السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
حضرموت تنعى غزاتها
الساعة 19:29 (الرأي برس - العربي)

تعرّضت حضرموت القابعة في منتصف جنوب جزيرة العرب، عبر تاريخها الوسيط والحديث، لبعض الغزوات. أتت الغزوات، غالبًا، من أطراف إقليمية ولاسيّما من جيرانها العرب، لأسباب وذرائع تباينت ما بين سياسية وعقائدية وتنافسية. وتلك الدول العربية التي ولجت جيوشها للأرض الحضرمية هي: عمان بما فيها ما يعرف اليوم بدولة الإمارات التي كانت جزءًا من الساحل العماني، ثم الدولة السعودية التي تعدّدت فتراتها نهوضًا وسقوطًا، ومصر التي قامت بها عدة دول أُسرية، ومن بينها دولة الأيوبيين.

ومن غير العرب غزاها البرتغاليون والأتراك، وأشتات من العناصر الأجنبية أتت ضمن الجيش العربي المصري.


أمّا عمان فتدخّلت في حضرموت، في القرن الخامس الهجري، بذريعة حماية كيانها الإباضي، الذي كان متمثّلاً بدولة إبراهيم بن قيس، المعروف بأبي إسحاق الحضرمي. هذا الأخير استدعى القوّة العمانية لتوطيد أركان دولته في حضرموت، لكنّها تلاشت بوفاته.


وتلى العمانيّين المصريّون، عبر دولة الأيوبيّين في مصر.وتمثّلت ذريعة الأيوبيّين في القضاء على أنصار التشيّع باليمن بعد أن أزالوا دولتهم الفاطمية في مصر. وكانت حضرموت، حينها، موزّعة بين ثلاث كيانات قبلية تتخبَّط في الفوضى والتطاحن، واستمرّت كذلك حتّى استيلاء الجيش المصري عليها، بقيادة عثمان الزنجيلي، الذي كان، حينها، نائب الأيوبيين في عدن. السبب الحقيقي الذي دفع بالزنجيلي إلى غزو حضرموت غير معروف. من المؤرّخين من يقرّر أن السبب كان الطمع في ضمّ حضرموت، ومنهم من يرى ذريعتهم هو القضاء على الشيعة وعلى أنصارهم من الصوفية والعلويين.
في سنة 575هـ، جهّز المصريون جيشًا من اليمنيين والشاميين ومن الأكراد والأتراك، عُرف في التاريخ الحضرمي بـ"الغُز"، تحت قيادة عثمان الزنجيلي. إحتلّ ذلك الجيش مدن الشحر وتريم وشبام، وأزال تلك الكيانات المتصارعة فيها. لكن في الوقت نفسه، ارتكب الزنجيلي، وهو من أصول سورية، بعض الفظائع، فأسرف في القتل، ولم يسلم منه حتّى الفقهاء في أربطتهم. وعاد الزنجيلي إلى عدن بعد أن ترك أخاه الأسود أو السُّوَيّد الزنجيلي واليًا على حضرموت.


ثم ثارت قبائل حضرموت في عهد السويد الزنجيلي، ولم يستطع كبح جماحها، ولا يُعرف مصير السّويد. فأرسل الأيوبيّون إلى حضرموت جيشًا كثيفًا بقيادة عمر بن مهدي اليمني لإخضاعها. فاستولى على الشحر وتريم وشبام بعد مجازر رهيبة. وفي سنة 621هـ ثارت قبيلة نهد على ابن مهدي في وادي شُحُوح، وهاجمت ابن مهدي في شبام وقتلته. وكان في ذلك نهاية وجود الأيوبيين في حضرموت.
في سنة 673هـ، عاد العمانيون مرّة أخرى إلى مسرح الأحداث الحضرمية، عبر شخصية سالم بن إدريس الحبوضي الظفاري المولد، الحضرمي الأصل. وبذريعة الفتن الضاربة أطنابها في حضرموت، حاول الحبوضي توسيع إمارته الظفارية. فقدم إلى حضرموت واشترى مدينة شبام واستعمل أخاه موسى عليها. ثم هاجم واحتلّ مدينتي سيئون ودمون، وحاصر مدينة تريم، لكن طال صمودها، فيئس الحبوضي من الإستيلاء عليها، ثم غادر حضرموت إلى ظفار تاركًا آل كثير عمّالًا على ما تمكّن من احتلاله من المدن الحضرمية.


ثم جرى بين الرسوليين (حكّام تعز) والحبوضي ما جعل بني رسول يُجهزون على الحبوضي بحملة عسكرية انطلقت إلى ظفار. ودارت بينهم معركة في ساحل ظفار انتهت بمقتل الحبوضي وانهزام جيشه. فاحتل الرسوليون ظفار سنة 678 هـ، وظلّوا يحكمونها حتّى سنة 807 هـ، حين أخرجهم منها آل كثير. كانت اليمن إحدى أُمنيات الأتراك لأهميّتها العسكرية وموقعها الإستراتيجي


وفي عهد السلطان الكثيري بدر أبي طويرق، شهدت حضرموت أوّل غزو أوروبي. فقد هاجم البرتغاليون مدينة الشحر، العاصمة التجارية للدولة الكثيرية. وكان البرتغاليون، بعد فشلهم في احتلال عدن، قد أدركوا أن الشحر هي إحدى الروافد الرئيسة التي تمدّ عدن بجانب من قوّتها ومنعتها؛ لذا قرّروا أن يدمّروا إمكانيات الشحر المادّية والبشرية حتّى لا تتمكّن في المستقبل من تقديم أيّ عون مادّي لعدن.
وصل إلى الشحر، صباح يوم الخميس التاسع من شهر ربيع الأول سنة 929هـ، أسطول برتغالي مكوّن من ثماني سفن حربية، واتّصل قائده بحاكم الشحر الأمير مطران بن منصور مطالبًا السلطان بدر الكثيري (بوطويرق) بممتلكات شخص برتغالي زعم أنه مات في الشحر، وأن السلطان قد استولى على تركته. وكان هذا الطلب ذريعة مفتعلة لغزو الشحر. فاتّضح للأمير مطران ولأهل الشحر أن البرتغاليين يبيّتون أمرًا لهم. فجمع أعيان البلدة وتدارسوا الأمر بينهم، وكان من جملة ما قرّروه أن يستعدّوا لمنازلة البرتغاليين مهما كلّفهم الأمر؛ لأن حامية الشحر كانت قد ذهبت إلى حضرموت الداخل بصحبة السلطان بدر، ولم يبق من الجند في الشحر إلا بعض المسِنّين حرّاساً على بعض المؤسّسات الرسمية.

 
وفي بكرة يوم الجمعة، العاشر من شهر ربيع الأول سنة 929 هـ، نزل إلى الشحر سبعمائة من المقاتلين البرتغاليين، ومعهم كلّ ما استطاعوا توفيره لأنفسهم من آلات التدمير والقتل، وابتدأوا يطلقون النار على كلّ من يصادفونه، ويضرمون النار في المنازل والمستودعات والأكواخ، وامتدّت أيديهم بالنهب في المحلّات التجارية، ودارت معارك في الشحر ثلاثة أيام متوالية، استشهد فيها المئات من أبناء الشحر، وأُحرقت مئات المنازل والأكواخ.


وفي صباح ثالث أيام المعركة، جاءت قوّة من حامية المشقاص لنجدة أهل الشحر؛ فلاذ البرتغاليون بالفرار في سفنهم، وكانت هذه المعركة أوّل مقاومة شعبية تهبّ في وجه الأطماع الإستعمارية الأوروبية في اليمن، أو ربّما في العالم العربي بأسره، عام 1523م.
في حوالي 1221هـ (1806م) جاء غزو سعودي لحضرموت حاملاً فكره الوهابي، وقد مرّت جموعهم بطريق العبر إلى وادي حضرموت في حملة استطلاعية عسكرية، ثم عادوا أدراجهم إلى نجران. وفي سنة 1224هـ (1809م) جاء السعوديون للمرة الثانية غُزاة لحضرموت، وفي هذه المرّة، ناصرتهم جماعات كبيرة من الحضارم الناقمين على الصوفية وطقوسها في حضرموت.
وتُعرف هذه الحملة العسكرية بحملة "إبن قملا" وهو مرتزق من رؤساء قبيلة دهم اليمنية، فكان مرشدًا للجيش السعودي في توجّهه إلى حضرموت. وبما أن عقائد الوهابيين تستنكر ما تعوَّد عليه بعض الحضارم من التبرّك بقبور الموتى، وتشييد القِباب عليها، وإقامة الزيارات لها، فقد هدم الوهابيون كلّ قِباب تريم، وأحرقوا بعض الكتب المتداولة في الأوساط الصوفية، ومنع الوهابيون قراءة الرواتب وإقامة الحضرات والزيارات للأضرحة، وقد مكثوا في وادي حضرموت زُهاء أربعين يومًا.
ويذكر بعض المؤرّخين أن فرقة من الجيش السعودي توجّهت إلى الشحر بذريعة محاربة الخرافات التي يلصقها بعضهم بالدين، بما يشابه ما كان موجودًا في تريم، وأقامت هذه الفِرقة العسكرية معسكرًا لها في منطقة الخور، ولم يذكر المؤرخون شيئًا عن هدم قباب في الشحر، وكان ذلك على عهد السلاطين آل بريك.


من جهة أخرى، كانت اليمن إحدى أُمنيات الأتراك لأهميّتها العسكرية وموقعها الإستراتيجي المهيمن على شواطئ البحرين العربي والأحمر. وفي النصف الأوّل من القرن التاسع عشر، حاول الأتراك إقامة مركز نفوذ لهم في الساحل الحضرمي، وخاصّة في الشحر بوساطة الكثيريّين، ولكن منافسيهم اليافعيين أنزلوا الهزيمة بقوّتهم البحرية الغازية .


وما زالت الأيّام دولاً في حضرموت، ويرنو قاطنوها في كلّ دورة سياسية منها نحو عيشة راضية وحياة آمنة، رغم وقوعها في محيط يعاني من القلق المزمن مع جيرانها، ومع القوى المؤثّرة الأخرى في عالم متغيّر ومعقّد.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً