الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
خطيئة الجهل - عبدالله الساورة
الساعة 22:33 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


هل الجهل هو عقاب من الله سلطه على الجهلاء؟
وهل يعني الجهل الدخول إلى رحاب الشر العظيم دون مقدمات وبلا شهادة؟ أم يتعلق الأمر بتذكرة اعتراف و  بشهادةعدم الفهم.

 

صديقي على امتداد 21 سنة لم  يلج المدرسة، ولم تتح له امكانية التعلم، وبعد  هذا العمر يجد نفسه  في صفوف  المتعلمين... وبعد  ذلك يجد نفسه يسابق المتمدرسين والمؤلفين تلهفا على طلب العلم وسبر أغوار الكتابة ومغامرتها الساحرة، وأصبح من الكتاب المرموقين الذين يقعد لهم ويحسب ألف حساب.
 

أسأله كيف وجدت نفسك بين  ذات الجاهل  والكاتب؟
لقد وجدت نفسي خارج دائرة العلم، تائها في جزز المنفى، أعيش نوعا من فضاءات  التمييز.. بين من كنت ومن  غدوت وأصبحت عليه، فهل يستوي العالم والجاهل؟
فالجاهل مصيره مصير أي  مريض، لا يمكنه أن يعترف. فالجهل يشكل وقائع ملتبسة، ويكشف على امتداده، على تجارب غير أصيلة، يمكن اختزالها في حقل مغلق بنوع كبير وبشكل غريب وصامت.
 لم أفهم قصدية حديثك؟
فالجاهل  يا صديقي أقصي من فهم معاني الحياة، ولكنه يعيش فقط وسط الجماعة، لهذا فوجوده  مع ذلك يكشف عن صورة الله، لأن وجوده وجهله يكشفان عن غضب الله ورحمته. إن الله يعذبه بالجهل عن الشرور التي يرتكبها  في  هذا العالم.

 

 بمعنى أن الجهل ظل كظاهرة كمون، تنويم مغناطيسي لم تشكل للسلطان حالة رعب أو انفصام بل عالما للحجز وضمن فضاء أخلاقي للاستيلاب والإقصاء تلازمها ثنائية الهيمنة والسيطرة: وهي الميراث الحقيقي  للسلطة ومكوناتها.
تعني أن الجهل ليس سوى ظاهرة متلازمة لهذا العمل المتراص لفعل تكريس سلطة السلطان ومكونات ثقافة الجهل؟
كما  تعلم ياصديقي وانت ادرى بذلك، أن كلفة الجهل باهظة، و الجاهل يكلف الدولة كثيرا، فهذا الداء لا يكمن في الهواء الفاسد ولكن مرد هذا  الداء إلى غضب الله المتحكم في كل شيء عقابا على تفشي الاستبداد والظلم والجبروت والفساد بين الحاكم والمحكوم.

 

 فقد اتضح من تجارب التاريخ أن الجهل ينشر الفوضى المنظمة من قبل السلطة، لذلك وجب اعادته إلى حظيرة الجهل الأولى: الجهل المقولب والمركب.
حينها وحينها فقط يبدأ الجاهل فقط بالإحتفال ضمن سياط النفس مقدما قربانا التوبة على الجهل أنه لم يقرأ، ويتحول إلى أداة للعقاب في حد ذاتها. ويتحول سياط النفس مع الزمن تكفيرا على الخطيئة إلى تهمة، بل أكثر من ذلك إلى ذاك " الداء الكبير" الذي لايستدعي  طقوس التطهير إلا إذا كان مصدره فوضى الحواس، وكان رده بالإمكان إلى الخطيئة التي ارتكتب عن قصد وبنوع من الإصرار والترصد: الطغيان الأعمى في قلب السلطان.

 

 لما يتم تقديم الجهلاء كأكوام المزابل والنفايات؟
إن الغريب في الأمر أن  تتقدم المكانس المزابل، فلا غرو أن ينظر إلى هذا الداء ضمن قدر العالم من جانب أخلاقي، بل في الحقيقة انعكاسا لقانون الشعوب التي يغلبها الطغيان ومنطق النوايا غير السليمة في تجهيل الانسان، لذا فقانون البناء يتطلب القضاءعلىخطيئة الجهل.
فهل من صنيعة الجهل الموت؟ وكيف؟
 الجهل حالة ميؤوسة من العوالم الإنسانية، تترك النفس البشرية لتموت صقيعا وجوعا وتعفنا ومكرا... في دواخلها وهي في أبهى قوتها وصلابتها.. إن الجهل لايعلن حالة الصفاء مع الله ولكنه  يعلنها تقديسا مع السلطان.

 

هذا الصفاء المعلن بين الجاهل والحاكم: هو تواطؤ وله معان متعددة على أنه أصبح أكثر قذارة أكثر منه مرضا مزمنا. ومن هذه الأمراض تأتي وتنتقل باقي أمراض المجتمع.. التخلف والقمع والجشع والفساد... وإن كانت النية بالغة فالقضاء على هذه العدوى يتوجب أولا القضاء على التواطؤ المكشوف والمؤسس لهذه الخطيئة: بل يجب اخضاعه لعذاب شديد وقهر مرير وأن يتحول إلى أداة للخطيئة الكبرى: في استعباد الشعوب.
ألا يعرف السلطان إلى أين تقود المعرفة والعلم؟
لايجد السلطان خلاصا من هذا الداء الكبير، ومن هذه الخطيئة المشينة إلا بتقويتها للانتصار على العقل. فالجاهل لايميز بين اللاعقل والذنب الذي يستشعره على اعتباره  قضاء وقدرا، ويعتبره السلطان من حقائق الطبيعة يجب احترام سيرورتها.

 

 وهل يأتي الخلاص؟
 ينظر إلى، يمعن في النظر بشكل كبير، وأنا أنظر إليه بتعجب، ويستأتف  الحديث، هل تعي ما تعني  قراءة أكوام من الكتب النقدية... فداخل هذا الفضاء المصطنع والمكشوف بين الحاكم بالجهل والجاهل والمتجاهل به و عليه،  تكونت تحالفات وحيوات معقدة لم تحدث القطيعة  نهائيا بينهما، رغم أنهما في زمن عقلاني ورغم أنه زواج متعة في واضحة النهار. فالتماهي الأبدي والكبير بين السلطان ولعبة الجهل  تقتضي علاجا شافيا بدوامه، بمعنى أن يأتي الخير بدوام الشر.وبين الجاهل الذي يعتقد أن عذباته في الأرض تنتهي بالسماء، لكن ذاكرته مستلبة ومدمرة بالكامل ومفرغة من كل محتوياتها  يعيش بها الجاهل على شكل اكراهات بحثا عن الخلاص الذي لن يأتي جيلا بعد جيل.
 يحدق في بقوة ويضحك ضحكة عريضة... ويقول : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سمعا وطاعة...ا

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً