الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
سفينة الحمقى - عبدالله الساورة
الساعة 13:01 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


ماذا لو وضع الحاكم العربي سفينة كبرى وجمع فيها جميع المفكرين والكتاب والمثقفين والفنانين العرب، وقسمها سبع طبقات؟ فما الذي يمكن أن تحمله داخل أغوارها الموحلة ؟اعتقد جازما أنها تحمل جنون الإبداع العربي وهو من يقف في وجه الجبروت... في وجه الشيطان... في وجه القبح.
 

ألا يمثل المثقف العربي الوجه البشوش والناعم لسلطة الكتابة حتى وإن انقسمت إلى أشطر منها من يخضع خضوعا تاما ومن يركب سفينة الرفض والحمقى؟.
 

صديق شاعر لي قال : أهم هموم سفينة الحمى والحمقى أنه لن يركبها سوى المخدعون؟
سألته من يخدع من ؟ ومن يخدعهم؟ ألا تعتبر السفينة مخدعا للاحتجاز والاحتجاج؟
صمت صديقي، كمن يود أن يقول الكثير وداب في صمته....
فكرت في الأمر لما يود حاكم عربي أن يجمع طائفة الكتاب في سفينة واحدة ويرمي بهم في بحور شاسعة لا تتسع مرافئها لما يحملون هم وغيض ووجع وابتلاءات ونزوات هذا الوطن؟.

 

صديقي كاتب من بلد كل شيء فيه محرم، لا يكتب إلا اذا ما عانق جعة ونساء وأشبع منها مبتغاه، قال لي : " أرغب أن تقف السفينة في مرافئ حيث لاتشديد على الخمر ولا تشديد على النساء ولا على الحريات"
ضحك كعادته وقال: أنا أول من أصعد إلى ظهر هذه السفينة، على الأقل الموت في رحاب المحيط وبين أحضان العشق والنزوات أهون من الموت في مدن تقتلك أسوارها وبؤسها اليومي.
عماذا يبحث هؤلاء الكتاب؟ أسأل: عن الحرية؟ عن الإمتاع أم عن المؤانسة؟

 

شاعرة جميلة وفاتنة، صعدت، فحام حولها جم غفير من شعراء وكتاب متحذلقين. تعرت كما ولدتها أمها، رقصت، تم تمايلت رقصا وغنجا وقالت: أشبعتم هنا سفينة الحمقى، فمن أراد المزيد فليتبعني.
يضحك الحاكم العربي أنه ليس الوحيد الذي تغلبه نزاوته بل هناك كتاب تغلبهم نزواتهم مع فرق كبير، يصيح كاتب مغمور: نحن وإن غلبتنا نزواتنا لانسرق شعوبا، ولا نقيم حدودا، ولا نحاكم، ولا نقيم أحكاما مسبقة، ولا نجوع شعوبا، ولا نركب على أحلامها، ولا نصنع خرسانة للجهل والأمية. نحن فقط نبحث في ماهية الأشياء...

 

قاطعته فنانة ذائعة الصيت: أنا أتفق معك على أساس أن نزوات الحاكم العربي هي نزوات مكبوتة بعمر التاريخ العربي وبمقياس جليد القطب الجنوبي والشمالي.
الكل ضحك... وظل الحاكم العربي يرقب بعين ماكرة ويتساءل: لماذا يا معشر الكتاب تحقدون على حاكم عربي وجد نفسه في دوامة من الجهل والأمية والطامعين والماكرين والمتوجسين والحالمين بالسلطة ؟

 

يحتسي بعض الخمر ويعانق فنانة تحب الوى الوى... تمخر السفينة في عباب البحر . ويعرف الجميع أن السفينة تمضي إلى حتفها كما اقتيدت أول مرة وحملت مجانين ورافضين للسلطة على نهر الدنوب لقدفهم هنا وهناك. وحملت العرب المطرودين من الأندلس، وحملت السود إلى البرازيل... تلك السفينة فقط غيرت من ألوانها الرمادية، وأصبحت تحمل ألوانا زاهية، بمطبخ وغرف نوم وخدم وخمر معتق وقاعات للرقص ومسابح ولكنها ظلت تحمل في داخلها أحلام الكثيرين في التغيير، وقادهم هذا الحلم أن يضعهم الحاكم العربي في سفينة لا تحمل لوحة مفاتيح ولا أرقاما ولا احداثيات ولكنها تحمل حلما ظل بعيد المنال... .

 

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً