السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
التربة حيفان : طريق بحجم الحرب
الساعة 19:45 (الرأي برس - عربي )

دائماً ما يجرّد الإعتياد الأشياء، ويحوّلها إلى أرقام، ومسميّات. ولذا، عندما يتحدّث الإعلام عن الحرب، يأخذ بالنتائج، بما يمكن أن تعنيه لمتفرّج مطمئن، يقف خلف الشاشة الصغيرة.
في تقصّينا للطرق التي يسلكها الناس في محافظة تعز، لتحاشي التعقيدات التي فرضتها الحرب، سلك موقع "العربي" طريق التربة-حيفان، متمعّناً في الظروف التي يقاسيها الناس، وهم يحاولون كسر الحصار والوصول إلى مدينتهم المنكوبة والمحاصرة.


التربة... متنفّس للتسوّق
هذه المرّة اتّجهنا جنوباً، من مديرية الشمايتين (تبعد 45 كم عن مدينة تعز) لنسلك الطريق الجنوبية، والتي تمكّن الحافلات من المرور إلى نقاط آمنة نوعاً ما، بأخذ طريق ملتفّة وطويلة.
بدأت الرحلة عند الساعة الثامنة صباحاً، من خلال حافلة متوسّطة لنقل الركاب، وكانت نقطة الإنطلاق من سوق "المركز" (مركز منطقة الشمايا). توجّهت الحافلة جنوباً، إلى الخطّ الإسفلتي المتّجه إلى مدينة التربة، واستغرقت هذه الطريق المستوية ما يقارب ربع ساعة.
ومن داخل مدينة التربة، مركز مديرية الشمايتين، والتي أصبحت مؤخّراً متنفّساً، ووجهة شرائية للكثير من العائلات، بعد تضييق الخناق على مدينة تعز، تنعطف الحافلة يساراً إلى طريق ترابية، مؤدّية إلى كلية التربية، وهناك تمكن مشاهدة حجم حركة الطلاب، وأساتذة الجامعة.
نقيل هيجة العبد


دقائق أخرى، تكون الحافلة قد دخلت إلى نقيل هيجة العبد، التابع لمديرية المقاطرة، والتي تتبع إدارياً، منذ ما بعد العام 2000، لمحافظة لحج. 
في التاريخ المعاصر للبلاد، تُذكر مديرية المقاطرة بأنّها شهدت، في الثلاثينات من القرن المنصرم، صراعاً بين أبناء المنطقة وحكم الإمام يحيى حميد الدين، عقب انسحاب الأتراك من اليمن، بناءً على الإتّفاق الذي أنهى الحرب العالمية الأولى، ومحاولة الإمام، آنذاك، بسط سيطرته على مناطق واسعة.
وبغضّ النظر عما انتهى إليه الصراع من نتائج دموية، لا تزال هذه المناطق حاضرة في ما يعتمل اليوم. ففي الطريق المتعرّجة، تلاحظ، من خلال العربات والناقلات، الحركة التجارية التي تربط بين المقاطرة، وبين الخطّ المؤدي إلى المحافظات الجنوبية، وبالتحديد عدن. 


وفي الداخل، خلف نوافذ الحافلة، كان طفل صغير في أشهره الأولى، في الصفوف الخلفية، يبكي متبرمّاً، بينما لا تفتأ أمّه تتوقف تهدهده لينام، وقد فاقم الجوّ الخانق وطبيعة المكان، من حجم التململ.
ومع التطوّرات الأمنية الأخيرة، تكثّفت حركة سيّارات النقل العامّة (الأجرة)، والتي تقوم، بالتعاون مع المنظّمات الحقوقية، بتنظيم رحلات للنازحين الشماليين، المهجّرين قسراً من مدينة عدن. أعداد كبيرة من المُرحّلين من "الجنوب" وصلوا إلى نقطة خبت الرجاع


كانت الساعة تتجاوز العاشرة، عندما انتهى طريق الإسفلت إلى سائلة هيجة العبد، وصار الركّاب يتأرجحون في طريق تكاد تكون بلا معالم. فهذا القعر السحيق أصبح حوضاً لتجمّع الحجارة الكبيرة السوداء، والتي تأتي بها السيول من على جبال المنطقة، بينما تمّت على مايبدو، في وقت سابق، من خلال السور الجانبي للحجارة والإسمنت، محاولة محاصرة هذا التدفّق الأعمى، دون جدوى. 
وعلى اليمين، ترى بائعي السمك، بسيّاراتهم "الشاص" المحمّلة بثلاجات الفيبر جلاس، وكذلك تجمعّاً لمبان صغيرة، هو سوق السبت. 


خبت الرجاع 
تنتهي سائلة هيجة العبد إلى منطقة خبت الرجاع، وهي منطقة رملية منبسطة، كلّ رمالها صفراء، وتلتقي فيها الرمال الصحراوية، بالأراضي الزراعية الخصبة لمديرية الصبّيحة.
في الأسابيع القليلة الماضية، صار من المعروف أن هذا "الخبت"، هو المآل الأخير للمواطنين الشماليين، وخاصّة من أبناء مدينة تعز، والذين تنقلهم -قسراً- المركبات التي تسيّرها إدارة أمن محافظة عدن إلى تلك النقطة. وهذه قصّة أخرى.


قال، لـ"العربي"، ناشط حقوقي -طلب عدم ذكر اسمه- يعمل ضمن منظّمة "كير"، إن "أعداداً كبيرة من هؤلاء المُرحّلين وصلوا إلى تلك النقطة"، مضيفاً أن "مشائخ وأعياناً، من منطقة الصبّيحة، أفرغوا مؤقّتاً مدرسة لإيواء هؤلاء، ولافتاً إلى أن منظّمات حقوقية، من بينها منظّمته، "تكفّلت بتوفير موادّ إغاثية وإيوائية، ومن ثمّ توفير وسائل مواصلات، بالتعاون مع نقابة النقل، لنقل المرحّلين إلى منطقة التربة".


وحول حجم المُرحّلين، امتنع الناشط عن إعطاء أيّ إحصائية، غير أنه أشار إلى أنّه "تمّ، في يومين فقط، إخراج 1200 مواطن"، وأنّه "تمّ التعاون معهم لإيصالهم إلى مناطقهم في مديرية الشمايتين"، مؤكّداً أن "إجراءات الترحيل لا زالت مستمرّة". وتحدّث الناشط، عن أن أغرب قصّة سمعها من هؤلاء، هي من أحد المُرحّلين، الذي خرج ظهراً لشراء وجبة غداء له ولزوجته، لكنّه لم يعد لها بالوجبة إلى اليوم.


وأوضح أن ترحيل الشماليين "فاقم من الوضع الإنساني للمنطقة، حيث النازحون الذين غادروا مناطقهم في الوازعية بعد سيطرة أنصار الله على مركز المديرية، إلى جانب الذين غادروا مدينة تعز، يُضاف إليهم النازحون الجدد من محافظة عدن".


حيفان.. نقيل آخر
يلي هذا الخبت، وأسواقه، منطقة حيفان. وقبل المجازفة لقطع نقيل المنطقة، حاول بعض سائقي الحافلات الحيلولة دون مواصلتنا للمشوار، من خلال إخبار السائق بأن "النقيل" مقطوع من قبل جماعة "أنصارالله"، التي يبدأ أوّل تواجد لمسلّحيها في هذا المكان.


مع ذلك، اختار السائق مواصلة المشوار. في بداية الطريق الجبلية الإسفلتية، كان طابور طويل من السيّارات والناقلات الكبيرة يرتصّ، ويمكن مشاهدته من الأسفل. 


استغرق هذا الطريق ساعتين إضافيتين، وكانت الحركة البطيئة للمركبات، مبعثها الخوف من ناقلات الغاز والبترول والتي تمرّ من هنا، علماً أن الطريق يتّسع، بالكاد، لمرور عربات نقل عادية.
وفي الخلف، حيث جبال المنطقة، المتّسقة بمعمارها مع الطابع الذي اتّخذه الناس للبناء، كانت تدوّي، جنوباً، أصوات المدفعية والإشتباكات.


الدمنة... إجراءات تفتيش وتوتّر
يؤدّي المسار الجبلي المسفلت إلى منطقة دمنة خدير. هناك، تمكن رؤية حالة الإرباك، في التعامل مع المواطنين المنهكين، حيث يقوم مسلّحو جماعة "أنصار الله" بتفتيش السيّارات الخارجة والداخلة من المكان، وبإجراءات بطيئة ومعقّدة، تشيع حالة من التوتّر والإرتباك لدى الطرفين.
ثمّ، بعد ذلك تكون السيّارة في الطريق الرئيسي الممتدّ من تعز إلى مدينة عدن. 
وعندما تدخل الحافلة إلى منطقة الحوبان، تكون الساعة ما يقارب الواحدة والنصف. ناهيك عن الإجراءات الأخرى التي تقودك إلى داخل المدينة، في رحلة أشبه بالكابوس.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً