى . . يعكس تناسقا جسديا , وشعر كثيف ينساب على الظهر ، او كخصلات متنازعة مع بعضها . . عند تحرك ذلك الظلال 
- انهم صاروا يعرفون . . الان . . ما داخل البيوت – هي عشرة . . مثل بقية قاطني الاحياء الاخرى . . والمعارف في المدينة ؛ يتناقلون الحديث عن تلك البيوت .. التي تخفي بين جدرانها حسناوات يخلبن العقول – خاصة في حينا . . هذا – لم يكن تناقلا للاساءة ؛ بل للمصاهرة – من لا يعشق الجمال ......
قليلا . . الشباب يخدمون في مناشط واعمال مختلفة لدى اصحاب المال . . الكرام – بدلا عن الصعلكة في الشوارع – وبعد قليل . . غاب الهدوء ؛ مذاق العيش . . الخاص . . سابقا ؛ حتى عند لحظات فقرنا المدقع ؛ و . . رهاب الحرب . . العبثية – و . . انفتح حينا على موالد . . تسابيح . . وتكبيرات . . وخطب تذكر بالخوف من الاخرة ، و. . تعذيب القبر – كانت عشرات من مكبرات الصوت - الواحد بحجم مضاعف لرأس فيل اسيوي يافع . . لحظة شبقه الجنسي – تعتلي الاركان والزوايا ، كانت توهج الحي بطقوس مرعبة – لم يهتم احدا ؛ فلوس . . وفلوس . . وفلوس – لم أعد اسمع اني كبير الحي ، ح . . حتى – لن تصدقوا – عند اختلاف زوجين . . ح . . حتى في امورهما السرية ؛ يدعيان كبير من قدم بالغيث – لم يعلم احد ، ان كثير من المستخدمين من الحي ، كشفوا ما في كل بيت ، ويسعون سرا لتخليق صراع داخل بيت . . وقع عليه الاختيار . . وسال عليه اللعاب – إن حريمنا لا تنكشف على الغريب ؛ لكن القدر العالي لحاملي النعمة إلى الحي . . كان من العيب الا تكشف الزوجة عن نفسها ، و . . بجوارها زوجها . . جلوسا بحضرته ، كإنساني يخاف الله – كثيرا – ليحل مشكلتهما – خاصة كنوع من الخجل من حسن ذوقه ، حين يقدم وانواع من الهدايا يحملها خادمه . . مستبقا . . قدومه .........
. . وقليلا . . بعد حين . . طالت اللحى – في حينا – وطالت المسابح . . المدارة . . بين الاصابع – ليل نهار – وانفتح بهرج المطاعم الفاخرة ؛ المولات ؛ الحانات . . المواربة . . في الشوارع الخلفية ؛ ومراقص تنثر ضجيجا متداخلا ب . . حي هيفاء .
اختفت كل اساليب وألوان الحساب ، ولم يبقى هنا سوى عد الفلوس , الدين , وتسديد الديون و. . الايجارات – وجدتني اقبع في شرفتي – كالحاضر الغائب – يتبعثر بصري بين المواضع المختلفة ، وامتداد الحي – بين راهن وماضي . . كان هنا قريبا - لم اسمع زواج لبنت من الحي على شاب من الاحياء الاخرى ؛ كن يتلاشى وجودهن . . تدريجيا – كوباء طاعون انتشر واخذ يفتك . . فقط بالإناث – تقاطرت زواجات الاجانب . . بهن , حتى يتخذ الواحد اثر من ثلاث . . ويختفين . . لاحقا – وتغيرت الوجوه ، لم نعد نعرف بعضنا – من وقت باكر . . انعزلت واسرتي في مسكننا الضيق - لم اقوى على مغادرة بيتي و . . موطني ، ولم اعد قادرا على استرداد منزلي – كيف سنعيش – كان جبرا التشرنق في العزلة ، بعد أن تتبعت تهيؤات حدسية . . تفرض نفسها كشكوك في داخلي ، لحظت من يومها . . اختلاسات و . . ايماءات . . تجاه اهل بيتي – لم اعرها اهتماما . . بحسن ظن . . كغيري . . من قبل ، خاصة وهم لم تغادرهم لغة التلاطف والتحبب و . . نثر المال ب . . سخاء .....
.... لاني بنايم
. . ولا ني بصاحي
لم يتوقف من الاغنية سوى هذه الكلمات . . في اذنى ، وتأكدت اني صرت غريبا في حينا ، ولم يعد هناك وجها اعرفه . . يمكن اصادفه في الطريق .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص