الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
مروان الغفوري
الرسالة الثالثة. ما ينبغي أن يعلمه الرسول، بعد غد.
الساعة 11:23
مروان الغفوري



إلى حضرة السيد الرسول محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، 
سلامٌ أنتَ، وبعد.
"والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق". 
لم يصنع لك من أحد في قريش معروفاً كالمرأة التي قالت لك هذا الكلام، لتصبح أمّاً للعالمين بعد ذلك. كنت شاباً غائر العينين تضربك الشمسُ في البادية كالآخرين، أو تظللك السحابة كما تفعل مع المسافرين. جاءت خديجة. 

كان عثورُك على خديجة، أو عثورُها عليك، هو الحدث الأهم في الجزء الأول من حياتك. وعندما أصبحت جاهزاً للاتصال السماوي كانت خديجة قد نجحتْ في أن جعلتْ منك رجلاً مكتملاً. وعندما ذعرتَ أول الأمر لم يكن هناك من أحدٍ سيمنحك السكينة مثل خديجة. غطّتك، وابتَسَمت، ثم تاهت عيناها في ليل مكّة القاسي وسمائها الشريدة. منحتك خديجة كتفين صعدت عليهما فرأيت العالم، ثم صعدت فقرعت باب السماء.

وكان على الدوام سرّ عظمتك امرأة. امرأة من مكّة نسيتها كل الحروب وكل الكُتُب لأنها امرأة من عامّة الناس في قريش.
عندما انتصف الليل، وكانت الخيل في البادية لا تزال تصهل، أماطت خديجة عنك الدثار فأمطتَ أنت الأذى عن الطريق والخوف عن العالم.
ثم عشتَ وتناسلتَ كالآخرين. وكان لك ذرّية.

وبقدر ما كانت سيرتك محاطة بالحقائق والوضوح أحيطت ذريتك بالوهم والخرافة. حتى إن المرء فيما لو اتخذ ناظورين وفحص الدين: الناظور الأول من خلالك، الناظور الثاني من خلال سيرة ذريّتك سيصاب بذهول عميق. إذ يبدو الدين من خلال سيرتك شديد الوضوح. بيد أنه من خلال سيرة ذريّتك لا يبدو للناظر سوى خرافة كبيرة، من ذلك النوع الذي يفزع ولا يبعث أي قدرٍ من الإعجاب.
بعد مئات السنين، يا محمد، ورثنا عشرات النسخ من الإسلام. لكن أشد النسخ تناقضاً على الإطلاق هما نسختان تقعان على طرفي نقيض:
دين محمد، ودين آل محمد.

وعلى مرّ الأزمان كان دين محمد رائعاً، ودين آل محمد مروّعاً.
وأنت تقرأ هذه الرسالة قد ترتجف أصابعك. لا بد وأن ترتجف أصابعك. 
سأقص عليك ..
بعد موتك آل الأمرُ إلى أبي بكر. حكم الرجل عامين وكان شجاعاً بأكثر مما يتوقع المرء من كهل تجاوز السبعين. بدا كما لو أنّ ليلة واحدة قضاها معك في غارٍ بعيد قد أنارت له بقية طريقه حتى الأبد ويوم.
مات أبو بكر وخلفه عُمر. بالطبع تعرُف أنت تلك الكلمة التي شغلت البادية والمدينة في حياتك وكان اسمُها على الدوام "عُمر". حكم الرجل حوالي عشرة أعوام. نقل المجتمع إلى الدولة، ثم نقل الدولة إلى الإمبراطورية، صنع أول برلمان، وشكل أول جهاز للعدالة، خلق أول نظام مدني، مارس أول عملية علمانية في التاريخ، نحّى رجال الدين وقرّب رجال المعرفة والتقانة، دوّن أول قانون أخلاقي للحرب متفوقاً على قوانين أثينا، وقف ضد تحوّل أصحابك الفاتحين إلى إقطاعيين، أزاح أبناء الأسر الكبيرة وقرّب المهمشين المحترفين، أعتقل أول ثلّة دراويش في التاريخ، ضرب أشهر راوٍ حديث على صدره حتى وقع على إسته "صحيح مسلم، كتاب الإيمان"، قدّم المرأة إلى الواجهة ثم أعطاها رقابة السوق، أعاد هيكلة الجيش بإزاحة أكبر قائد عسكري في التاريخ، وأخيراً دخل القدس على ظهر حمار. كان حمارُه منهكاً لكن المسيحية الرومانية رأت فيه دخولاً يشبه دخول المسيح إلى أورشليم.

وهناك، في الطريق إلى القدس، وكان القديس عمر على ظهر حماره، استقبله القادة الفاتحون في بزاتهم العسكرية المهيبة وخيولهم المتوحّشة. وكان أول شيء فعله أن جرّدهم من لباسِهم وأحال بذلاتهم الفخمة إلى بيت المال.
كان موقفاً حدث في دقائق قليلة لكنه أحدث قشعريرة في العمود الفقري لروما لمئات السنين.
ثمّة نسختان مشرقتان من الدين، يا رسول الله.

النسخة التي جئتَ بها، ثم التوسّعة التي صنعها عمر. جئتَ على طريقة شقيقك المسيح، وكان عُمر هو الشارح العظيم لما جئتَ به، وأبعد من ذلك. لقد رأى ما لم تره. 
كان عليّ، ابن عمك، لا يزال شاباً يشعر بالخجل والرهبة أمام تلك الموجة الصحراوية التي لا يحدها شيء وكان اسمُها على الدوام عُمر. وبالمقارنة بالظاهرة التاريخية عمر كان عليّ تلميذاً صغيراً لا يزيد عن الإنصات والاندهاش. مرّ التاريخ كما يريد عُمر، وطوّعه بعصاه وخياله الخصيب.
وعندما ذهب أصحابك، من الذين سيدخلون الجنّة كما سمعنا، إلى قائد الجيش المقال يطلبون منه اعتراض قرارات الخليفة، أي التمرّد العسكري، ارتجفت يدا القائد العسكري، وربما تطاير اللعاب من زوايا فمه، وما زاد على أن قال "ليس وعمر في المدينة".

عندما قتل عمر انهارت الحدود الأخلاقية للإمبراطورية الجديدة وبنيت أسوار جديدة لا علاقة لها بالأخلاق. حتى إن خليفة جاء من بعده، يا رسول الله، وكان يحبّ معاطف الفراء القادمة من شمال أفريقيا. أرسل الرجل إلى عمّاله هنالك يطلب منهم أن لا يقبلوا إسلام الرعيان والفلاّحين. ذلك إن إسلام تلك الفئة، يعتقد الخليفة، سيحرم النظام الحاكم من فراء مواشيهم! لا بد وأن يبقوا كفّاراً حتى يكون ممكن فرض أقصى درجات الإتاوة عليهم، أي كي يجد الخليفة وبناته مخزن الفراء عامراً على الدوام.

وكان شارحو القرآن ومفسرّو الحديث يقولون دائماً "عليكم بطاعته". أما هو فكان عبّاسياً. كان من ذريّتك.
وعندما دخل أبو مسلم الخراساني إلى دمشق صاح وهو على مشارفها إنه يبشّر بنور من آل النبي، أي من أسرتك. وفي ليال معدودة ذبح عشرات الآلاف من سكّان الشام لأجل آل النبي. أما العبّاسيون، وهم عشيرتك، فجعلوه قائداً للجيش وقالوا إنه صنع ذلك بأمرهم. أما انتصاراته ـ التي لم تكن تعني سوى دم مئات آلاف المسلمين ـ فرأوها دليلاً على أن الله يحبهم ويصطفيهم.

كانت ذريّتك على الدوام ترى في مقتل المزيد من المسلمين دليلاً على أن الله اصطفاها. وعلى جانبي تاريخ ذريّتك حدثت حروب كوّمت القتلى بلا حدود.
لقد فهموك بطريقة مختلفة كليّاً. وهكذا أصبح لدينا إسلامان، أول الأمر. إسلامنا وإسلام عشيرتك. ثم تفكك إسلام عشيرتك إلى عشرات الإسلامات، وكذلك إسلامنا.

في مطلع سلطان عشيرتك حدثت فضيحة مدوّية لا بدّ وأنك تعرفها. فبعد انهيار إمبراطورية الأمويين وانتصار أبناء العبّاس المتحالفين مع أبناء علي قال زعيم العلويين لزعيم العباسيين نحن أولى بالحكم لأننا أبناء فاطمة. وقال زعيم العباسيين لزعيم العلويين بل نحن، فجدّكم دخل النار وجدّنا دخل الجنّة.

كانوا مثيرين للضحك والخوف معاً. وبدا أن الرجلين لم يفهما مما جئت به شيئاً. وأكثر من هذا فقد فهم كل مؤرخي الحروب بعد ذلك لماذا لم توصِ لأسرتك بالحكم! فقد كنتَ ترى منهم ما لم نكن نراه! أثاروا الضحك، ثم الخجل العميق، ثم العار. وعندما انفجر ابن المقفع ضاحكاً، إذ لم يعُد الأمر يحتمل، أوعزوا إلى أحد موظفيهم الكبار فصلبه ثم سلخ جلده.

لم يكن يوجد في العراق آنئذ من شخص بأكثر معرفة وذكاء من الرجل المصلوب. بدا، كما دائماً، أن عشيرتك لم تحفل قط بالمعرفة ولا بالعلم. سرعان ما تزهق الأرواح بلا حساب، معتقدة أنها لا تقتل وإنما تجسّد رغبة الإله. وليس لتعبير "تفاهة الشر" من شرح أكثر من ذلك. أن يمارس أفراد النظام أقصى درجات الوحشية وهم محايدون كلّياً لا يكنون للضحية أي كراهية ولا حب، فقط يمتثلون للإرادات العليا، لمُراد الإله ومراد أنتَ!
عندما تقارن الزعيمين المشار إليهما، العلوي والعباسي، بالرجل الذي دخل أورشليم حافياً وجرّد قائداً من نياشينه لأنه لبس معطفاً ثميناً ستصاب بالخيبة في أسرِتك. لا بد وأن يحدث. لو كنتُ مكانك كنتُ سأشعرك مثلك: بالخجل.

في المرّة السابقة أخبرتك بما فعلتْ أمّتك. أما هذا النهار فسأقص عليك ماذا فعلت ذريّتك، عترتك، وكيف دمّرت دينك بالكلّية..
سأذكرك بشيء:
خلعت قميصك في ظهيرة يوم فريد في المدينة وناديت في الناس من يريد أن يقتص منّي. كنتَ تدرّب أصحابك على الشجاعة والكرامة واحترام الحق، الحق الكامل والدفاع عنه. قلتَ لهم خذوا حقوقكم ولو كلفكم الأمر أن تضربوا ظهر النبيّ. كان هذا خطابك في ظهيرة ذلك اليوم. نالوا من ظهر النبي إذا رأيتم أن لكم الحق في ذلك. حتى وأنت في المعركة. لكزت بعصاك رجلاً وكنت تقصد "عد إلى الصف". كنتَ متوتّراً، فالحرب ليست نزهة. لكنك سرعان ما نسيت الحرب وتذكرت كل الإنسان، كل كرامته. تركت سماء المعركة كلها واتجهت إلى الرجل تستغفره لخطيئتك وتطلب منه أن يفعل معك مثل فعلك معه. أن يقتص منك بينما الحرب تقرع الطبول وتغمر الصحراء بالرهبة.

هكذا كنتَ أنت، الرجل الأكثر فرادة في تاريخ الإنسان.
وكان الإنسان، في كل مقاييسك، هو أولاً وأخيراً. الإنسان، كل الإنسان.
لم تأتِ بالإسلام ليحكم الإنسان ويهيمن عليه، بل ليطلقه من أغلاله ويمنحه جناحين. جئتَ بالتحرير الأعظم، لا بالشريعة. جئتَ بالإبداع والخيال لا بالسيوف ولامة الحرب. وكنتَ صديقاً للبيئة والعشّاق والمضطهدين، حتى لليمامة الخائفة. وكانت زوجتاك تضربان بعضهما بالعجينة، أو بالخبز المغمّس بالمرْقة. وكان أقصى ما تفعله أن توطئ رأسك كي لا تصيبك "لقمة شاردة". ثم تخرُج إلى أصدقائك والبسمة لا تزال نائمة على وجهك. كانوا يعتقدون أنّ الله أسر عليك في تلك اللحظة بأمر عظيم منحك الابتسامة تلك. وكنتَ تكتم السر. فلا شيء عظيم، لا شيء صغير. كل ما في الأمر أن شقيّتين تصارعتا بالخبز أو بالعجينة، وضحكتا بصوت عالٍ فأدخلتا البهجة إلى روحك المنهكة.

جئتَ بالإسلام، وجاء الإسلام بالتزام صارم "أن يحمي كل الأديان". كانت هذه المهمّة الجوهرية للدين الإسلامي أن ينتصر للأديان الأخرى. مع الأيام تحوّل الدين الذي جئتَ به إلى كسّارة بندق، حكم على الجميع بالفناء، ثم صار بحاجة ماسة إلى من يعيد إليه معناه.
وكانت حجر العقد في القرآن الذي نقلتَه إلى العالم هذه الآية:
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاَ فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" 
كانت الآية تتحدث عن إرادة الله: كل من آمن بالله وعمل صالحاً سيدخل الجنّة، لا خوف عليه.
جاء المسلمون من بعدك. ولأنهم لم يجدوا الوقت الكافي لقراءة القرآن، لم يتدربوا معك بما يكفي، ولأن هذه الآية كانت ستمنع عنهم الفراء والسمن البلدي .. إلخ فقد ذهبوا جميعاً، بمن فيهم كبار المفسّرين، إلى القول: نعم، لكن. 
كنتَ تبحثُ في العالم عن أولئك الذين سيدخلون الجنّة. لكنّ المسلمين من بعدك ذهبوا يبحثون عمن سيدخل النار.

وبالرغم من أنّك آخر الرسل إلا أن الآية السابقة كانت مجلجلة. ولأول مرّة سمع الناس كلاماً على لسان آخر الرسل يقول إن الإيمان بمحمد، أي بِه، ليس شرطاً لدخول الجنة. يكفي الإيمان بوجود الله، والعمل الصالح، بكل تنويعات العمل الصالح، من حراثة الأرض حتى صناعة البنسلين. يكفي الشرطان لعبور الصراط واجتياز أسوار الجنة.
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاَ فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
نقلت هذا الكلام عن الله. لا يحتاج المرء لمراجعة أحد كي يفهم ماذا يريد الله قوله من هذه الآية. غير أنهم صبّوا علينا سحابة من الرهبة والوجل، وطلبوا منّا أن نغض الطرف عنها لأنها مما لا يُفَهم معناه! 
كنتَ تقلب كل الموازين وتفتح باب الجنّة للجميع، من اليابان إلى البرازيل، ومن كندا إلى غينيا الجديدة ومن آيسلاند حتى شواطئ جوهانسبيرغ.

وكان الشرطان: 
إيمان بالله، وعملٌ صالح. 
جاءت نكرة، أيّ عمل صالح. كل من يدخل السكينة والخير إلى الناس سيدخل الجنّة، وليس شرطاً أن يبحث عن محمّد ليؤمن به. هذا ما جئتَ به أنتَ، وما قلته صراحة، وما كافحت لأجله. وكنتُ تقول إنما جئتَ متمّماً. 
لقد دفنوا كل ذلك.

المؤمنون بك، وذريّتك هم من فعلوا كل لك. تعرّض الدين لأكبر عملية تجريف يمكن لنبي أن يتخيل حدوثها لرسالته.
يا محمد، يا آخر الرسل، عندما انتقلتَ إلى رفيقك الأعلى، الله، كان ابن عمّك علي لا يزال دون الثلاثين. أنت شخصياً لم تنزل عليك الرسالة قبل الأربعين. تسلّم صديقك ورفيقك، وأكثر رجلٍ درّبته في حياتك، القيادة. منذ ذلك اليوم ولا يزال فريق من المسلمين يلعنون التاريخ لأن الشاب لم يحصل على الحكم. يقولون إنه كان الأحق لأنه ابن عمّك وزوج ابنتك.

تشعر بالخجل الآن، أليس كذلك؟
لا بد وأن يشعر المرء بالخجل حين يساء فهم رسالته على هذا النحو الذي ينقلها من كونها مسألة كونية إلى شأن عائلي متعلق بالزواج والإنجاب. لكن الأمور آلت إلى ابن عمّك فيما بعد، عندما كان قد تجاوز الخمسين من عمرِه. ورغم اكتسابه الخبرة والسن فقد قضى سنوات حكمه في خوض الحروب الأهلية.

عندما أصبح قائداً للمسلمين لم يكن ذلك بفعل قرابته منك بل لأنّه كان قد جلس إلى أول قائدين وتعلم منهما وأصبح مقنعاً بالنسبة لكثيرين. فالإسلام الهش، والجزيرة النائمة على الحراب والدروع تلك التي بالكاد سلّمت لك وأنت فوق الستين من عمرك وعلى اتصال بالسماء كان من المستحيل أن تسلّم لصبي في السابعة والعشرين! منذ مئات السنين يخوض المسلمون حروباً ضد بعضهم حول هذه المسألة. وبالرغم من أن ابن عمّك أصبح خليفةً فيما بعد، أي آلت إليه الأمور في الأخير، إلا أن ذريّته وشيعته على مدار الأزمان يقاتلون طواحين الهواء معترضين على الترتيب. لماذا كان الرابع في حين كان بمقدوره أن يكون الأول! 
هل تصدق يا رسول الله إن هذه النسخة التي حدثتك عنها الآن في السطرين الأخيرين هي ما بقي من الدين! وهي اختصاره الوحيد، وهي جوهر حركته الآن، وهي أسّه وأساسه.
أنا يمني، وعندما أقول لك إني يمني فلا بد وأن يدخل هذا الأمر الطمأنينة إلى نفسك، والرهبة. فعندما "كذب به قومُك وهو الحق" كنّا نحنُ قومك. وكنّا الكنانة التي رشقت بسهامها في كل اتجاه، وكنتَ تصيب.

لم تضع يمانيّاً قط على قوسك ولم يصِب.
هل بالغتُ؟
حسناً. البارحة احتفلت أسرتك في صنعاء بعيد مولدك. تدري يا رسول الله، لقد كان حفلاً شبيهاً بطقوس اصطياد التماسيح في أفريقيا جنوب الصحراء. فعندما يشب الطفل في القبيلة تجري أسرته وقبيلته حفلاً مهيباً. توقد النيران ويرقص الرجال والنساء وتشوى اللحوم وتقال الأناشيد والأهازيج المقاتلة. تشاهد نيران الحفل حتى أبعد قبيلة. تتعالى الأصوات في مشهد استعراضي مهيب يدخل الرهبة إلى قلوب الأعداء. وقبل الفجر يحمل الشاب رمحه ثم يذهب لاصطياد آخر تمساح في النهر، وأول تمساح في حياته.

في صنعاء احتفلت أسرتك على طريقة الأفارقة مرّتين. مرة لأن الشاب، حفيدك، اصطاد التمساح. ومرّة لأنه سيصطاد التمساح.
لقد استرخوا البارحة وحمدوا الله ومجّدوه. وكانوا سعيدين لأن الخدعة التي استخدموها، وكان اسمها "محمد صلى الله عليه وعلى آله"، قد نجحت أخيراً. قالوا إن الكلفة لم تكن كبيرة، مجرّد 70 ألف قتيل، وحوالي مليون مشرّد. أما أنت، يا محمد، يا رسول الله، فكنتَ مجرّد قفازين للرجل الذي أصبح في الثلاثينات من عمره. 

أتدري ماذا فعلت بك عشيرتك في اليمن؟
لقد نقلوك من مكانك الشاهق، كآخر الأنبياء وأكثر بني الإنسان إثارة للمهابة والسكينة، وجعلوا منك مجرّد حيلة صغيرة يخدعون بها القبائل.
أو حفلة نار يخيفون بها جيرانهم 
أو رقصة بدائية لرجل سيخرج الغداة لصيد التماسيح.

ومنذ مئات السنين جمّدت عشيرتُك كل نشاطات الدين، بما في ذلك الفلسفة والإبداع ونشر الحق والخير والجمال، وسلكت وادياً آخر "البحث عن الملك الضائع". 
وكما يمكن للمرء أن يتوقع: في الطريق إلى الملْك سقط ملايين القتلى حتى الآن، إذا ما عددناهم خلال مئات السنين.

لم يحدث قط، يا رسول الله، أن نبيّاً قبلك أزهقت أسرته كل هذا العدد العظيم من القتلى!
ففي عشية أول يوم من أيام رسالتك، وكانت مكّة نائمة وخائرة القوى، قالت لك سيدة عظيمة:
"والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"
غير أن عشيرتك لم تبقِ من ذلك شيء. كما يندر أن تجد ذكراً لتلك المرأة لديهم. 
كل سنة وأنت رسول الله.
يتبع 

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
1
2015/01/03
أبو عمر عبدالوهاب
تعليق أولي
الأخ الكاتب والأديب مروان أشبهت في مقالك هذا عبد الملك الحوثي في نسف كل شئ والإبقاء على ما يحقق هدفه حتى تفسيرك للقرآن بدوت فيه سطحيا كصاحبك وقراءتك للتاريخ مختزلة ساويت بين الشهيد عثمان والشهيد علي وبين ملوك بني العباس ، والأدهى من ذلك أنك خاطبت رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاب أعراب بني تميم وأسوأ .. لقد حملك الغيض من جهالات خصمك أن انحدرت لمنزلة لم أكن أتوقع أن تصل إليها الخصومة الفكرية واستدعيت من التاريخ ما يريدنا فرقة كما يفعل رحل الكهف ... ترى أين ستذهب بك حالة تقمص مريضك والتماهي معه وانت الطبيب الذي يجب أن يفصل بين شخصيته وسخية مريضة أخشى أنك قد أصبت بالعدوى فراجع كلماتك واعتذر لمقام رسول الله من كلماتك
2
2015/01/03
أبو عمر عبدالوهاب
تعليق أولي
الأخ الكاتب والأديب مروان أشبهت في مقالك هذا عبد الملك الحوثي في نسف كل شئ والإبقاء على ما يحقق هدفه حتى تفسيرك للقرآن بدوت فيه سطحيا كصاحبك وقراءتك للتاريخ مختزلة ساويت بين الشهيد عثمان والشهيد علي وبين ملوك بني العباس ، والأدهى من ذلك أنك خاطبت رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاب أعراب بني تميم وأسوأ .. لقد حملك الغيض من جهالات خصمك أن انحدرت لمنزلة لم أكن أتوقع أن تصل إليها الخصومة الفكرية واستدعيت من التاريخ ما يريدنا فرقة كما يفعل رحل الكهف ... ترى أين ستذهب بك حالة تقمص مريضك والتماهي معه وانت الطبيب الذي يجب أن يفصل بين شخصيته وسخية مريضة أخشى أنك قد أصبت بالعدوى فراجع كلماتك واعتذر لمقام رسول الله من كلماتك
3
2015/01/03
ameen
ماهو
(حتى تفسيرك للقرآن بدوت فيه سطحيا كصاحبك )..ز القراآ واضح وضوح الشمس لا يحتاج الي تفسير والايه واضحه ومن يستني منها شي فهو يحرفها او يكف ر بها .. ومن هذا الباب تفرق المسلمين وفرقوا دينهما

" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاَ فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
جاء يكحلها المعلق ابو عمر فعماها.
4
2015/01/04
معين احمد
رد
هذه الايه في الذين امنو وعملوا الصالحات من اليهود والنصارى قبل مجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم
اما من بعد ما بعث النبي صلى الله من امن به دخل ال جنه ومن كفر به دخل النار كما ذكرت الايات الاخرى والذي يقرا القران كاملا يجد الكثير من الايات في الدلاله الواضحه
وقي قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كان موسى حيا ما وسعه الا ان يتبعني
صلى الله عليك يا رسول الله يا خاتم الانبياء والرسل
5
2015/01/04
محب
كل مسؤول عن نفسه
"و ألا تزر وازرة وزر أخرى" سورة النجم آية 28
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص