السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
أحمد طارش خرصان
عام على ترجل الكولونيل..
الساعة 21:49
أحمد طارش خرصان


لا يزال متكأه - في ديوان جده - صامداً وعنيداً ، وربما سيظل على تلك الوضعية دون أن يُظهر بعض الود والألفة لكثيرين ، عجزوا - تماماً - عن ملئ الفراغ الذي خلفه الكولونيل يوم أن امتطى رجولته وشرفه العسكري ورحلَ متسلقاً معاريج أنفته وعزته وولائه لوطنٍ ، ها نحن نُعمل أحقادنا في جسده العتيق ونمزق فضاءاته بصلفٍ ، لم يعد ليكترثَ لتاريخ ضاربٍ في القِدم والأصالة .

ضحكاته لا زالت ملتصقة بجدران الديوان ، أحاديثه عن المعارك والواجب الوطني أيضاً ، ما تزال حاضرة في ذاكرة ندماء الطلقة والبندقية ورفاق الرجولة المعجونة بالتضحية والإباء ، كما لا يزال يقينه بالنصر واستعادة الجمهورية حاضراً في تفاصيل جغرافيا ، ستحتفظ بآثار خطواته وهي تدون بإرادة وصلابة وجسارة بالغة الصدق بلداً صالحاً للحياة .

أحاول لملمة ذاكرتي المتعبة وتخليصها من منغصاتها الأبدية ، أملاً في كتابة ما يليق بفتى ، استرخص الحياة أمام مسلماته وثوابته الوطنية ، التي رضعها داخل مكون قبليٍ ، هو من دفعه في طريق المجد ليكمل واجب أسلافه كجمهوريٍ ، لم تكسر عزيمته صروف القبح ولم تفتت العصابات ولاءه وتوقه ، لأن يعيش كأي يمني بكرامة ووطن ، لم يمسسهما السوء ولا النتوءات الطارئة والأحقاد الغائرة - كخناجر مسمومة - في جسد اليمن وبنيته الوطنية والإجتماعية بتقسيماتها وتفريعاتهاالمختلفة .

لم يكن وهو يمارس طقوس واجبه العسكري ، ينتظر أيّ نوع من التقدير أو الظفر بحياةٍ قد تمنحه كل شيء ، لكنها لن تساوي لديه تلك الأحلام التي تخذته مسراها ومعراجها المؤمل للخلاص من الرعب والفزع الكامن في وهم العودة إلى العبودية والرق مرة أخرى .

مرّ عامُ ثقيل على مثلي، ربما ألفيت نفسي هناك أطالع بندقيتك التي خذلتها بنادق الباقيين على أحلامنا كعار وكسُبّة لن نستطيع الفكاك منها ما داموا هناك.. مثل كمائن لم تقتنص سواك ولم تحز شرفاً ما ، قدر براعتها في أن تكون ضفة لتناسل الخطيئة وتكاثر النفايات .

بين قاتلك وبينك ثمة بلد وأرواح متطلعة إلى الخلاص ، وثمة أيدٍ متسخة، لم تستح من دمك الطاهر وهو يروي أرصفة تعز ، ويملأ جنباتها الممزقة صدى خيانة ، أثمرت في النهاية قراراً جمهورياً قضى بتعيين قاتلك محافظاً لإب .

أرفع أثار بندقيتك من على الطرقات وأجمع سيرتك النضالية من بين ثنايا الهضاب والجبال من عمران وحتى آخر مساحة صغيرة في أحد شوارع المدينة العامرة بالحياة ، قبل أن تنالك - غدراً - رصاصات محمد عبدالوهاب الوائلي ومرافقيه في مثل هذا اليوم ، كتتويج للخسة واللؤم المميزين للمحافظ القاتل وابنه الفار في بلاد الله .

سقط الشهيد المقدم مالك خرصان وهو يركل بقدميه جيتةً ، كان بمقدوره الظفر بها لو أنها أشاح بوجهه عن هدفنا العظيم وحلمنا المقدس ، كاشفاً عورات المقاومة وسوء منقلبها ، حينما تنكرت لدمه وأسرفت في إهانته إلى الحد الذي دفع بالشرعية لأن تمنح عبدالوهاب الوائلي قراراً جمهورياً قضى بتعيينه محافظاً لإب ، وكأن الشهيد المقدم مالك خرصان رحمه الله ، كان قائداً في صفوف الحوثيين لا عضواً في المجلس العسكري بمحافظة إب .

لم يتحرك الجنرال ولم يصدر منه ما يعيد ثقتنا بالشرعية ، ولم يتخذ موقفاً عدا موقفه في تمرير القرار الجمهوري ، وكأنه يسددالإهانة الأكثر إيلاماً لأحلامنا بالإنتصار وعودة البلد ومؤسساته المصادرة .
كنت أعتقد أن الجنرال لم يصب بأحد أمراض الشيخوخة ، لكن وكما يبدو لم يعد لدى الجنرال ما يمكن التعويل والإتكاء عليه ، متى أدركنا حالة الإستهتار التي يبديها الجنرال تجاه ضابط وهب روحه ثمنا لذلك الذي يغمر الجنرال ويمنحه الحضور كقائد ، خان شرف العسكرية كلما سقط جندي من جنود البلد بتلك الطريقة التي استشهد بها المقدم مالك خرصان رحمه الله وكل شهداء الوطن الجريح .

في إتصاله بي قبل مايزيد عن ستة أشهر ، تحدث الوائلي عن الشهيد مالك ، حالفاً الأيمان أنه لوكان موجوداً لأثخن جسد ابنه محمد بالرصاص ، قائلاً إنه ليس من أولئك الذين لا يقدرون زملاءهم ورفاق الشرف المروم ، وقال : لن أقول أن القاتل ليس ولدي وأنه المرافق الذي كان برفقته ، لكن ولدي وبحضوره هو القاتل ، قائلاً إنه لا يستطيع إحضار ولده الفار إلى الجهة التي يجهلها ، فيما آخرون يتواجدون رفقة الوائلي يتحدثون عن أن والده يمده بما يلزمه من المال لمواجهة أعباء الحياة في تلك الحغرافيا التي قال إنه يجهلها .

لم نعد بحاجة لأن نتحدث عن خيانة الشرعية لدماء شهدائها، ولم يعد ممكنا لفت نظر الشرعية إلى هذا السلوك الفاقد للوفاء والأكثر ملاءمة لقل المروءة والأصل الذي يطبق على شرعية تدار اليوم بالأقارب والمقربين .

لا يهم ما إن كان الوائلي سييسلم قاتل الشهيد مالك ، لكن ما يهمنا الآن أن نزرع في جسد الطفل حميد مالك خرصان ( القشيبي كما كان يناديه والده الشهيد مالك ) ، قيم والده وأنفته وعزته، وسنضع بين يديه العلم الجمهوري ليقف في طابور الصباح منشداً رددي أيتها الدنيا نشيدي وبخطوات واثقة سيتجه نحو سارية العلم ليؤدي طقوس شرف والده الشهيد مالك رحمه الله وبصوت جهوري تحيا الجمهورية اليمنية .

حينها سنكون مطمئنين إلى أن الشهيد مالك أحمد بن عبدالله خرصان عاود البزوغ 
ليعيش بيننا حقيقة لا مجازاً. 

المجد والخلود للوطن، والرحمة لكل الشهداء

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص