الجمعة 29 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
وجــــــــع - مسعد السالمي
الساعة 20:06 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

تتجول نظراتي الطائشة والمتلهفة في كل الاتجاهات، تلتهم اكثر قدر ممكن من الصور والوجوه والاقنعة، تهرول مسرعة إلى مكان المطابقة.. تنهار فور علمها بان المحاولة فاشلة، تعاود الكرة مرة أخرى لالتهام المزيد من تلك الوجوه لأمل يصرخ بداخلها بانك ستجدها هناك.. في هذا المكان أو في الداخل أو مترجلة بين اقسام السوق المتأنقة أو على حافة الطريق تحمل حقيبتها المحظوظة بجلستها المترنحة والملتصقة بجنون على كتفها الايسر، أو في تلك المساحة التي يصرخ بها كل سائقي المركبات مع مركباتهم في وجوه البشر لطلب العطف والرحمة عليهم بالمبادرة والصعود جوارهم..

ربما ساجدها واقفة تتأمل مركبة ما تليق بعالمها الجميل لتصلها إلى حيث اشيائها ومقتنياتها التي تبكي غيابها وتبكي كذلك عودتها الطويلة السريعة لتلقي عليها ابتسامة هادئة تثير عشقهن الغير المألوف.. لا زالت نظراتي اكثر ظماءً منذ البداية كأقدام اصدقائي الذين تملكتهما الدهشة والغرابة من ما اقوم به من تمشيط دقيق لكل وجوه البشر وجميع الاماكن.. هي نفسها هذه الاماكن التي صنعت من ذاتي إنسان يحمل معاني القيم في لحظات كانت حينها هي أميرة البحار وأنا سلطان الكون.. ها هي الاماكن واللحظات نفسها تقوم بدورها بتحطيمها واحدة تلو الأخرى في شوق غيابها.. علني مؤمن بجملة براون في أحد روايته (من يبحث يجد) وعلى عجالة صارت هذه الكلمتين قاعدتي هذا المساء لكنها بصيغة أخرى مؤمن بذلك وحدث آخر.. ساجد تعليقاتها.. أوراقها.. اماكن خطواتها.. ربما رائحتها التي اصبحت هوية المدينة التي لا قداسة لها إلا بهذه الرائحة العطرية المصبوغة بلون السماء.. تألمت بأكثر من مساحة كبيرة وصغيرة كانت شاهدة على وقع اقدامها وخطواتها بين يدي.. إنها هي.. نعم هي.. اقترب أكثر.. اعيد المطابقة.. محدثا ذاتي بصوت مسموع على اثره يصاب صديقي بحالة هلع وترقب من ما قد اقترفه علينا جميعاً..

 

انها هي..
يخرجون عن صمتهم في وجهي رفقائي الاقرب من نفسي إليَ بالمغادرة معللين ذلك بانني بحالة هذيان لم يسبق ان حدثت قط لمكونات جسدي كهذه اللحظات عند مشاهدتي ومعاشرتي للمدينة.. لم ابالي بهم تاركاً لهم تلك اللوحة الاعلانية مجيبة على احاديثهم ومطلق العنان لخطو اقدامي سريعاً نحوها.. تزداد حدتهم علي بالتحذير.. ولا شيء غير ذلك المكان الذي اصغي إليه بكل حواسي.. اقترب.. ارفع يدي للمصافحة مع بحة صوت لا اعي بالتحديد كم من السعادة تختزنه تلك البحة التي اعاقت نبرات حروفي للتعبير عن كوني وجدت غايتي اخيراً.. اشتعل شوقا لتلك البسمة التي على اثرها تتشكل ملامح جسدي كما يجب بشكل اجمل على هذه الحياة.. تلتفت إلي ببطء شديد.. تجمد لساني سريعا كذلك الجدار الذي تتكئ عليه.. لم يسعني الحديث.. ولم يسعني الاعتذار وكذلك التراجع.. وخانتني قدماي في اعادت عجلتها إلى الوراء.. احسست بوجع في كل اجزائي.. وبرودة تحتويني يتبعها ظلام يسدل ستاره المؤلم على عيني.. لا اعلم بشيء سوى الفاظ رفقائي الموحية بالمواساة في غرفة يسودها اللون الابيض، وعلبة علاج منتصبة جوار سريري يتخللها خيط يرتوي من خلاله ساعدي الايمن، اوزع نظراتي من جديد مندهشاً. اجابني احدهم..
لا عليك..
لم تكن هي..!

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص