- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
سألت الليلة شاباً يافعاً يتواجد في صعدة عن صعدة، فقال إن الطيران دمر كل شيء هناك، حتى المقابر. وسألته عن الناس فقال إنه لم يعد يرى أحداً. وسألته لماذا بقي في المدينة ولم يذهب إلى الحرب فقال "تركوني في دكّان".
لم يعد هناك من رجال في صعدة، ولا شبّان. لقد غادر الرجل الأخير إلى الكهف، وكان اسمُه عبد الملك بدر الدين الحوثي. وهو يغادر إلى الكهف رأى كتفي آخر رجل أدار ظهره لصعدة.
في صعدة ثمّة نساء بلا أطفال. وعلى التخوم توجد معسكرات وأناشيد تصل إلى الجبل، ولا يدري عنها العالم شيئاً. لقد حوّل عبد الملك الحوثي صعدة إلى أكبر سجن في الهواء الطلق. أبعد من ذلك: إنها شبيهة بمعسكر اعتقال جماعي. وفي المعسكر نساء فقط. نساء وربّما رضّع.
قال أحد الدارسين لتاريخ اليمن إن ذلك هو شأن صعدة. وأن سكّانها لم يزيدوا قط عن 300 ألف نسمة! فقد كان الأئمة يخوضون حروباً في كل مكان، ثم يعودون إلى صعدة وقد صارت من جديد أرضاً ل 300 ألفا!
قبل عامين سألت ناشطين حقوقيين عادا من صعدة فأخبراني أن كل القطاع الطبي في صعدة ليس سوى "9 ممرضات". وهناك مقابر جماعية مهيبة، ويحفظ من بقي من سكان صعدة الكثير من أناشيد الجهاد والآيات التي تتحدث عن الدار الآخرة.
بعد الحرب السادسة خصصت الحكومة 250 منحة دراسية لصعدة. حضر شباب صعدة إلى التعليم العالي بلا مؤهلات ثانوية عامة. سمح لهم بتعبئة طلبات الابتعاث وكان لافتاً ما كتبوه في خانة التخصصات "قيادة وأركان، طيران حربي". كتبتُ عن هذه الملاحظة أكثر من مقال بين العامين 2009 و2010 في المصدر.
صارت اليمن صعدة كبيرة، أخيراً وكما توقّعت إيمان في "جدائل صعدة". ومن بين كل خطابات عبد الملك الحوثي لم ترد إشارة واحدة إلى احتياجات صعدة في مجالي التعليم والصحّة. ولم يكن "هاشميو الجبل" حريصين بالمرّة على إنقاذ صعدة بالجامعات ولا بالمشافي. لقد أرادوا لتلك المحافظة المنكوبة أن تبقى على الدوام ضرعاً للآلهة. تحدث عبد الملك الحوثي عشرات المرّات عن المسيرة التي ستضيئ كل العالم وهي مظلمة، شديدة الحلكة.
منذ العام 2011 توددوا جميعاً لعبد الملك الحوثي وسألوه "ماذا تريد صعدة" فلم يقل أبداً "جامعة". كان يردد: الشراكة. وعندما قرأ ناشطان أمام "الحاكم" مقتطفات من القوانين الدولية حول تجنيد الأطفال قال بهدوء "لا تعنينا". وبقيت صعدة على هيئة مذبح قديم يتوسّطه الإله مولوخ، وهو متوحّش لا تهدأ روحه إلا عندما ترى جثث الأطفال.
صعدة التي كانت بلا مدارس صارت الآن بلا دقيق ولا سكّر. جلب لها عبد الملك الحوثي دماراً هائلاً، وحتى مقابرها أصابها الدمار. حتى موتاها يعانون.
الصورة التي ينشرها الحوثيون لأطفال من صعدة يخطبون عن الاستشهاد هي صورة مغشوشة وكاذبة. ثمّة صورة أكثر صدقاً وقسوة: طفل حوثي في عدن يتأمل الأطفال وهم يلعبون، فيضع يده على خدّه، وعيناه غائرتان.
صعدة التي نكبت اليمن هي البلدة المنكوبة، تلك التي يخشاها الجميع ولا يسمع أنينها أحد.
لو استمعنا الليلة لهاجس فتاة في صعدة، فتاة في العشرين، لو تسللنا إلى وجدانها وتجسسنا على قلبها: سنسمع موسيقا، ونرى شاباً يلبس بنطلوناً، ونراها تتعلم الهجاء على واتس أب لتكتب له كم هي مشتاقة وخائفة. سنراها تحاول أن تقول له إن وزنها خفّ قليلاً وأنه صار أكثر سمرةً من المرة الأخيرة. وستغمض عينيها على تلك اللقطة الدافئة وتنام جائعة وموجوعة.
لو تجسسنا على أم في صعدة الليلة وهي تسمع محركات الطائرات: سنرى رجالاً طيبين يمرقون في خيالها: زوجها الذي مات في الحرب الثالثة، وجارها الذي رمى لها كلمة طيّبة في الحرب الخامسة وقتل بعد ذلك، وابنها الذي كان قبل ثلاث سنوات في السابعة عشرة من عمره ولم يعد يكبُر منذ ذلك الحين، وشقيقها الذي قالت له زوجته إنها لن تسامحه لو ذهب إلى الحرب ولمّا لم يعُد صارت تسامحه كل ليلة!
يريد الناس في صعدة أن يجرّبوا طعم العالم لكن عبد الملك الحوثي يجبرهم على التفكير بالآخرة ويذهب هو ليفكّر بكل الدنيا: من النساء حتى المُلك.
أتخيل صعدة هذه الساعة ولا أرى من خلفية تناسب أهوالها سوى ذلك العمل المهيب الذي كتبه الشاعر الألماني ريلكه وعزفه المؤلف الموسيقي الأشهر "غوستاف مالر": أغاني موت الأطفال.
أنين موسيقي يضرب الجبل منذ سنين وأطفال يجودون بأرواحهم.
صعدة بائسة ومتوحّشة. حفر الحوثيون، وهاشميو الجبل، في مجتمع صعدة وأحاطوه بسياج من الغربة والشك والتوحّش. لقد ضخوا في مجتمع مسكين وأمي من الضلالات ما يكفي لتحويل أي شعب إلى متوحّش وفاشي. تعرّض السكان في صعدة لعمليات قذرة من التضليل والخداع وغسيل الدماغ، وبجرعات من الخوف والأناشيد معاً حصل الملكيّون على جيش جرّار من صعدة. وعندما صاروا جميعاً في عداد الجثث حظيت بعض الجثث بجنازات وألقاب، ودفن بعضها في الظلام. فقراء صعدة، الذين ولدوا ودعاء وطيبين، أكلتهم البنادق ودفنوا في منحدرات لا يتذكرها أحد.
كل أناشيد جنود عبد الملك تدور حول الشهادة، وكل مناورات عبد الملك الحوثي ومعاركه تدور لأجل الدنيا. لقد خلقت الدنيا له، وجعل الموت لأهل صعدة.
في هذه الساعات يتنقل عبد الملك الحوثي بين مخابئه في صعدة، وهو الرجل الوحيد الذي بقي في تلك البلاد.
وبين وقت وآخر يصلي ويبتهل بأن يرزقه الله الحكم وأن يبارك له بجثث الذين قتلوا في الطرقات. أولئك الذين أرسلهم ليجلبوا له عرش الولاية، ووعدهم بالجنّة.
لقد وعد الله عبد الملك الحوثي بالدنيا، ونال نصيباً منها: المجد والعسل والصحّة. ووعد عبد الملك الحوثي جنوده بالآخرة، ونالوا نصيباً منها: الحرائق، الجراح، الآلام، والمقابر.
ويالها من خديعة!
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر