الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة في المجموعة القصصية "شوارب "
باكورة أعمال جليلة الأضرعي
الساعة 14:58 (بشير المصقري )

 

تمر القراءة في الفترة من الزمن بواقع عصيب إذ بدت هذه الأداة الناقلة للمعرفة والتثقيف في وضعية ذات مدعى للانصراف عنها . . فعلى الرغم من قلة القراء حتى ممن ينتمون للوسط الثقافي والأدبي يميلون لقراءة الموجز والمختصر ويفضلون المختزل في الشعر والنثر والسرد وبأي شكل من أشكال الكتابة وأجناسها الأمر الذي جعل الكاتب يتحول إلى تلبية رغبة القارئ ولكي يظل الأخير من متابعيه فالقارئ لم يعد لديه صبر على القراءة باستثناء الروايات طبعاً .. 

ماعدا ذلك فقد تهافت الكتاب على تقديم الفكرة بأقل القليل من المفردات والعبارات خاصة مع انطلاق النص التفاعلي أو الرقمي على شبكات الانترنت ومواقعها الإلكترونية وفي فن القصة كجنس سردي حكائي ظهرت موجة الأقاصيص ( القصص القصيرة جداً ) فمعظم الإصدارت القصصية غدت مطعمة بهذا النوع من الأقاصيص في اليمن وخارج اليمن ولأن القصة نوع حكائي بوحي من انواع السرد فاستماعها من القاص وكتاب السرد أجدى من قراءتها في أحايين كثيرة وعلى هذا النحو استلطف المتلقون والجمهور القصص القصيرة جداً في حالة القراءة والاستماع وربما بشغف يفوق الاستماع لسرد القصص ذات الأكثر من صفحة وعلى هذا الاساس انبرت مهام شاقة أمام القصصة لحشد طاقات وقدرات وأفكار تشد القارئ للقصص الأطول وحشو الترغيب المتوج ياساليب مختلفة وخلاقة ومبهرة تجرجر القارئ إلى إفراد الإصغاء واقناع المتلقي أن القص فن مازال يكتنف عوامل استقطاب ومؤثرات تحضر وتهيئ بل وترغمه على الاستماع ببنى فنية وحبكات مدهشة تعيد الصبر إلى نفوس المستمعين ومن هذه النماذج التي تنتصر لهذا المنحى السردي الغير جانح للإختزال وغير المحمل بالتكثيف الذي يقتصر على الحدث والفكرة والمخاتلة والإدهاش والمفارقات وصدم القارئ بدون اعتبارات للشخوص والزمن والميل للإطالة مايبدو معه احتمالات صعبه ومضنية أمام القاص ويمكن استثناء تجارب ذات مراس وملكات تكسب المعركة ومن هذه التجارب مجموعة شوارب للقاصة جليلة الأضرعي والصادرة حديثاً عن مطابع اليمن الحديثة والتي استطاعت من خلالها قلب الموازين وإعادة الأعتبار للقصص ذات الصفحة والصفحتبن والثلاث بإبعاد تكتنز الإثارة وتستدرج القارئ والمستمع إلى عالمها وفضائها السردي وتشده بطريقة مبهرة خاصة مع تقمصها لانفعالات شخوص قصتها لكن ذلك قد يؤثر على قراءة القصة بعد سماع من القاصة بتلك الهالة وهنا الفرق وعموما استطيع القول أن رهان القاصة نجح إلى مدى بعيد في ترسيخ نسب عالية من القبول لدى القارئ والملفت قدرتها ايضا على تجنب التقريرية والحشو ومن متطلبات ذلك التركيز والحرص الكبير على انتقاء الفكرة أولا والتعاطي معها بلغة تتطلب أن تكون مفتوجة السياق ولا تذهب بعيدأ عن المتناول اليومي والمعاش إضافة إلى جلب بُنى فنية لا تتصالح مع السائد والمكرور وفي شوارب حضرت هذه الثيمات وبعناية فائقة تكشف التفرد الأسلوبي الذي يدور في فلك إبداعي أخاذ يحاول وينجح في التجريب لانتشال القارئ من فينات الملل وهذا محسوب للقاصة التي نجحت مرة ثانية في التدليل على أنها قريبة إلى حدٍ ما لإنتاج رواية في المستقبل فقد حضرت مؤشرات تغلبها على تجاوز خطوط وقفت حائلاً أمام قاصات وكتاب قصة من جيلها في ذمار ومحافظات أخرى ونجحت في فرض رؤيتها التي تنم عن سرد ينتهي بنواتج خارج المألوف وخاصةً فيما يخص قضايا المرأة ومشاعرها المعبرة عن نفسيتها ورغباتها وسبل مقاومتها لواقعها الغير سعيد سواءً كانت أم أو طفلة أو مراهقة أو زاهدة وربة بيت وعاملة وزوجة ومهجورة وتطرقت هذه التموضعات بإيحائية تدل على أن القاصة ليست ملزمة يقول كل ماتحتمله وتتحمله التفاصيل وذاك هذا هو العنصر الذي تقاسمته أغلب القصص تقريباً كعامل نجاح شذذب مقاصد القاصة ولو أنها لم تفتح نوافذ التأويل في معظم القصص ..

لقد تقاطع الديني بالسياسي بالإجتماعي والجنسي بالمعتقداتي والمسكوت عنه بالمباح والخيالي المرير بالوقائعي والسائد الفكري بالمنحرف المكتسب والحرياتي بالقمعي .. أنه عالم جليله الأضرعي بكل مكتنفاته الأمر الذي يبدي عقبه امساك رؤى ناقدة أو تتبع خيط يشد انطباع جامع لواحدية تُمكن من تشكيل ثيمة تُشّرح وتحلل وتفرز وتحدد وتبعث مؤشراً يؤطر القصص ويحزمها لمرد نقدي موازي لا يبتعد عن الاشتغال الفني كالحبكة والتكنيك والإستغراقات البنائية للقصة 

في نص براءة الشيطان تداخل الجنسي بالمعتقداتي فبدت بطلة القصة مستبلة القرار لتأخذ وضعية الضحية مرتين الأولى بمصادرة عواطفها عن طريق إرغامها على البقاء في حياض الرجل والثاني بإخضاعها لوجعين احدهما معنوي والآخر جسدي فالمعنوي عدم رغبتها للعيش مع من لا تحب والجسدي بما تعرضت له من ضربات من قبل شيخ يعالج المس بدون وجود مس شيطاني واعتقد ان للمس هنا مقصد جنسي وهو رفضها لأن يمسها من زوجوها إليه , وفي مول آخر تداخل الاجتماعي بالسياسي في قصة سيدي حسن بالتحديد وتناولت القصة قضية الجاسوسية والمؤدى الأستخباراتي حينما صدّرت القاصة إشارة مفادها الدأب على اختراق المجتمع ومؤسساته وافراده من قبل المجندين لصالح نظام أو فئة أو شبكة فالمخبر ملزم برفع تقارير يومية تختار ضحية غير مؤكد تورطها بعمل يستهدف النظام أو الشبكة أو التيار والمهم إسقاط الواجب برفع تقارير فحواها ملتقطة عن طريق شخصية تكون غطاء للمهمة سواءً بتقمص هيئة عامل نظافة أو مجنون أو أي صفة انتحالية أخرى المهم أن يفتتح صباحه بملاحقه ومراقبة وتعقب بائع جرائد أو شاب مرتبك أو أنثى تتلفت أو طفل يعبث بكراساته الدراسية بينما يترك شخصيات ذات تكهن يوحي باحتمالات القيام باعمال من شأنها معاداة حزب واسقاط نظام واحداث انقلاب سياسي وليلقي هذا الجاسوس حتفه على يد من يأمرونه بتعقب المواطنين من خصومهم وكذلك تومئ قصة التنور التي أرادتها الذات الساردة أن تبعث من خلالها رسائل الخبز اثناء النضج داخل التنور لإيراد التشابه بين وجه الرغيف في مراحل نضجه ووجوه الساسة عبر الإنتفاخ والإحمرار وتوسع الأدواج والتلويح بأن هؤلاء السبب المباشر لبلاء العباد والبلاد 

وفي قصة لسعة ورقة تتشابك حبائل الخيالي بالوقائعي المضني وتُتخذ احلام اليقظة موئلاً لمقاومة كدر العيش ومكافحة العراء المترصد بالأسرة والمحاصر لمعظم الأسر اليمنية التي تعاني الفقر فيتم بناء منزل صغير في الخيال المحض على اعتاب وأتعاب ورقة القات في ضفة واقع مهزوز وحال مأزوم مادياً فيستمر خطر العراء داهماً في مهجتي الزوجين المترنحين في حقيقة موجعة وبائسة وكذلك حضر الخيال مرة أخرى في قصة " كي تكتمل " وبمحمول فني يحكي تفاصيل معرض تشكيلي ورسوم لا تتعاطى مع وقائع فكرية تندلق عن احداث سياسية مؤلمة تعترض آمال الشعوب وتكرس مآسيها وبريشة فنان بهندام لا بطابق نوع القضايا التي تتوسمها رسومه وبأفكار لونية موسومة باستسلام وهزائم نفسية مما حمل بطلة القصة وبسخرية كبيرة على إهداء برقع للفنان داخل قاعة عرض اللوحات 

وتتوالى وشائج التداخل في قصة فحولة .. هذه المرة بين المسكوت عنه والمتاح وبين جلد الذكورة لجسدها وجسد الذات فيتمدد الشبق ليرتق ضفتي المسكوت عنه والمتاح حين يهدد الرجل المرأة بالأخريات ومضاجعتهن والعكس لا يصح ولا يجوز أن يخترق التابوه فالمرأة بحسب الأعراف والتقاليد والعادات يتوجب عليها العيش رهناً لأوداج نار الغريزة والتوقان للجنس فيما الرجل بمنطق ذكورته الفجة له أن يفصح ويمارس محرمات ورذائل ولو من قبيل القول وله الحق في نشد هياجها متى شاء وتركها كالقطة الذبيحة وله أن يستكمل نشواته كيفما شاء وليس لها حق المتاح داخل وبين جدران الزوجية وله اتهامها بالبرود والجمود طبقاً للعوائد وتشريعاتها الباطلة التي يتناقلها الأصدقاء وقبل الدخول على العروسة والإعتقادات الباطلة بضرورة الإجهاز على بكارتها وتقطيع أنوثتها إرب ف الليلة الاولى من الزواج وتختتم القصة بفضح ذلك النهم الذي يصلب العلاقة بين الزوجين على خشب الاعراف والرغبات الذكورية الهوجاء وبعبارة مقتطفة من أغنية ذائعة الصيت للفنان اليمني أبو بكر سالم " سر حبي فيك غامض " بتبرير تافه من قبل الزوج الذي لا يدرك سمو العلاقة الزوجية على الفراش ومقتضاها خارج الحيوانية ووفق أحكام الدين المؤصلة للرابط المقدس بينهما ومن المجدي القول أن المتاح للفحولة شرح بازدراء البطولات الزائفة للذكور والعقليات المهترئة لبعضهم التي يصل بها الحد إلى اعتبار المرأة مجرد وعاء لسكب الشهوة فقط .. لقد رفضت القاصة ذلك الظلم وتلك العجرفات والتعسفات التي تقتضي أن يظل ذلك مسكوتاً عنه أو يكون الطلاق جزاءً 

تلك هي شوارب جليلة الاضرعي وتداخلاتها التي تستقطب القارئ على وتر من التشويق ناهيك عن أن سر نجاح المجموعة يكمن بالتضمين الذي غلف طيات القصص بمآسي تقبع خلف الشوارب التي أتت عنواناً أيضاً لمثالب المجتمع الذكوري من خلال إسقاط فعل أو رغبة أو تصرف أو نزق ذكوري كمحور فكرة تقمصت تداخلات النواميس الذكورية في قصص المجموعة .

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً