الاربعاء 27 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
أحمد طارش خرصان
تعز التي نريد
الساعة 23:12
أحمد طارش خرصان

تعلق تعز بالقلب كحسناء ، لم تتدخر فتنةً لتسلب أفئدة المارة والعابرين.....
المارَّة المترفون بكتل هائلة من القيم والوٌدّ والتّتيّم بمدينة ، كلّما توقف النبض نفختْ فيه من روحها ، لتمنحنا المفتتح اللائق بحياةٍ ، لن تكون إلَّا على الطريقة التي ستدونها تعز ، ليس لعشاقها فقط
إنما لنا جميعاً.

في تعز يتوقف الزمن بين أيدي الباحثين عن كرامة وحرية ، وتستيقظ الحكايات كأساطير حية ، نفضت عن كاهلها سبات الإنصياع ، وفتّتتْ بيد المشاقر روائح العبودية القادمة من الهناك ......
حيث يتناسل الخطأ وتتكاثر الأوبئة والعوالم المتخمة بنَهَم الفَتْكِ والإلتهام .

نجحت تعز في الإمساك باللحظة التاريخية ، وتمكنت بانتصارها من رسم فضاءات مكتملة بالتضحية والوطنية المحضة ، واستطاعتْ بمظلوميتها من تعرية القتلة وتجريدهم من كل القيم والأعراف الإنسانية .

ربما أخفقَ انتصار تعز - وبنفس القدر من النجاح - في تكوين ردات فعل معقولة وجيدة ، واستجابات لائقة بذلك الإنتصار المنتظر والمَرُوق، ما جعلنا نفصح عن القاتل الذي في ذواتنا (ولاوعْينا) ، ونفسح له الطريق ليكون الصوت المقابل لذلك الإنتصار العظيم ، وكأن انتصار تعز دفعنا لأن نظهر أسوأ ما فينا ، ما يخرج الإنتصار والعملية برمتها من كونها ثورة حقيقية ، وبأهداف نبيلة وسامية ، إلى عملية إنتقامية لا هدف له سوى حفر المزيد من الأضرحة ، ومنح المقابر المزيد من الجثامين والجنائز اللاهثة في مدارات الموت وطرقاته الشائكة .

لن تكون الحياة ممكنةً في قسمها الأعظم ، بتلك الطريقة المحاطة بالرغبات المريبة المخضبة بدماء يمنيين ، كانوا في لحظة ما وقودَ جهل وخرافةٍ ، نجحَ الزيف من التسرب صوب عقولهم ومعتقداتهم المختلة ، فضغطوا على زناد بنادقهم مطلقين الرصاصة والقذيفة صوب وطن لا مدينة فقط .

لن يكون ذلك هو النصر الذي نتطلع لتدوينه في ذاكرة التاريخ ، كي نقف على جثث لا أصحاب لها ، ونفرغ انتصارنا من كل قيم الحياة .

أدرك جيداً ما الذي فعلته ميليشيا ( الحوثي - صالح ) بتعز من جرائم ، وأدرك جيداً حالات الوجع والفقْد التي خلفتها في روح تعز والوطن ، كما وأدرك الواجب الذي يدفعني لأن أقف إلى جانب الضحية ، مؤكداً على حقها في النيل والتمتع بلحظة عدلٍ ، جراء كل مظلومية تعرضتْ لها ، غير أنني آمل أن نتجاوز مظلومياتنا ، وبما يجعل تسامحنا أشبه بسجون متحركة ، ستقتصر وظيفتها على تذكير القاتل والمجرم بفَداحة ما اقترفه وارتكبه من جُرْمٍ بحق هذا الوطن.

يسرد التاريخ ظاهرة الإنتقام ، كأحداث صالحة للعظة والعبرة فقط ، فيما ينظر إلى ظواهر التسامح التي أعقبت الحروب الأهلية كحقائق ومواقف خالدة ، تمكنتْ البلدان عبرها من استعادة حياتها على النحو الذي يجعلها مثار إعجاب وسمو أبديٍ ، ولعل تجاوز جنوب أفريقيا لحقبة التمييز العنصري ، وقيادة مانديللا الحكيمة والمتسامحة ، وضعتنا جميعاً أمام القيمة الحقيقية للتسامح ، كحالة حديثة لن تكون شيئاً أمام تسامح النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، عندما دخل مكة فاتحاً ، ومانحاً أعداءه الحياة 
بعيداً عن الإنتقام والثأر.

لن نمل الحديث عن تعز ، وسنظل نحملها كقصيدة مكتملة المفاتن ، قبل أن ننزلق - كسمكة - في عذوبة وصوت أيوب ، وهو يغني
( طاب البلس طاب وا عذارى طاب..... هيا صبحونا بلس
والفرسك أخضر وحالي فراسكك وا صبر ... لا ما تسبب ضراس..)

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص