السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
سام الغباري
سُهــى وعبدالمجيــد !
الساعة 20:40
سام الغباري

- هؤلاء هم "الإخوان الجُدد" في اليمن .. فلا تعيدوهم إلى الجُب مرة أخرى ، لا تجعلونهم يرتدون جلابيبهم القصيرة ويطلقون لحاهم الكثة ، إنهم يُغنون ! .. هل تدركون معنى ذلك ؟ يترنحون مترنمين ويدورون برؤوسهم سكارى كما كان يفعل "طويس" في عهد عثمان بن عفان ، تلك معجزة صنعتها الديمقراطية اليمنية ، وقد بدأوا منشدين بلا دُف ، ثم دخل الدُف على استحياء وسط امتعاض ديناصوراتهم ، و رويدًا رويدًا انقرضت كثير من الديناصورات .. طرد الإصلاحيون : عبدالله صعتر وعبدالمجيد الزنداني وعبدالوهاب الديلمي من حضورهم اليومي في مشاغل السياسة والجدل ، فلم يعد لهم ذلك السحر الآسر الذي كان يدور في أفئدة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ، حيث كان "الزنداني" ناشطًا في شوارع المدن ، يقتحم المدارس لإلقاء الخُطب المتشددة عن الأعداء المهووسين بالقضاء على الإسلام ، قدّم الزنداني نفسه حارسًا للدين في جمهورية الشمال اليمني ، وارسل "عبدالوهاب الديلمي" فتواه الهاشمية الخبيثة بإعتبار الجنوب اليمني دار كفر تُباح فيها دماء الإشتراكيين ومن يأويهم !، كانت تلك الفتوى غير البريئة وصمة العار الأبدي في جبين "إخوان اليمن" الذين اتخذوا أكثر القرارات المصيرية جرأة في تاريخ الإسلام السياسي في العالم بتحولهم إلى حزب سياسي واقتناعهم بالديمقراطية العلمانية ( يا رباه) ، فعلوا ذلك قبل الغنوشي والشنقيطي ، وقبل أن يرتد لـ "محمد حامد ابو النصر" طرفه ، انحازوا للوحدة اليمنية في العام ١٩٩٤م وكانوا القوة الشعبية الجبارة التي استطاعت القضاء على بقايا الحمقى الشيوعيين في الكرة الأرضية بسحق أولى امتداداتهم الجهوية المسلحة في الشمال اليمني التي عبرت عنها "الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى" وصولًا إلى تدمير اسطورة "العند" السوفييته ، وكان ذلك هو اليوم الوطني الأكثر تأثيرًا ومعاصرة حيث سيطرت كتائب القوات المسلحة اليمنية على آخر القواعد العسكرية الأجنبية في اليمن الموحد (يا رباه) .

- لا يريد "علي عبدالله صالح" الاعتراف بتلك الإنجازات التي صنعوها في عهده ، وهو يخشى اليوم الإعتراف أن "اخوان اليمن" رموا كُتب سيد قطب ورسائل حسن البنا في مهملاتهم ، وجلسوا بإختيارهم الطوعي مع إخوانهم من رموز التيارات السياسية الوطنية في صياغة الوثيقة الفكرية الأرقى للنظام السياسي اليمني التي أطلقوا عليها "الميثاق الوطني" ! ، حدث ذلك في أواخر سبعينيات وبدايات ثمانينيات القرن الماضي في الوقت الذي كان اخوان العالم يرتدون جلابيبهم القصيرة ويتحدثون عن الكفار بجذل مميت وشبق دموي واضح ، تلك الصورة النمطية الارهابية التي صنعها اخوان "مصر" تحديدًا بإغتيالهم للرئيس الراحل "انور السادات" ، فيما كان إخوان اليمن يتناولون القات مع الرئيس "صالح" ويفكرون بمعيته في وضع المحددات الأولى لبرنامج الإنتخابات المحلية ووضع الخطط الاقتصادية للدولة التي كانت تتسع ابتسامتها .

نسب "صالح" كل شيء إليه لإذكاء صورته الشعبية ، كان الرجل مـُدركًا أن حلفاؤه الإخوان قد تخلوا عن أسلحتهم التي قاتلوا بها اعداء النظام وبأمر الدولة وانخرطوا في الأعمال التجارية والسياسية المدنية ، وبعد كل تضحياتهم النبيلة في تثبيت عُرى حُكمه وهو وعي ناضج كان فاعلًا لإرساء دولة حقيقية بعيدًا عن الطغيان والاستبداد ، وجدناهم يتقبلون بروح علماني محترف الخسارة الانتخابية في العام ١٩٩٧م لينضموا إلى حزب معارض بعد أن كانوا شركاءً في الحُكم لفترة قصيرة قياسًا بما قدموه لليمن وللرئيس شخصيًا ، إلا أن هناك من خدعهم بالإنضمام إلى "اللقاء المشترك" ، كانت تلك هي الفوضوية القاتلة التي أدارت حبل المشنقة حول أعناقهم ، فيما أسقطت أحداث ٢٠١١م ورقة التوت عن الجسد اليمني الذي أنهكه الصراع ، وآلت المناكفات الحمقاء بين أجنحة النسر السبئي إلى سقوطه في فم الضباع التي كانت تنتظر على الأرض لنهش حلمنا الطائر الُمحلّق .

لا يجب أن يظلِم إخوان اليمن انفسهم فيعودوا إلى قعر الجُب ، أو ان يتحولوا إلى وحوش في ظل المزاج العالمي الداعي لإحراقهم أحياءً ، عليهم الحفاظ على الإرث الإنساني العظيم لتجربتهم الديمقراطية الرائدة ، والاعتراف بأخطائهم بشجاعة فتلك الفرصة الجميلة لإزالة التشوهات الخُلقية ، وعلينا نحن أيضًا أن لا نشارك في دماءهم ونستل خناجرنا لنحرهم على الملأ ، لأنهم لن يرضخوا ، وستدوي الآلالم في كل شبر من اليمن ، كل سنتيمتر سيتضمخ بالدم والبكاء والعويل .

.. الإخوان في اليمن تجربة فريدة للإرث الإنساني الوطني ، غير أنهم لا يملكون نجومًا مفكرين يدونون تحولاتهم الإيجابية المميزة ويرصدون وقع الحياة اليومية المتطورة للتيار الإسلامي السُني الذي مثّل الإخوان قمته السياسية الناضجة ، وقفز بهم إخوان اليمن نحو العلمانية الديمقراطية بوعي كامل قبل أي جناح آخر بعقود من الزمن .. وهاهم اليوم يرقصون على وقع أنغام الموسيقى التي كانت تغيظ "الزنداني" وتدعوه لتكفير فاعلها .. وما بين سهى المصرى وعبدالمجيد الزنداني زمنٌ عظيم من التحولات المنهجية الراقية.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص