الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة انطباعية في رواية" لعنة الواقف" لبسام شمس الدين - سيرين حسن
الساعة 11:13 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

(شمس ولعنة المقابر المظلمة)
سوف أتحدث بداية عن مكونات الرواية الأساسية:

 

1- الراوي:
 

         هو أحد شخصيات الرواية والتي طلبت من أحدهم(يظل المطلوب منه مجهولاً) أن يكتب ما جرى في قرية (بيت الهادي) من الأحداث والسارد الداخلي يكون أقرب في لغة خطابة للقارئ من السارد الخارج العليم ويعطي حميمية اكثر لقارئ الرواية.
 لقد بدأ الكاتب في سطوره الأولى بتشويق القارئ بإستباق بعض الأحداث والإشارة إليها .. في ص6 يقول:
هل نبدأ من اللحظات المحزنة التي دخلت فيها السجن عُقب مقتل الفقيه عبد القادر أم من الأوقات السعيدة التي قضتها مع عزيزة في الدار العتيق, وهذه الأحداث هي من الفصول الأخيرة في الرواية.
الاسم حتى الفصل الثاني في حواره مع عمته قبول: أراك محَّمراً يا ناصر؟
وحتى لو بقي أسم ناصر مجهولاً لما كانت هناك مشكلة في فهم الأحداث لكن حدث التباس في علاقة الراوي ببقية الشخصيات وقد قام الكاتب بالتعريف بشكل هرمي معكوس بدأ بالجد المالك مبخوت أعيان القرية الذين وصف بعضاً من صفاتهم و طبيعة أعمالهم ووظائفهم التي يشغلونها في القرية إلى الوالد والعمة لنعرف أن الراوي هو الحفيد ناصر.

 

3-الزمن:
 

ذكر بسام الزمن في أربعة مواضع في الرواية هي:
ص14: تم ذلك بعد خمس عشرة سنة على موت جدي.
ص16: حقوق الموتى المنتهكة في العهد الجمهوري(وهذه كانت أكثر إشارة واضحة لزمن حدوث الرواية)
وكذلك جملتان دلتا على مرور الزمن هما:
- عامين على موت الفقيه وظهور جثته المتحللة.
- مرور ثلاثة شهور على إنشاء القرية الجديدة مع الأمين الجديد قبول.
 وخط سير الزمن كان مستقيماً في السيرة منذ كتابتها من الماضي إلى الحاضر مسترسلاً مع الأحداث.

 

4- المكان:
 

  لقد أعطى الروائي المكان حقه في الوصف وبيان الجو المحيط بالشخصيات وبيئتها, وأكثر مكان احتل دور البطولة كان المقبرة التي كانت كل الأحداث تدور حول وضعها ووضع ساكنيها وثورتهم للمطالبة بحقوقهم.
وإليكم بعض الأمثلة على وصف المكان الذي تتواجد فيه الشخصية في ص28: 
في الخارج توقف كلب عن النباح, وتلاشت أصوات الطيور والحشرات, وفي الوقت ذاته اختفى ضوء القمر خلف الغيوم وخيم السكون والظلام وهذا جعل الليل كئيباً مهيباً.
في ص7 يصف المجلس الذي يجتمع فيه جده مع أعيان القرية:
وسط المجلس موقد طيني وقهوة بن داخل ٌُلة فخار تغلي بهدوء على الجمر.

- لقد وظف الكاتب اأمثال الشعبية في موضعين لدعم أحداث الرواية:
في ص72 يقول:
( إذا قلت رجالك صاهرت) وهذا المثل جاء داعماً لوصف أمين القرية الذي يزوج بناته حسب أرائه الخاصة وما يرى فيه مصلحتهن وينال بعدها الكثير من الهدايا و المال مع كل زيارة لبيت من بيوت أزواج بناته.
في ص112 يقول:
(المُكسَّر غلب ألف مدّار) في وصفه لعجز قبول عن ردع هجوم الفقيه على القرية الجديدة.

- كما ركز الكاتب على الكثير من العادات و التقاليد المتوارثة ومنها عادة احترام الكبير وإن أخطأ في قراراته, كما حدث مع والد منصور وعمته, ورضوخهما لقرار الجد مبخوت بذبح البقرة, وكذلك احترام منصور لقرار عمته بعزله من منصبه ككاتب لها,عندما نصحها بتغيير أسلوبها وتلبية مطالب الموتى كاملة , وألا تكون أنانية في قراراتها التي باتت تتخذها بما يوافق مصالحها الشخصية.

 

- ولم يغفل الكاتب عن ذَكر عادت لا زالت منتشرة في الكثير من القرى وهي جزء من الموروث الشعبي لنا مثل عادة زيارات أضرحة الأولياء, وإطلاق المباخر لهم, والمُسفل الذي يذهب في رحلة إلى عالم الأموات ليعرف مطالب الموتى من أهل القرية.
 
- هناك نقطة  أهملها الكاتب في الرواية, وهي موضوع الكوابيس التي كانت تقض مضاجع أهل القرية قبل رحيلهم عن القرية القديمة وبناء قرية الهجرة, هنا انشغل الكاتب بذكر تفاصيل إنشاء القرية, وبناء البيوت وسُبل توفير الناس لمتطلبات الحياة, ونسي أن  يذكر لنا كيف صار ليلهم؟ هل ذهبت الكوابيس, أم أنها أصبحت متقطعة؟

 

- وفي ص110 يقول أنه استعمل أشعة الليزر للفحص والأصح أشعة إكس.

في هذه الرواية يوصل بسام عدة رسائل عبر أحداثها وهي:
 

1- إمكانية تولي المرأة للسلطة وتمثل هذا في العمة قبول التي أصبحت أمين القرية مما يعيد لنا تأريخ الملكة بلقيس الذهبي.

 

2- السلطة والجاه تُعمي صاحبها في أغلب الأحيان و تغيره وهذا ما جرى لقبول بعد توليها لمنصبها رغم أنها كانت قبل هذا المنصب حريصة جداً على أهالي القرية ومصالحهم, كذلك منصور "وصي المقبرة" الذي اقتصر اهتمامه على تنظيف المقبرة وإرجاع أي عظام خرجت من أماكنها وإعادة دفنها, منصور البسيط أغتر بنفسه وتَرَفع عن الناس, حتى أن تأنيب ضميره قُتل كما قتل الفقيه في إحدى الليالي خطئاً, وأصبح منصور فظاً غليظاً فانفض الناس من حوله إلا المتملقون, وهذا ما يجري في كل زمان ومكان دون استثناء.. لعلها رسالة لكل صاحب سلطة بأن لا ينزع جلده القديم, ويرتدي جلداً جديداً يناسب المنصب  ولا يناسب أخلاقه و مبادئه التي حرص قبل توليه السلطة على إظهارها للناس, كما أن النهاية التي وضعها لمنصور باعترافه بخطئه ودخوله السجن لينال عقابه, رسالة بأن هناك دائماً باب للغفران لكن التوبة والاعتراف شرط أساسي.

 

3- يوصل بسام رسالته بأن الدعاء و قراءة القرآن وحدهما والجلوس مكتوفي الأيدي وانتظار حدوث معجزة ما لحل مشاكلنا هو مبدأ خاطئ, ودعاء أهل القرية وإطلاق المباخر, وزيارة أضرحة الأولياء لم يجد نفعاً في حل مشكلتهم  مع الكوابيس , والتي لم تُحل أيضاً بهروبهم من القرية وإنشاء قرية جديدة بل أضافت لها مشكلة الهجوم المتكرر من الأمين القديم.
 

 دون القيام بحلول جذرية للمشكلة استمرت معاناتهم , حتى تم تنفيذ مطالب الموتى كاملة عندها حصل الموتى و الأحياء على السكينة.

إنها رواية ثورة يقوم بها الموتى وهم أبطالها الحقيقيون, فهل يرانا بسام موتى قاموا بثورة ضد أحياء ينعمون بحياتهم متناسين حقوقنا!؟ ووصية الواقف لموتى الرواية يقابلها وصية الله  التي نشرها أنبيائه منذ بداية الخليقة في العدل, والسلام, والمحبة بين الناس..
لعل مقابرنا  الموحشة الكئيبة هي انعكاس لحياتنا كما قالت إحدى شخصيات الرواية, على عكس المقابر في الدول الأجنبية التي تبدو نظيفة تزينها الورود.

 

هي دعوة لجعل حياتنا أجمل و البدء من جديد على أسس جديدة بعيدة عن قيود وهمية تمثلت في الرواية ببناء قرية وبدء حياة فوق مقبرة وكأنهم يمسكون بالخيط الممتد من الموت ليواصلوا الموت من جديد ولكن بشكل آخر..
لنبدأ حياة خالية من الأوهام ونصنع بناءً قوياً لوطن نليق به.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً