الجمعة 29 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
العميل - مسعد السالمي
الساعة 17:11 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

يتحدث بترحاب وبساطة كبيرتين والابتسامة تكسو قلبه قبل عينيه وهو يمارس عمله بكل إتقان وحرص على كل من يحالفه الحظ بالقدوم اليه، له زبائن من نوع خاص دكاترة وساسة وإعلاميين وغيرهم يحفظهم عن ظهر قلب كتلك الفواكه والخضار التي يهتم بنظافتهن وسلامتهن وأناقتهن كأي أم عند تجهيز فتاتها في ليلة مغادرتها بيتها إلى عالم الزوجية، يتحدث بطلاقة وسلاسة وبساطة تعبر عن محدودية ثقافته، وحدسه التحليلي من ما يتلقفه أثناء الحديث مع زبائنه الذين يرتادون اليه كل حسب ميوله واهتمامه السياسي، ومن بعض زبائنه وجيرانه الشغوفين بالسياسة ومتابعة أحداث البلد عن قرب من خلال الصحافة والقنوات الإخبارية او منهم المنخرطين بالعمل السياسي فعلا في منطقته، لم يكن متابعا او مشاهدا للقنوات الكاذبة حسب قوله، ولا حتى يعرف القراءة، يقطن في تلك الأماكن المجاورة والقريبة جداً من المدينة، بحيث انخرط في عمله هذا بيع الفواكه والخضروات منذ الصغر وعاش وترعرع عليه، متنقلا من شارع الى زقاق حسب تقلب أطياف مزاجية مدراء البلدية من عام إلى آخر، له زوجة وأم وسبعة بنين وبنات أكبرهم في سن الخامسة عشر يتلقى تعليمه في قريته التي يزورها في الشهر من يومان إلى خمسة أيام فقط أثناء ما يكون ابن أخيه في جواره لمساعدته، يهرول إليهم حاملا معه كل أنواع الفاكهة وبعض الخضار الآتي يحبهن كحبه لتسعتهم لا فرق بينهم، يخبر زبائنه بكل فوائدهن ومنافعهن دون ملل او كسل، كل يوم بنفس الأسلوب الشيق وان كان الشخص نفسه، لا يلبث قليلا ثم يعود لمناقشة الوضع السياسي للبلد كرجل سياسي يتعارك معهم في كل لحظات البلد الحرجة والمتكاثرة، لا زال على هذه الحالة من بسطته تلك القابعة على قرب من تقاطع الشارع الرئيسي مع مدخل الحارة الذي أصبح هو وبسطته بمثابة ملتقى لكل من كتب له المجيء او الانتظار لأحد ما هناك، يبتسم للجميع ويعاملهم بصفة لم يتسنى ان رايتها في حياتي، قلب ابيض وحرص مفرط في العطاء والسخاء والجود كتلك الفاكهة التي جمل الله بها مائدته على العالمين، دوما يتحدثون عن لذة بضاعته وطيبة قلبه وحرصه بانتقائه الأمين، أشياء لعلها تتلاشى من أمام الجميع في بلدي لسبب ما لست ادري! في اي منعطف ما تمر به البلد تجده وعلى وجهه الأسى والحسرة على ما وصلت إليه الأوضاع التي تأخذ من عينيه وشفتيه الابتسامة التي دوما تغمر الجميع بالغد الأفضل والأمان والحيوية والثقة والعمل الجاد من اجل وطن يسوده الحب والوئام، يتحدث عن فرق الموت وجماعة النهب والدمار وشلل المصالح الذاتية وما تصنعه بهذا البلد ومكتسباته المتواضعة وجميع فرقأ "السوء" ينعتهم بهذا اللفظ بقناعة، الذين يتقاسمون جسد هذا البلد وعن وضع البلد الذي ما ان تتلاشى جماعة الا وتبرز أخرى للنيل ما تبقى منه، في ألأوانه الأخيرة لم يكن ذلك الحاج احمد الذي اعتاد عليه الجميع، جروح وأوجاع الوطن ترتسم بوضوح على وجهه وعيناه، وحديثه يقل وجعا على وطن يبيعونه ويدمرونه ويقتلوه ويدفنوه باسم الوطنية، بضع أشهر لغيابي عن حديثه الشيق وابتسامته الطاهرة التي لا تنسى وفاكهته التي لا طعم لها بغيابه ووطن لا ضمائر تعلو عليه في مرتبة شموخه ووطنيته وان كذب الجميع بذلك، جئت باحثا عنه، لم أجد شيء من تلك البسطة الربانية التي أحببتها فيه وعشقت يمنيتي لأصالة ما يحمله الإنسان اليمني البسيط من قيم وتعامل، حبه الذي لا يقاس لوطنه، أثناء بحثي عنه قال لي احدهم لقد قتل، صحت به وقلت له بأي سبب قتل؟ والحسرة والخسران تشلان قدراتي.. اغتيل بتهمة العمالة والخيانة وبعملتهم الحقيرة هذه لم يقتلوا إنسان يا أخي يقتلون الوطن في قلوبنا واغتالوا وطن.. علامة الحيرة والتبلد والحزن تطغوا على كل مكونات جسدي. ليس هو الشخص الذي كما في الأفلام التي تظهر بعض أصحاب بسطات الخضار كرجالات امن وفرد من أفراد العالم السفلي الذي يعملون بالسرية التامة من اجل بلد، وان كان كذلك من استلم اجر مغادرته؟ ولم يكن له تعاملات مشبوهة مع احد.. ولم يكن مؤهل لكل ما يجعلنا نصدق بواقعة مغادرته لهذا العالم الجبان، تباً لمن يقتل الوطن بتهمة الخيانة والعمالة، وتباً لوطن يقتل أبنائه الشرفاء ويعطي الحياة لمن يبيعه باسمه.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص