الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
علاقة النبي بالشعر - أحمد المعرسي
الساعة 20:44 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

(لأن يملئ أحدكم بطنه قيحا خيرا له من أن يملأها شعرا) حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, لا أعرف صحته ,غير أن الشعر عندي كأسٌ مقدسة, وحين أضع هذا الحديث في ميزان العقل يخيل لي أني أرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لحسان بن ثابت: (اهجهم وروح القدس معك) , ويخيل لي أيضا أنني أشاهد النبي صلوات الله عليه وعلى آله وهو يزوج حسان بن ثابت أخت أم المؤمنين مارية القبطية, وكأنما أراد أن يقول لنا  مجازا حسان والشعراء منا آل البيت .
أسئلة تدور في مقام التصديق ببراق الشك ,تطارد عقلي وبطني الممتلئة بالشعر ,غير أني وأنا في هذ المقام أتمثل قول ابن الفارض:

 

شربنا على ذكر الحبيب مدامةً
        سكرنا بها من قبل أن تخلق الكرمُ
فهل كان النبي صلى الله عليه وعلى آله يكره الشعر؟ لا أعتقد ذلك فقد خلع بردته على كعب بن زهير حين أنشده:

 

بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
        متيم إثرها لم يفد مكبولُ

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
        إلا أغن غضيض الطرف مكحول

هيفاء مقبلة ً عجزاء مدبرة ً
        لا يشتكى قصرٌ منها ولا طول

تجلوا عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت
        كأنها منهلٌ بالراح معلولُ

 

فكيف لكعب بن زهير أن يقول غزل جريئا كهذا في حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, لو لم يكن النبي يحب الشعر ؟ ولك أن تتخيل معطيات اللحظة التي قيل فيها هذا الغزل ,فقد قيل في وقت أباح فيه النبي صلوات الله عليه وعلى آله دم كعب وحين جاءه طالبا العفو جاءه متغزلا بمحبوبته ذات الأرداف الآسرة والعيون الكحيلة وغير ذلك من الأوصاف ,وبعد ذلك جنح للاعتذار والمدح , فمنحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بردته , وعاش معه القصيدة حرفاً حرفا ومعنىً معنى ولو لم يكن ذلك لما طلب منه أن يعدل عن قوله :
 

إن النبي لسيف يستضاء به 
        مهندٌ من سيوف الهند مسلولُ

ويستبدلها بقوله:
إن النبي لسيف يستضاء به 
        مهندٌ من سيوف الله مسلولُ

 

إن تنزيه الله للنبي صلوات الله عليه وعلى آله عن كتابة الشعر في قوله ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له) فيه تعظيم للشعر والشعراء فلكي لا يختلط على الناس الشعر الذي هو قرآن البشر بالقرآن الكريم الذي هو كلام الله الخالق العظيم, لما فيهما من قواسم مشتركة تتمثل في الإدهاش  والقدرة على التأثير ,فقد  حجب الشعر عن نبيه .
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تأثرا بالشعر , قال ابن إسحاق: لما نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصفراء أمر علياً أن يضرب عنق النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف صبرا بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام, فقالت أخته قيلة بنت الحارث ترثيه:

 

يا راكباً إن الأثيل مطيةٌ
        من صبح خامسة وأنت موفقُ

أبلغ بها ميتاً بأن محبة
        ما أن تزال بها النجائب تخفقُ

مني عليك وعبرة مسفوحة
        جاءت بواكفها وأخرى تخنقُ

هل يسمعن النضر إن ناديته
        أم كيف يسمع ميت لا ينطق

أمحمدٌ ما ضر صنو كريمةٍ
        في قولها والفحل فحلٌ معرق

ما كان ضرك لو مننت وربما 
        منّ الفتى وهو المغيظ المخنق

والنضر أقرب من أسرت قرابة ً
        وأحقهم إن كان عتقا يعتق

ضلت سيوف بني أبيه تنوشه
        لله أرحام هناك تمزق

صبرا يقاد إلى المنية متعباً 
        رسف المقيد, وهو عان موثق

 

قال ابن هشام : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو بلغني هذا قبل قتله ما قتلته.
إن الرسالات السماوية لا تختلف مع  أبسط مواطن الجمال الإنساني, فكيف له أن تختلف مع الشعر وهو غرة بهاء الكون , ولو كان غير ذلك لما كان  النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله في بعض الأحايين يسجع ببعض الجمل التي لا يجيدها سوى الشعراء:

 

أنا النبي لا كذبْ 
        أنا ابن عبد المطلبْ

 

فهل أباحت له الضرورات المحظورات حين كانت السيوف يوم حنين تعزف أغان الموت والحياة معا؟ فأراد أن يشعل أرواح أصحابه بالغة التي تتناسب مع ضرورة الموقف.
لقد خلع صلوات الله عليه بردته لقصيدة ’ وعفا عمن شتم عرضه الشريف بقصيدة, واطلق صراح أسرى  قبيلة بكاملها حين أنشده أبو جرول الجشمي ثلاث أبيات:

 

أمنن علينا رسول الله في حرمٍ
        فإنك المرء نرجوه وننتظرُ

أمنن على نسوة قد كنت ترضعها
        يا أرجح الناس حلماً حين يختبر

إنا لنشكر للنعمى إذا كفرت
        وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

 

فهل يعقل أن يساوي النبي صلوات الله عليه بين الشعر و القيح ؟ وهل هذه المفردة من قاموس لغة من قال الله عنه ( وإنك لعلى خلق عظيم)؟
باعتقادي أن الشعر والفقه خصمان نزغت بينهما الأنا , وضرب الله بينهما برزخا إلى يوم القيامة , وأن ثمة أشياء  في تراثنا الإسلامي يجب أن يعاد النظر فيها , وثمة أحكام جاهزة عن الشعر يجب أن تحاكم بميزان العقل المعلق بسدرة منتهى فقه الواقع.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً