الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
صورة السلفيين في رواية «ابنة سوسلوف» لليمني حبيب سروري - رياض حمَّادي
الساعة 19:56 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

تضمَّنت رواية «ابنة سوسلوف» للروائي حبيب سروري, الصادرة عن دار الساقي والمدرجة ضمن القائمة الطويلة للبوكر (2014) صورة للسلفيين ولطبيعة التدين الذي يمثلونه على الناس في الظاهر, بينما يعيثون فساداً وإباحية في السر. فقد وجهت نقداً شديداً لرمز السلفية في اليمن، الذي ذُكر إما باسمه الصريح أو بصفاته التي لا تخفى على العليم بالمشهد اليمني.
 

ذُكر اسم الشيخ عبدالمجيد الزنداني صراحة مرتين: مرة في سياق الحديث عن دور فتواه أثناء حرب 1994 التي أباح بها نهب الجنوب وتحليل دم سكانه للقبائل الناهبة. (انظر ص 20, 21) ومرة أخرى في سياق الحديث عن دوره في ثورة 2011 واختراعه علاج الإيدز. (انظر ص 192) وذُكَر باسم الإمام محمد الهمداني وبصفات تدل عليه في كثير من المواضع, فهو «رأس السلفيين اليمنيين والأب الروحي للجيل الأول من قادة منظمة القاعدة» (ص 81). وهو «إرهابي ظلامي مشعوذ, محاضراته منتشرة تلهم كل القتلة, لا سيّما المجاهدين الانفجاريين!» (ص 106). وهو «إمام مجاذيب اليمن, وكل شبكاتهم الظلامية الأخطبوطية» (ص 108). و»له هيئةٌ قبيحةٌ تتوحد في مقتها أذواق الملائكة والشياطين… أخطبوطٌ ظلاميٌ له علاقة غامضة أكيدة وقديمة بإرهاب «القاعدة». أشرطة خطاباته الدينية شديدة الشعبية في الأوساط الإسلامية عموماً» (ص 128). وهو «زعيم الظلاميين ومُلهم الجهاديين العرب» (ص 138). وهو «منتهك محارم… سلفي أرثوذوكسي يكره ويرفض القوانين الدولية التي تتعارض مع منهج حياة دولة الخلافة الإسلامية…» (ص 141). وهو «خطيب بليغ مؤثر, يجيد التمويه وغسل الأدمغة» (ص 142). 
 

وتعرضت الرواية لفشله في دراسة الصيدلة في القاهرة, مع استبدال الصيدلة بالطب والقاهرة ببيروت لغرض التمويه, مثلما استبدلت «جامعة الإيمان» بجامعة التقوى. ونتيجة لهذا الفشل «لجأ إلى الشعوذة واختراع «عقاقير العلاج بالإعجاز القرآني» لعلاج معظم الأمراض التي لم يستطع الطب الحديث معالجتها, بما فيها السرطان!» (ص 144. انظر أيضاً ص 145 و 163).
 

وينتقل الأسلوب التقريري في وصف الإمام الهمداني إلى أسلوب تخييلي, فيصف علاقة زنا المحارم التي جمعته بزوجة ابنه أمة الرحمن, بداية على نحو غامض (ص 95 و 105), ثم على نحو جلي (ص 126 و 130 و 146).
 

أما الشيخ عمر, ابن محمد الهمداني, فهو صورة عن أبيه, إلا أنه أحمق ولا يتصف بالدهاء. وهو مدمن خمور «يُغلق باب قصره وينهمك, في اعتقاد الجميع, بالبحث الفقهي والنشاط الديني على مواقع الإنترنت, وعلى صفحته الشهيرة في الفيسبوك. فيما هو, في الحقيقة, في حياة دنيوية محضة, خليلته قنينة ويسكي من العيار الثقيل…» (ص 83 وانظر ص 94). واشتهر عمر بالتكفير و «بالسب القادح للملحدين والشيوعيين والعلمانيين (حتى إن كانوا متدينين) وتكفيرهم. ماكينة تكفير. لا يمتلك ذكاء وخبث أبيه, في كل الأحوال, مثله مثل أبناء رؤساء وملوك العرب في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم» (ص 95 وانظر ص 98 وانظر ص 99 حين يشترك مع صديقه الشيخ عبدالرحمن في شرب الخمر). 
 

واحتوت الرواية على مشاهد متفرقة يمكن من خلالها تكوين صورة عامة للسلفيين. ففي الإنترنت «يجدون سعادة في السبّ الرخيص السريع… معظمهم موظفون رسميون في شبكات الحركات السلفية والمتطرفة, يديرون مئات الصفحات الاجتماعية العامة, منتديات فيسبوكية مفتوحة أو مغلقة, تجمعات خاصة, تطبيقات برمجيات نشر فقرات دينية تنطبع بشكل أتوماتيكي كل بضع ساعات على الصفحات الخاصة للمشتركين بها من المفسبكين. عمل سرّي منظم. أسماء تنكرية في كل مكان. جيوش ظلام. جهاد سلفي بأحدث التقنيات وبعبارات من عصور الأولين… يلتفون غالباً لكتابة تعليقات تهاجم أي منشور مدني يدعو لحرية الضمير والتفكير… من دون الحديث عن نشاطاتهم الإرهابية الخفية على الإنترنت… نضال رقمي كثيف, حضور سلفي جرّار في فضاء افتراضي مدني. (يشنون) حرباً روحية دائمة لا تقل شراسة عن الحرب العسكرية التقليدية» (ص 109, 110). وهم أنصاف أميين و»مزيج من بلداء, أو ممجدين للطغاة, أو ظلاميين, أو رعاع فعلاً… « (ص 110). وهم «عشاق نكاح بحور العين» (ص 143). وكناية عن طاعتهم العمياء لشيوخهم «لا يحب السلفيون كلمة «لا» وينصحون بعدم استخدامها إلا في التشهد» (ص 147). كما «يحب هؤلاء المجاذيب ترديد كل شيء ثلاث مرات دائماً, على سنة الله ورسوله, لا سيّما فجورهم الفاحش!…» (ص 195).
 

كما ورَدَ اسم بن لادن في الرواية في سياق الحديث عن مشروع حياته الذي كان بكل بساطة «أن يدخل التاريخ مثل نموذجه الأوحد في الحياة: حسن الصبّاح!». وذكرت نبذة مختصرة عن سيرة حياته ودوره في الإرهاب, ومقولته الشهيرة: «لا نجوت إن نجا الحزب الاشتراكي اليمني» (ص 137).
وتبدو صورة السلفيين والمرأة السلفية في الرواية نمطية, مصدرها الغضب الذي يعتمل في صدر عمران بسبب دورهم في الدمار الذي لحق معشوقتيه: عدن ونجاة. ففي مشهد يصف عمران مظاهرة نسائية – منتصف تسعينيات القرن العشرين, تعترض على قانون البرلمان الذي يمنع زواج الفتاة قبل الثامنة عشرة- قائلاً: «فتحت النافذة لأرى سيلاً من السواد يعبر الشارع. آلاف الأجساد المغلقة بأحجبة وأنقبة سوداء… يرافق كل واحدة منهن غالباً صبي صغير: ابن أو بنت, لأن «المرأة المؤمنة لا تخرج لوحدها إلى الشارع!», حسب البديهيات السلفية. (يلزمها «محرم» إن كانت في مكان يأتيه الرجال, أو مرافق صغير إن كانت بين نساء وسط الشارع!) (ص 75). ويشبِّه عمران هؤلاء النساء المطالبات بتعدد الزوجات وبضربهن, بأنهن «جَوارٍ, عبدات سعيدات بعبوديتهن, تنقصهن الحاسة الخامسة, أهم الحواس: حاسة الحرية» (ص 78).

 

وهناك إسهاب في وصف عشق السلفيات مبني على تعميم حالة أمة الرحمن. ومن هذه العبارات النمطية التقريرية جاء ما يلي: «لعل في كل سلفية ينام ذئب جائع للعشق, أخطبوط بسبعين ذراعاً, كل ذراع منه حورية عين. ربما, ربما…» (ص 101). و»الجنس عند السلفيات طقس مقدس. المجد للسلفيات!». و»من لم يمارس العشق السرّي مع سلفية, لم يمارس العشق إطلاقاً… لكأن السلفية عندما تمارس العشق تنتقم من كل المحرمات والكبت والحواجز, أو كأنها ملزمة دينياً بالفعل بأن تكون بمثابة سبعين حورية عين في سرير واحد… المجد للغرام السلفي وشبقه العرمرم!» (ص 125). و»من لم يمارس العشق مع سلفية لن يعرف يوماً ما يحمله الانزياح الطائش الراقص الرجراج من مفاجآت وتشنجات… لن يعرف ما تعني اللذة الطويلة التي تتجاوز أمد اللذة التقليدية. لذة شاهقة, أم اللذات, هاوية من اللذات الإلهية» (ص 178). «التوحد الجسدي عند السلفيات فريضة دينية. لعلها إيجابيتهن الوحيدة ربما!» (ص 193). ويصف أمة الرحمن: «هذه الفتاة التي تخرج من الحافلة بحجاب يلف حجاباً وحجاباً, لا تمشي في الشقة إلا عارية!» (ص 103). 
 

والأوصاف السابقة تخالف ما هو معلوم عن دور الكبت في البرود الجنسي عند أغلب النساء في المجتمعات المحافظة, ما يعني أن لنسق الغضب دورا في تعميم وتنميط الحالة الفردية, ووحدها القراءة الرمزية كفيلة بتأويل المعنى الحرفي والتقريري للجنس إلى دلالات رمزية وأنساق ثقافية, وهذا ما فعلناه في مقال مستقل بعنوان (رمزية الجنس في رواية ابنة سوسلوف).

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً