الخميس 28 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
عندما أكون تيساً*.. - سليم المسجد
الساعة 13:33 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

أبني بيوتاً على رمل..قصوراً في بحر..فللاً على شواطئ..ناطحات سحاب على قمم...، تقلّني سيارة فارهة، دراجة نارية، سفينة، زورقاً بحرياً، طيَّارة..أسبحُ، أتزلجُ، أطيرُ، أطوفُ الحدائق والعجائب، أحلِّقُ في سماء الأثرياء "أنا رجل أعمال مهم، الوليد لاشئ عندي" احتلَّ حسابي قائمة الصدارة..الرقاب تحنو أمامي..غلمان وجوارِ، خدم وحشم عن شمالي ويمناي..زوجة...زوجات...يعتلين على أسَرِّة من ذهب، وأنا المَلك.يتبارين ملكات الجمال في ميدان ترفي الباذخ، وفي كل ناحيةٍ فاتنة تربض بإغراءٍ فاحش، وأنا ولاغيري أنا.
 

سئمتُ الروتين اليومي، في هذه المرة سأصعدُ فوق النجوم..تقلّني مركبة فضائية صنعتها بيدي..أتجولُ على سطح القمر..أتنقلُ من كوكبٍ إلى آخر..الحياة على المريخ أفضل..رحلة ممتعة..رحلة مم...لو كان لو كان لو......
لا أدري كم من الوقت مضى، اختفى هذا العالم عني، وطوابير استفهامية تتراص على رأسي.. أنفثُ آخر أعقاب سجائري، وجالساً على بساطٍ رث..صرخات بلابلي حُشرتْ  في أذني، فانكسرتْ قيثارة الكيف، وأكوام ترابية تهيل على رأسي، أنفخُ وأنفخُ، انتابني غثيان، فأسرعتُ نحو الحمام، أزبل..أتمضمض وأتقيأ، فأفرغتُ مافي بطني، أخضرَّ المرحاض وتلون ولم تخضرّ يبوسة فاي..خرجتُ بقدمين مرتعشتين، أخطو وأخطو مهزوزاً كنعجةٍ هزيلة..ارتميتُ على فراشي المهترأ وأحدثُ نفسي عن السبب:
"كان الغداء ضعيفاً و'القات'مسموماً، لعن الله 'القات'". أضغطُ على رأسي بما تبقى لدي من قوة، فيشتد الألم، تنفك شفتاي الجافتان:
"أين البرمول*؟ أين....؟". دلفتْ زوجتي بصدرٍ صخري وشِفاه شاحبة:
"سيدي،البيت صفر والأولاد بلا عشاء" فارتطمتْ الأرض برأسي، اعتلجتُ في نفسي وأعتلجُ، تهجدتْ روحي في محرابها تستطيب العذابات..أتساءل نفسي وأجيبها:
"متى ستمطر سماء إعطائي..لترتوي بحباته سيمفونية حبي وألحانها وبلابلنا..؟؟" سأصوم الدهر حتى..ثم حتى..وحتى..وسيأتي غداً.


————
 

*"التيس": رمزا للقات.. كما في الحكاية اليمنية يحكى أنه أول من اكتشف شجرة القات.

*بارامولParamol: أقراص دوائية مسكنة للألم وخافضات للحرارة.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص