الجمعة 22 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
عبد الكريم المدي
تجربتي المُرّة والحزينة مع الأيام واللحظات الأخيرة من حياة أبي الحبيب رحمه الله!
الساعة 14:09
عبد الكريم المدي

لحظات موت أبي الحبيب كانت فارقة في حياتي.
قبل موته كان يعاني ويريد أن يراني..وفي نفس الوقت لا يريد تعذيبي.
بشهادة الجميع ..لقد كان رجلا يمتلك من العظمة والقوة والعاطفة الإنسانية والشجاعة الكثير..لكنه كأي أبٍ كان يرتبط بي كثيرا وبكل أشقائي.

أذيع لكم سرا..أنا آخر أبنائه من الذكور والإناث..ولا أدّعي.. كنت قريبا جدا منه، كنت ابنه وصاحبه وزخّات روحه وشيىء لابأس به من ملكاته ووفائه الذي لا حدود له.

أبي العظيم، كان وفيا، صادقا وملتزما بوعده وعهده وعلاقاته ومبادئه ويملأ المكان الذي هو فيه دون أي تكلُّف.

قبل وفاته بأيام قال لي:
" عبدالكريم كنت أشتيك ترقد جنبي وتدفيني وأحضنك ولا تهمنّي ..أمك"  آمنة"  تدفيني ولا تفلت لي أبدا ، بس أنا فاقد لك، ولا تكون تهم ولا حاجة"
وأضاف:
" أنا داري إنك تاعب وقلبك عندي، لكن كنت أشتي أضمك قبلما أموت ، ولا أشغلك..لا تهم أنا بخير"

 أنهى المكالمة.
تواصلت مع الأهل ومع ابننا صدام أمين الذي بذل جهدا كبيرا في ضرب المغذيات وعجز ، وعرفت أن حالته الصحية صعبة.
طالبتهم بموافاتي عن حالته على مدار الساعة.
في آخر أيامه كان يردد إسمي.
عانيت كأي إنسان يعاني حينما تقطّعُ سكينٌ جزءا من أهم أعضاء جسده ويُغلق أفقٌ واسعٌ من روحه وخيالاته.

كنت أكابر ولا أذيع هزيمتي الداخلية ووجعي الذي يوزعني في منافي جديدة ومختلفة ومضافة عن المنافي التي أعيشها منذُ سنوات.

قلت لهم أريد صوت أبي:
لو سمحتم..اسمعوني صوته، أروني صورته..
لأن صوتي وصورتي قد تلاشا..
وفعلا:.
وصلني فيديو جديد له.
بكيت كثيرا و" أروى"  و" باسل"  يكفكفون دمعي بشال أبي الذي أحتفظ به معي.
بكيت..ثم بكيت..وهم وغيداء  ينحبون معي بغزارة شديدة ودون توقف..ولم أدرِ : هل أواسيهم أم يواسوني؟

طلبت فورا  من الذين بجوار أبي أن لا يغلقوا التلفونات والواتس آب أبدا.

ظليت ساهرا ثلاثة أيام ليلها بنهارها أقتفي روحي وألاحق اللاعائد مني في رحلة ومراثون إنساني طويل وشاق ، عذب ولذيذ..وصل وهجر، قرب وبُعد، رجاء ويأس..كل مفردات التضاد والوجع عشتها بتفاصيلها الدقيقة.

كررتُ وأنا أقول لهم: أرجوكم لا تغلقوا التلفونات.

وناشدت من في القرية قريب منهم بفتح الواتس.
أحتاج أن أكون مع العظيم، مع الروح والقلب والإنسان الذي كان يحتفي بي وبإشقائي فوق حدود اللغة والتعبير والوصف، كلما زراه أحدنا من صنعاء وغيرها.

وتساءلتُ :
أبي الشيخ العظيم والإنسان الباذخ العطاء والسمو الذي تفاعل مع كل إنسان وبذل مهجته وقلبه وموقفه ومواقفه مع الجميع.. كيف لي أن أفتقده وألوذ لحزني ووحدتي ولم أكن إلى جواره وألبّي طلبه الذي كان مستحيلا بالنسبة له ولي، لكن موقع ولغة الأماني يختلفان تماما عن موقع ومنطق الواقع..بعلمنا معا.

المهم ..قلت لاحد أشقائي  سلم الراية لأبو فؤاد أو أكرم أو نعيم.
وفعلا..سُلِمت راية العذابات وهذا زاد مخاوفي ووجعي.

أعترف.. أكتشفتُ أن هذا أثار براكين الخوف وجحيم العذابات بداخلي..لم يساعدني الأمر أو يطفء تجاوبهم مع طلبي النار التي بداخلي.

لحّيت على أمي " آمنة" ..وكنت أبدّدُ ما تسترقه خِلسة من دقائق نومها وهي إلى جوار رأس روحي وروحنا الكبيرة.
أقضُّ مضجعها.. وأسألها:
كيف أبي محمد يا أماااه؟
ترد عليّ بوجع:
الحمد لله.

أغلق وأتصل:
 لأبو فؤاد ومروان وأكرم ونعيم..وابن العم أبو عبدالرحمن.
أين أبي..أين أبي..أشتي صوته، أشتي صورته ..أنا تاعب ..لو سمحتم.
في اليوم الأخير وقفت كعمود كهرباء شاحب وبدون أي نبتة برية تواسيه في الجوار.
فقط.. عمود مغروز في رمل صحراوي منسي وتائه..

أروى ( زوجتي) متعبة إلى جواري وخائفة على صحتي..
كنت أكرر عليها عباراتي السابقة:
لن أنم يا أروى ..افهميني..تقف بنت عمي طه الشاعر الإنسان الكبير وصديق أبي المحب والقريب.
وتقول لي:
 إرحم نفسك معك عيال يحتاجون لك..الأعمار بيد الله.

أدرك أن أروى، أكثر الناس ومعها محمد وباسل وأولادي يعرفون مدى إرتباطي بأبي ومن أنا بالنسبة له ومن هو بالنسبة لي ولا أستطيع إخفاء حزني وإنهياري أمامهم ..
وسريعا ما تجدني أسكب دمعا جديدا في وجهها الباكي.

وقفت أم باسل إلى جواري وتعذبت كثيرا وعانت وبكت معي  دمعا ودما..جزاها الله خيرا لوقوفها ووفائها.

الليلة الأخيرة:
أبو حاشد:
لو سمحت أين أنت؟
يرد:.
أنا بعيد.
أبو بكيل:
أبو نعيم.. ..أين أنتم . أين أبو أكرم وأبو فؤاد؟
يرد الأقرب:.
عبدالكريم إهدأ..إحنا جنبه.
وأحدهم قال، أيضا، وبحزم :
عبدالكريم: إهدأ" ، أبي تاعب وتقريبا الليلة زيادة.
قريبي وابن عمي أبو عبدالرحمن ، كيف جدك؟
قال:
جدي ثقيل ويمتلك قوة جسمانية كبيرة وربما أجله ما يزال بعيد.
بكت روحي حينما سمعت إشارة منه للنهاية الحتمية.

قلتُ أريد فيديو له.
بادروا بإرسلوا الفيديو.
شاهدته وتقطعت أنفاسي.

صباح الخميس 1إبريل 2021 الساعة( 12.10)  بتوقيت اليمن طلبت فيديو جديد لحالة الرحيل الأبدي وقساوة هذا الموكب الدامي، الباكي.
ارسلوه، مشكورين..غبت عن الوعي بحدود 5 دقائق.
تمالكت وطالبتهم بفيديو آخر .
أرسلوه..وهذا الأخير جعلني وكأني أزحف ظامئا في وادي الموت في أمريكا لمدة شهر.
تمالكت أعصابي بعد ثواني لأن روحي ومهجي ونفسي ترتبط بأبي.
لم أتأخر ..قلت لهم :
سامحوني وتحملوني..ممكن  فيديو جديد.
أرسلوا به لعدة ثواني.
شاهدته وتوقفت وكأني خشبٌ مسنّدة.
 بعد دقيقتين.
قلت أبو نعيم : أين أنتم؟
كيف حبيب القلب
لو سمحت؟!
رد كتابيا بحرفين:( أبّ).. ولم يُكمل.

وهنا تحديدا ...هل تعلمون أن هذاين الحرفين هما أصعب لغة وشفرة وتعبير ومسافة في حياتي حاولت جاهدا فكها وقطعها وتهجيها.

فتحت حساب أبو فؤاد.
قلتُ له:
أرجوك ..ما لكم غلقتم كيف أبي؟
 قال لي أقسى عبارة اسمعها في الوجود:

" الوالد. في ذمة الله صلِّ وادّعِ له بالرحمه"

قصتي وخلاصتي:
فقدت إنسانا عظيما ورجلا استثنائيا وأبا محبا وقائدا بين قومه وأهله وعشيرته مخلصا.
عزائي أن كل المديرية ومن عرفه  يترحمون عليه ويثنون على مناقبه ويتذكرون مواقفه وعظمته وروحه القيادية والإنسانية.
رحمه الله واسكنه الجنة.
إنا لله وإنا إليه راجعون

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص