الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
السخرية في مجرور بالحسرة للقاصة أسماء المــصري - ثابت المرامي
الساعة 20:52 (الرأي برس - أدب وثقافة)


النص الساخر بيان سريً بين الكاتب والقارئ ، بين الهمّ والضحكة ، بين الوجع وصاحبه، بين القلم والممحاة , كرسائل العشّاق سرية وخجولة وبينية ، يكون البوح الهادئ فيها بين حمرة الجرح وحمرة الشفاه، بين الحرف والحرف بين الكلمة ومعناها  .. فالسخرية أدب يعبر عن حالة رفض للواقع ولكن بشكل قادر على التعبير دون الاصطدام أو خلق حالة مواجهة مباشرة مع حالة سلطه أو فكره,  هو تعبير يعني التمرد على الواقع.. وثورة فكرية ضد البديهيات التقليدية.. كانت سياسة أم اجتماعية وهي العكاز الذي يتكئ عليه الكاتب الحر المتمكن من أدوات القص والبوح الكتابي .. ليقّوم اعوجاجا في أعماق نفسه وفيمن حوله 
 

ومجرور بالحسرة هي  نصوص قصيرة جدا تميزت برصانة أفكارها، ومتانة بنائها وأحداثها التي جمعت بين الحبك المتين والعصف الذهني عند المتلقي. فهي لم تتمرد على تقاليد النثر الفني والقصصي بأشكاله التعبيرية المختلفة بشكل مطلق، بقدر ما التفت عليه ، باعتماد السخرية وتأثيرها  فسلطت الضوء على القيمة الأخلاقية والرسم بالكلمات لتصبح ضرب من النقد . وهذا النوع من الكتابة الساخرة هو الأصعب لكونه يتطلب لياقة نفسية عالية تفوق جلد الذات إلى التهكم  بها ، أي أن كل كاتب ساخر هو ناقد بالطبع له حضوره ورؤاه الخاصة , فمثلت نصوص المجموعة  (صفر , حرية , تضاءل , أبواب , تقديره هو , نيران صديقه , تشكيل ). ضربا من السخرية الاذعه و الذي يمكنني أن أصفها بالتنفيسي ثم العلاجي لهذه الظواهر ، بخلاف الكتاب الآخرين الذين يضعون مبضعهم على الجرح بجدية أكثر , ووصلت أعلى مراتب السخرية في المجموعة في نص (مغترب) إذ يقول 
غادرها عروساً قبل أربع سنوات 
ظل يبعث إليها بأحدث الجوالات
ليطمئنها بقرب عودته وتخفف عنها الم فراقه 
كل ليلة تنام محتضنة جوالاته الثمينة ..
واثني عشر ألف صديق !

 

فسخرية الكتابة تنتقل إلى تكسير جميع الحواجز اللغوية والأدبية لتكون الرسالة أقوى في نصوص أخرى تطرقت إلى العديد من المواضيع الاجتماعية العامة والخاصة التي أضحت غير ذا قيمة ، وظفت فيها العديد من التقنيات، مستلهمة طريقة الكتابة العجائبية الساخرة واللعب على التهكم، وأساليب خطاب ضمتها رحابة اللغة والصور التي كانت تتراص، جاعلة من المعنى مقصدا وهدفا من خلال التلاعب بالمصطلح وتنويع أغراضه. كما تم توظيف السخرية بنزعة انتقاديه تذهب إلى الأشياء بطريقة المواربة وفيها كثير من الفن اللاذع الذي يحاولاً بكل ما يملكه من براعة وقوة محاربة الظواهر السلبية والأخطاء المعششة في المجتمع . 
 

وبهذه النصوص أتاحت القاصة أسماء المصري بمجموعتها القصصية مجرور بالحسرة الفرصة لمعالجة قضية الاتصال الفني  بين الكاتب والمتلقي , بفن مائي يتسرب إلى فنون القول والتهكم على الواقع بشكل مميز ومحبب لدى المتلقي بكوميديا سوداء تعكس أوجاع المواطن السياسية والاجتماعية وتقدمها بقالب ساخر ترسم الدهشة على الوجه وتضع خنجرا في القلب حول ما يجري . والكاتب الساخر هو من يحول الألم إلى إبداع. يوظف قلمه بشكل جيد وساخر دون أن يقع في المحظور الاجتماعي والسياسي والديني مكوناً خلطة سرية بين اللغة والمفردة والحكاية  واصطياد المفارقة في المشهد الأدبي كنكتة شفوية ، أو كاريكاتير ناقداً، أو نصاً ساخراً يوصل المعنى كما أراده مؤلفه ..
يقول جبران خليل جبران  في هذا الصدد: "هذا العالم..صعب وخائن ولا يطاق.يجب أن يمتلك الإنسان سلاح السخرية وبقوة لكي يستطيع أن يحاربه حتى الموت".

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً