الجمعة 29 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
انتقام أنثى - فكرية شحرة
الساعة 13:39 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

       تلك الغيمة التي كانت في الأعلى رافقتك ظلاً تحت قدميك .. روحاً تحرسك بالدعاء ..مطراً بالحب اللامتناهي ..تلك الغيمة  بعثرها  إعصار تجاهلك وقسوتك ..تلك الغيمة ..كانت أنا..
                    انتقام أنثى .. 

 

قالت له وهو يغلق آخر حقائب الكلام دبلوماسية  كي يغادر :
_أعرف أنك رجل أشبه بجبل جليد أمتزج بآخر من الصخور فصار جوفك بارداً كالصقيع وخارجك صخر بلا شعور ولن تنفع حرائق حبي التي أشعلها حولك كي تذيب ذلك الجليد أو تصهر الصخر فيك , لكن حرائق الحب هذه ستكون انفجار انتقام ..سأكون نيرون آخر , يعشق النيران سأحرق روما التي في داخلي وأحترق معها , أنت لا تعرف إرادة الوصول التي أملكها إرادة التصميم التي أنميها , سأصل إليك يوماً وأحرقك بجحيم هذا الحب .. 
كان قد قرر الاستسلام وآثر الرحيل  وأختار الضعف كعلامة مسجلة للمغادرين ساحات معارك الوطن المحتضر ..قال لها :
_هذا الوطن لا يليق بي , أنا راحلٌ عنه , هذه الأرض  ليست أرضي والشعب ليس شعبي ولا أعرف ما يكون , كلما زرعنا الوعيّ حصدنا الغباء, هذه السفينة تغرق ولا أعرف فناً للعوم , كلنا غرقى .. تعددت الأسباب والاختناق واحد ..من يصمد حتى الأخير غبي أو لا يعرف الطريق ..)
استنجدت بما كان قائلة :
_منذ متى كانت الأوطان أشياء نرتديها , منذ متى كان ربطة عنق تضيق بأحلامنا أو حتى حذاء يحملنا كي نصل إلى المبتغى ..منذ متى ؟
أليست هي الأوطان من ترتدينا حلّة ونكسوها جمالاً وكفاح فأن تركناها فمن لها وأجمل ما فيها يغادرها ؟..

 

ألم نتفق على أن نبقى معاً نحاول خلق الجمال من قبح الحقيقة , ألم نمضي معاً في شوارع الثورة نهتف للقادم الجميل , حملنا أرواحنا وحملنا الزهور من أجل الوطن , ألن نشيخ أنا وأنت تحت شمس الوطن كما حبونا معاً .. ألم تقل لي لن نفترق أبداً ..؟
لقد أوقعه القدر في طريقها فكانت نقطة الوصول هي القلب رغم سمعته الشهيرة في سحق القلوب , ربما أثرت في تفكيرها موجة التغيير الحالمة التي اجتاحت الأذهان فقد كان حلم التغيير للأفضل هي السمة الأبرز , لقد جمعتهما ثورة شعب وثورة حبّ ..أحبّته كالوطن لأنه هو بكل عنفوانه وعطائه الشحيح  وسطوة جمال روحه المتعالية ..وتشعب دروبه ..أحبته كالوطن مليء بالجراحات والهموم والأحزان , فكم كان يشبه الوطن في عناده و مكابرته و أوجاعه , واشتهاها هو وطن يغدق عليه حباً وجمالاً , وصدراً  يضم أحلامه .
في خضم ثورة اكتسحت بلائاتها  كل أيام النَعَمَ الخانع تحت سطوة  ذل الحياد الجمعي نحو الوطن . جمعتهما ثورة وفرقتهما نكسة .. 
قال لها وهو يلمّلم أشلاء أحلامه المبعثرة في حقائب اليأس :
_ لمن أبقى ؟ لوطن  يباع ويشترى ! كي أنجب فيه أبناء يموت الحلم في صدورهم قبل أن يولد , يكفيني أنا ..مهاجرٌ في وطنه ولاجئ على أرصفة شقائه , الحب لا يطعم الجوعى وحصادنا اليأس والحاجة , سأغادر ..فأغفري لي حلم اللقاء بك ..لقد داسته أقدام الكبار .
كانا في صحوة حب الوطن قد أتفقا على الزواج , حين يتعافى الوطن من نزف جراح الثورة , لكن ثورة الشباب قتلت قبل أن تدخل المرمى . كانت ممرضة تداوي جراح الثائرين حين يسقطون كالزهور اليانعة في عاصفة عشق السلطة والجبروت وكان ثائراً جراحه أكبر من أن تداويها أحلام ثورة .. كان شعوره بالغبن في وطن لا يرضي طموحه في التفرد والتميز قد جعله يقرر الهجرة حيث يبدأ من جديد في بيئة صالحة لحب الحياة وليس لاستنبات  حب الموت والخراب في العقول .
وكما يدفن الخديج  دفنت ثورة بلا أسم أو ملامح , فدفنت معها أحلام الشباب بمستقبل مشرق , وقرر الرحيل بعدة سفر من أحزان كبيرة . ربما كونه سيصبح لاجئ في الخارج أفضل برأيه من أن يصبح الوطن في قلبه مجرد لاجئ .
لكنها كانت تراه هو الوطن , فكيف يرحل هو محملاً بهذا الوطن في حقائب الفراق ؟  وكيف تحيا هي كلاجئ في قلبه وفي كل الوطن .؟ كيف يتركها هكذا كأنها لا شيء ؟ أو هي شيء عابر لا يستحق الوقوف قليلاً كما يقف المودعون على القبور احتراماً ربما لقتلاهم ,فحتى القتلة أصبحوا يسيرون في جنائز ضحاياهم أمتناناً لصمتهم حين القتل .

 

كم استجدته البقاء بحق الحب الذي زرعاه حلماً في وجه الرصاص والخوف , لكنه أنسحب كما أنسحب من كيانها حب الحياة ونقاؤها , كيف يخذلها ويخذل الوطن ..
قالت له بدموع أنثى ترى كل شيء تحبه يتلاشى :
_ أي نوع من البشر أنت ؟ كيف يبدو هذا الكيان الذي هو أنت ؟ كيف ترمي خلف ظهرك أجمل عمر , وأنا أسمع كلماتك الرصينة  هذه التي تبني بها أسواراً تحرمني منك تلك التي تحرق جسوراً أمدها كي أصل إليك ,لا أصدق أنك ذلك الذي تحدث عن التضحية  , ما زلت أسمع حرفي (لا) كتعويذة لعينة تقذف بتوسلاتي خلف الشمس ,  نظراتك المتعجرفة تلقي رصاص الموت الحي نحو قلبي الملقى تحت قدميك مضرجاً بالحب لتتركني وترحل ؟ حتى في الخيال تتحول إلى وحش ينهش قلبي بكلماته ويرديني قتيلة مضرجة بحبي وذلي , كلما حاولتك أن تكون رحيماً بي في خيالي غلب عليك طبعك القاسي فتسحق محاولاتي .
لا أدري هل يكفيك انتقاماً  أن أحرمك من هذا الحب ..أجمل ما حدث لك ؟ أاحرمك ذكري لك في كل وقتي كأنك الوقت ..أحرمك قلبي في سماءك غيمة تظللك وتمطرك كل الحب. لا أدري هل ستفهم ماذا ستخسر أم أنك تعودت أن ترمي القلوب المحبة خلف ظهرك كماض ٍ كلما لاح في حياتك نبض جديد , ليس هناك كحضن الوطن دفء يحتويك , أبداً ولا صدر  كصدر الوطن ..
لعلي لم أحبك أنت فأنت في كل الأحوال محض رجل ..لقد كانت ثورة العشق في قلبي للحب ذاته  فهو الوطن الذي جمعنا في حلم ثورة ..
لقد رحل .. كحلم ثورة , كطعنة غدر ..كوطن بلا شعب . وكان أقصى انتقام أن يخسر حباً يشبه الوطن .

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص