الجمعة 27 سبتمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 26 سبتمبر 2024
القرينـــــة - نجاة باحكيم
الساعة 08:57 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

 أنظر إليها بتمعن.. تشبهني كثيراً.. لا فرق بيننا.. ربما تكون  أنا! 
تسير معي أينما سرت أو توقفت.. لا تفارقني مطلقاً.. أسألها عن اسمها.. تعيد لي نفس السؤال! وفي نفس اللحظة ننطق معاً. أكرر السؤال.. لها نفس حركات شفتيَّ! نغمات صوتي نفسها..! أيقنتُ أنها أنا. أنظر إليها بصمت مثلما هي تنظر إليَّ!! كلانا تقرأ أفكار الأخرى.. متشابهتان في كل شيء .
 أشعر بالضيق من وجودها.. ربما هي كذلك! أتساءل مع نفسي: كيف لي بالخلاص منها.. كيف نفترق ؟! أوجه لها كلماتٍ جارحة.. يتردد صداها في أذنيَّ.. أغمض عينيَّ.. أشعر بكيانها يقف أمامي.. ننام معاً.. نستيقظ معاً.. نؤدي كل وظائفنا.. بنفس الحركات وبتوقيتٍ واحد. لا يراها أحدٌ سواي.
 

ذهبتُ إلى الطبيب النفسي أشكو له حالي. كانت تجلس جواري لا أحد يراها غيري.  أعطاني بعض المسكنات لعلاج الهلوسة.. أبتلع حبةً منها كل مساء. أجدها أمامي  تبتلع نفس الجرعة.. تقلّدني في كل شيء..  وقفتُ أمام المرآة..  تقف إلى جواري وعاكس صورتينا بالداخل.. إننا أربع! أمدّ يدي أتحسس المرآة.. تمتد يدي تتحسس جسدها كما تتحسسني.. أصمت! أقرر تجاهلها.         
 

 أسير دون أن أنظر إليها.. هي كذلك لا تنظر إليّ! يظل تفكيري عالقاً بها. شعرتُ بالضيق.. تمنيتُ لو أستطيع الخلاص منها. سوف أُدَبّرْ لها مكيدة. لكني خشيت أن تتخلص مني بنفس طريقة خلاصي منها!! لم تغفو عيني عنها للحظة.. كلانا تترقب.
 انبلج نور الفجر.. ذهبت إلى مشعوذ مشهور.. ربما تكون هي " قرينتي "  كانت معي خطوة  خطوة.. دون خوف.  نتحدث للمشعوذ معاً.. كلانا تريد الخلاص من الأخرى.. لم يعد يعرف من يصدّق! نتحدث بكل صراحة.. تدمع أعيننا.. المشعوذ يستدعي رفاقه من العالم السفلي.. ينادي بألفاظ غير مفهومة.. تعجز أرواح العالم السفلي! يشعر بالعجز.. نخرج معاً. يتفاقم حجم الضيق لدينا! لابد لنا أن نفترق .

 

 عقدنا اتفاقا بيننا أن نشكو لأحد أئمة المساجد.. قرر إمام المسجد أن نتظاهر بالموت.. دون أن يعلم المصلين أو أي أحد بذلك! وأن يتم غسلنا وتكفيننا وعمل كافـة مراسيم الدفن كما هو المعتاد. تظاهرنا بالموت.. تم حفر القبران.. تمت معاملتنا مثل الأموات تماماً.. وحُملنا على الأكتاف.. كي تنام كلٌ منا في قبرها.. فقد تتلاشى إحدانا! الجنازتان محمولتان تسيران معاً. نرقب بعضنا دون حديث.. أصوات التهليل تتعالى.. الجميع سائرون  حتى وصلنا إلى المقبرة.. وضعونا في قبرين متجاورين.. اختفى الحاجز الذي يفصلنا أصبحنا في قبرٍ واحد!تشاجرنا.. كلاً منا تريد القبر لها.. تشابكت أيدينا.. فرّت الجموع مذعورين مما يحدث! لم يبقى أحد سوانا. لم أعد أطيقها لابد لإحدانا أن تموت. جدال عنيف بيننا.. سيارة الشرطة وصلت.. وضعونا في غرفة مغلقة مظلمة. 
أنا وهي فقط لا ثالث معنا.. تمّ تقيدنا حتى لا نشتبك بالأيدي! حاولتُ أن أتجاهل وجودها جواري.. غفلت عيناي عنها.. كأني بمفردي.. أشعر بأنفاسها تضايقني..  نظرتُ إليها تفكر بنفس ما أفكر به.. دموعها تنساب مثلي.. متضايقة من وجودي!! ترجوني الابتعاد عنها.. أن أتركها في حالها.. وأن أخرج من حياتها.. عجزتُ عن إيجاد الحل! ساورني الشك.. ربما تكون محقَّة وأنَّا من ظهرتُ في حياتها!! افترشتُ سجادة الصلاة.. صليتُ صلاة انفراج الضيق.. رأيتها تصلي تدعو لي بالزوال.. بمثل ما كنت أدعو  لها.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر