الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
هالو . . يويا. - أمين احمد ثابت
الساعة 14:36 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

من طابقنا الثالث العتيق ، معالم حينا , وحي هيفاء . . يظهرا واضحا - هو اسم اطلقته على الاخر من مخرج ذاكرة الطفولة .
موكبا - كان الاعلام يحثنا لاستقباله بكرم - انه حامل الخير . . اخيرا . . إلينا - يتقدمه فاتحان , بعقالين ودشداشة . . مختلفة - وصلت إلينا روائح عطور متزاحمة - لم نكن نعرف سوى البخور والعود المحروق . . في المنازل ، حين تزداد رطوبة الجو ، وتتمدد منتجات التفاعل العضوي . . عن المجاري ، او تجمع القمامات التي لم تسحب عن حيينا - فحكومتينا تقول صبرا ، انها ضائقة . . مالية مؤقته . . وتزول - مع الاقتراب ، انفلق الموكبان عند زاوية العبور الى مدخل الحيين - كان الاكبر ومجموعته متوجها إلينا - معالمه كانت تتضح اكثر كلما . . اقترب ، يزداد جسده امتلاء . . كصخرة متدحرجة ببطيء كسول ، وبعنق يعكس كبرا وتعاليا . . مطبوعين بشدق مبتسم . . تصنعا .......
كانت هناك الكثير من الحقائب . . والصناديق المزركشة ، يحملها مستخدمين سمر - خلف مجموعة المرافقين - يحملونها بحرص - كانت خطواتهم تعكس طاعة . . مقدسة ......
كنت كبير الحي – كما يقوله الناس – طرق على البوابة الخشبية لحوش منزلنا . . الصغير – زغاريد وضجيج يصل إلى مسامعنا 
- دعنا نخرج نشوف . الحريم . . كلهن في الشارع . تسمع ....
- . . ما في خروج ، ولاظهور من أي مكان .
- ايوه . . انتظر .
كان الشارع ضاجا كخلية نحل . من زمن بعيد اسمع قهقهات في ارجاء المنطقة . كانت الاناث متقاطرات على شرفات المنازل ، واخريات يتهامسن بغنج عند عتبة أبواب منازلهن المتلاصقة – كن يلاحقن بنظراتهن . . الصناديق المحمولة . . والحقائب ، واذا ما وقف بصر احد ضيوفنا القادمين على احداهن – بعد ان مسح محيط تواجدهن ، تبتسم بود - كما لو انه احد اقاربها - كن يراقبن رحمة الله بإرساله هذا الغيث . . بشغف ....
كنت قد توتر وجهي من كثرة التركيز على ابتسامته الواسعة , الفاتحة لتجويف فمه كباب سري يقود الى مغارة – كيف لم يتعبا شدقيه من الانفراج . . منذ أن لاح قدومهم علينا 
- كيف احوالكم . . ياغالي . 
وقف إلى جواره راصد مال – بأدب جم ، مطأطيء الرأس، يرفعه بانكسار عندما يوجه سيده الحديث إليه – وبعد السلام والمجاملات ، يعرض سعرا لشراء المنزل ، اكثر من اربعة اضعاف ثمنه . . وربما يزيد – كنا . . مفلسين ، لم تعد لدينا مدخرات – لا احد عنده ، الكل مفلسا – بتأدب حتى لا نؤلم حامل الخير والمسرات ، عشنا منكشحين في الطابق الثالث – حسب رغبته استأجر الطابق الارضي . . بحوش المنزل – عندهم لا يمكن السكن إذا لم يشعر انه مالكا للأرض ، وجمالة منه اخذ الطابق الثاني . . كمكتب يدير فيه عماله – ولأنه ضيفنا .. قبلت بخجل على مضض . . كرمه – الفلوس مالها قيمة ، بل هي قيمة الانسان .. حين تعرفه – دفع تكاليف فتح بابا . . وسلما ممتد من طابقنا الثالث الى الشارع الترابي – مش مشكلة . هم ضيوفنا . . يأخذ الحوش .. والبيت كله . . بس لو كان لنا دار آخر .......
- اللهم لك الحمد . . على نعمك .
منذ زمن بعيد لم أرى الناس في حالة جذلى . . كما هم عليه منذ قدوم الغيث ، انتشاء . . غامر يعلق على الوجوه ، حتى عاد الناس إلى طبيعتهم اثناء سيرهم . . في الطريق – عادت خطوات الثقة والاعتزاز ، الحديث بصوت . . كما لو ان قول اي واحد . . هو مهم ومثار انتباه الاخرين – لعنة الله على الحاجة و . . الفقر ، كم يذلان . . الانسان – عمرا نراقب ناس البلدان الاخرى . . كيف هم . . يعيشون – ندعوا الله كثيرا . . ان يرفع الغمة , ويعوضنا على صبرنا – لم يعر أي منا اهتمامه .. سوى تحسن الدخل و . . تعويض ايام الفقر ؛ لم نلحظ نظرات الاختلاس والتربص عند القادمين ، كيف كانت تمشط البيوت المتراصة و. . المساحات الفارغة . . المبعثرة كأزقة مظلمة – كيف تتسمر اعناقهم عند مواضع تسرب صوت رقيق ، أو ظلال انثى . . يعكس تناسقا جسديا , وشعر كثيف ينساب على الظهر ، او كخصلات متنازعة مع بعضها . . عند تحرك ذلك الظلال 
- انهم صاروا يعرفون . . الان . . ما داخل البيوت – هي عشرة . . مثل بقية قاطني الاحياء الاخرى . . والمعارف في المدينة ؛ يتناقلون الحديث عن تلك البيوت .. التي تخفي بين جدرانها حسناوات يخلبن العقول – خاصة في حينا . . هذا – لم يكن تناقلا للاساءة ؛ بل للمصاهرة – من لا يعشق الجمال ......
قليلا . . الشباب يخدمون في مناشط واعمال مختلفة لدى اصحاب المال . . الكرام – بدلا عن الصعلكة في الشوارع – وبعد قليل . . غاب الهدوء ؛ مذاق العيش . . الخاص . . سابقا ؛ حتى عند لحظات فقرنا المدقع ؛ و . . رهاب الحرب . . العبثية – و . . انفتح حينا على موالد . . تسابيح . . وتكبيرات . . وخطب تذكر بالخوف من الاخرة ، و. . تعذيب القبر – كانت عشرات من مكبرات الصوت - الواحد بحجم مضاعف لرأس فيل اسيوي يافع . . لحظة شبقه الجنسي – تعتلي الاركان والزوايا ، كانت توهج الحي بطقوس مرعبة – لم يهتم احدا ؛ فلوس . . وفلوس . . وفلوس – لم أعد اسمع اني كبير الحي ، ح . . حتى – لن تصدقوا – عند اختلاف زوجين . . ح . . حتى في امورهما السرية ؛ يدعيان كبير من قدم بالغيث – لم يعلم احد ، ان كثير من المستخدمين من الحي ، كشفوا ما في كل بيت ، ويسعون سرا لتخليق صراع داخل بيت . . وقع عليه الاختيار . . وسال عليه اللعاب – إن حريمنا لا تنكشف على الغريب ؛ لكن القدر العالي لحاملي النعمة إلى الحي . . كان من العيب الا تكشف الزوجة عن نفسها ، و . . بجوارها زوجها . . جلوسا بحضرته ، كإنساني يخاف الله – كثيرا – ليحل مشكلتهما – خاصة كنوع من الخجل من حسن ذوقه ، حين يقدم وانواع من الهدايا يحملها خادمه . . مستبقا . . قدومه .........
. . وقليلا . . بعد حين . . طالت اللحى – في حينا – وطالت المسابح . . المدارة . . بين الاصابع – ليل نهار – وانفتح بهرج المطاعم الفاخرة ؛ المولات ؛ الحانات . . المواربة . . في الشوارع الخلفية ؛ ومراقص تنثر ضجيجا متداخلا ب . . حي هيفاء .
اختفت كل اساليب وألوان الحساب ، ولم يبقى هنا سوى عد الفلوس , الدين , وتسديد الديون و. . الايجارات – وجدتني اقبع في شرفتي – كالحاضر الغائب – يتبعثر بصري بين المواضع المختلفة ، وامتداد الحي – بين راهن وماضي . . كان هنا قريبا - لم اسمع زواج لبنت من الحي على شاب من الاحياء الاخرى ؛ كن يتلاشى وجودهن . . تدريجيا – كوباء طاعون انتشر واخذ يفتك . . فقط بالإناث – تقاطرت زواجات الاجانب . . بهن , حتى يتخذ الواحد اثر من ثلاث . . ويختفين . . لاحقا – وتغيرت الوجوه ، لم نعد نعرف بعضنا – من وقت باكر . . انعزلت واسرتي في مسكننا الضيق - لم اقوى على مغادرة بيتي و . . موطني ، ولم اعد قادرا على استرداد منزلي – كيف سنعيش – كان جبرا التشرنق في العزلة ، بعد أن تتبعت تهيؤات حدسية . . تفرض نفسها كشكوك في داخلي ، لحظت من يومها . . اختلاسات و . . ايماءات . . تجاه اهل بيتي – لم اعرها اهتماما . . بحسن ظن . . كغيري . . من قبل ، خاصة وهم لم تغادرهم لغة التلاطف والتحبب و . . نثر المال ب . . سخاء .....
.... لاني بنايم
. . ولا ني بصاحي
لم يتوقف من الاغنية سوى هذه الكلمات . . في اذنى ، وتأكدت اني صرت غريبا في حينا ، ولم يعد هناك وجها اعرفه . . يمكن اصادفه في الطريق .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً