الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
"المحرقة" "أضمومة قصصية كتبت بحمم الواقع وشرارات الألم" - حسنة أولهاشمي
الساعة 13:52 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


"المحرقة" مجموعة قصصية نحتت حروفها القاصة انتصار السري بحمم الواقع وشرارات الألم، حين نسترسل في قراءة الأضمومة يرافقنا ظل كتابة تصر على اختراق وريد الهم الجمعي/الجماعي،للوقوف أمام بؤر التوترالمعشش في نخاع المجتمعات، وبالتالي تعرية جسدها المعطوب الآيل للتلف والتلاشي..يقتنص هذا المنجزالإبداعي معاناة جمة، تتخبط في وحلها الذات والواقع والقيم، مرارة الإنسان ومصير شعوب فقدت بوصلة الأمان والتوازن، شعوب ترى الحلم يتهاوى بين فكي
نار الواقع وصعوبة الاختيار..خلقت القاصة في عملها نسيجا 
حيك بخيوط تتلاقى وتتباعد لتتوحد في تخصيب جوهرأسئلة العمق الإنساني،حيث تلوح النصوص لفتق حجب الخلل الحاصل في الفكر والروح،هنا وجب التركيز على البعد النفسي السكولوجي الذي يوضح و يقيس درجات الاهتزاز 

 

التي تكتنف بنية الشخصية، في علاقتها بالحدث/ الزمان/المكان/ثم الأفضية..مواضيع النصوص اقتفت أثرخيبات متكررة يعج بها هيكل المجتمع العربي، حيث المرأة تسلخ من قيمتها السامية وتهان لتصبح تافهة ويختزل 
دورها في إشباع رغبات دستها العقليات الهشة المريضة فقط في وعاء الطبخ والجنس..ثيمة الجسد شكلت في نصوص "المحرقة" مرآة ضمور الرؤية الموضوعية لذى "العربي" الذي يستسيغ تسليع المرأة /الأنثى وتشييئها، فكر أبيسي يقتل روحانية الجسد ويذبح سمو معناه، القاصة تعمدت التركيز على عنصر الجسد لتتبيث رمزية حضوره ،لتفعيل تنافر ذهني يخلط بين مصطلح "جسد" ومصطلح" بدن"،فيتيه نبض المصطلح الذي ترغب القاصة في إيصال مغزاه المرتجى،
مجتمع يُبضع الجسد هو حتما سيكون بارعا في إضرام نار الجهل والفقر القيمي،هي صيحة على البياض،بل صرخة ذات مبدعة تتوق لعدم تضييق المفاهيم الأساسية في الهوية الإنسانية يقول السارد" ..أخذ المتر،تقدمت نحوه،بدأ يأخذ مقاسها،عيناه تلتهم جسدها المدور في عباءتها الملتصقة بذلك الجسد،أنوثتها الصارخة أربكته ،جعلته يعيد قياس الصدرأكثر من مرة،خلعت عنها ثوب الحياء قائلة:
- كلا أريدها أضيق...
- كتفه لمس جسدها،عدم اعتراضها أشعل فتيل رغباته،أثارته،عيناه تحاصرانها تحدقان نحوها بلهفة وضمأ" نص عباية ص 39 .

القاصة تأمل لتحرير فعلي في السلوك والأخلاق، تناولت مواضيع حية تؤثث لبناء مجتمعي إن سلم التعامل مع جوهرها فحتما سيسلم هذا المجتمع من عتمات الانحطاط والانهيار المادي والمعنوي،إلى جانب الجسد، المرأة والحرية والحب والحلم ،ركزت المبدعة أيضا على ثيمة الوطن ،وهي ثيمة أو عنصر عام وكلي، هو "أب" تتفرع منه وعنه باقي المواضيع المغروسة في لب الحكاية، هو شجرة الحكي المنتقاة في منجز انتصار القصصي، فروعها سلالة مشتهاة ترجو الكاتبة عدم انقراضها كما ترجو سلامة معناها العميق ،فالمرأة وطن والحرية ماء الوطن والحلم هواء الوطن والحب السامي عطر الوطن الخالد..
 

تناولت القاصة وضع المجتمعات العربية وما تعرفه من توتر سياسي في هذه الفترة، حيث الوجع بلغ النخاع،والتمزق النفسي وصل مداه،فأصبحت الذات تتوق أكثر من أي وقت مضى للهدوء الداخلي والسكون والسلام
النفسي، يقول السارد" ..فإذا بحمامة ناصعة البياض تقف على حافة النافذة ،تخاطبني،تطلب مني فتح النافذة. تعجبت لإصرارها المتواصل بطرق النافذة،أثار فضولي، نهضت وفتحتها،تبسمت لي قائلة:
- مابالك خائفة لا تخافي فقد أتيت لاصطحابك معي...
- بتوجس وشك أجبتها:
- معك..إلى أين؟ ومن أنت ؟
- أنا أمان..أُدعى أمان وأحلق بأمان..هيا اصعدي " من قصة قذيفة ص 45 .

 

في تتبعنا لسفر انتصار الحكائي نلامس رغبتها في ضمان جمالية قصصية تعتمد على بناء سليم يقتات بشراهة من صنعة القص القصير جدا، حيث التلغيز والترميز يشقان ثوب المحكي،كما نلمس اهتمام القاصة بقفلات ذكية وصادمة في أغلب النصوص،واعتمدت المبدعة لغة بسيطة لكنها تكتنز دلالات ومعاني تؤرق وتشد المتلق التواق للبعيد والعميق..عناوين النصوص جاءت متناغمة مع جوهر القصة إلا في قصة " مفاجأة"
لمست بعض الفتور بين النص والعنوان، ف"مفاجأة" ربما تعمدت انتصار عدم تغييره ب "صدمة". 
المجموعة القصصية "المحرقة" للقاصة اليمنية انتصار السري هي فسحة في حدائق الألم والأمل،رحيل في أفق

 

عوالم الذات العربية المرتبكة الوجلة،هي تقاسيم حلم تائه، حلم يصر على البقاء،حلم يرفض الحياة الميتة ويقبل الموت الحي..انتصار السري تكتب لتنتصر للألم
المخصب لحيوات جديدة تتنفس حبا وكرامة وعزة..
الكتابة عند السري هي وطن لا يقبل الأسلاك والقيود،
والقصة عند السري هي مسافات لا تنتهي من الاكتشاف والسؤال والشغب النادر..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً