الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
شوارب حريرية.. وضفائر شوكية - محمد الغربي عمران
الساعة 18:42 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

نجمة الأضرعي.. صادقة فيما تجترحه في كتاباتها .. مختلفة عن غيرها من بنات وأبناء جيلها.. فالبعض يكتب من باب التسلية أو مجاراة وتقليد لمن حولها من كاتبات وكتاب.. لكنها نجمة تشعر القارئ بصدق تلك الأفكار التي تقدمها. وأيضا في اقتحامها لإدارة أنشطة نادي القصة مع زميلاتها وزملاءها وتطوير المشهد القصصي.
 

 

اليوم أكتب عن إضمامتها البكر.. وفي البداية أسجل إعتذاري لها .. فلي مع هذه النصوص حكاية.. فحواها أن الكاتبة استشارتني في طباعتها.. فأشرت بمركز عبادي .. ولأكثر من سنة والعزيزة الأضرعي والعزيز عبادي في خلاف على جوانب فنية هامشية يراها المبدع لفرط حساسيته وحسه الفني أنها مهمة. لأكثر من سنة ونحن نحاول التوفيق بينهما لإخراج تلك النصوص إلى دائرة الضوء .. لتدخل على نفس الخط العزيزة المبدعة أسماء عبد العزيز في محاولة لحل إشكالهما.
 

 

فاجأتني نجمة وهي تهديني نسخة من إصدارها وقد طبع بإخراج أنيق وغلاف غاية في الجمال .. وبعنوان ملفت "شوارب" 18 نصا مائة صفحة.. مع عدة فقرات مختارة لأكثر من كاتب على سبيل البشارة بمولد خرجت تلك النصوص إلى النور في بداية 2014.. صنعاء .. مطابع اليمن الحديث!
حقيقة الأمر أتمنى لهذا الإصدار أن يوزع ليقرأه الجميع.

 

 

في بداية الأمر توصيف يقرب ما يعنيه الإبداع.. وللنقاش أطرح رأيي "أنه العمل الذي يدهش عن مبدع أنتجه بوعي" والإدهاش قد يأتي بالنسبة للقصة . في الفكرة.. أو الصياغة.. أو النهاية المتقنة.. وقد يأتي في الحوار وقد يأتي في الحدث أو رسم الشخصية ..أو في مناحي أخرى من النص. وما بين أيدينا نصوص تستحق الوقوف والتحليل .. ويمكننا أن نوزعها إلى ثلاثة مستويات :
- نصوص فيها أركان القصة التقليدية.
- نصوص تميزت في جوانب .
- نصوص جديدة.

 

 

وسأتناول النصوص التي جاءت بجديد .. وأعني بذلك أن علينا ككتاب ألا ندور في دائرة التقليد من حيث المواضيع المعالجة بكثرة في نصوص غيرنا.. وألا نكررها إلا إذا أتينا بمعالجة جديدة وصياغة أو شكل جديد.. الجانب الثاني .. أن نستخدم أساليب جديدة في تقديم أفكارنا .. متجاوزين الحكي المتبع.
 

 

وبذلك أجزم بأن الخمسة النصوص التالية تمثل تجاوز نجمة رغم بداياتها في بقية النصوص:
- الصندوق الأسود
- التنور
- دعابة
- براءة الشيطان
- لسعة ورقة
وسأحاول إبراز جوانب التجديد في تلك النصوص.. وبلمحات مقتضبة وسريعة.
- التنـور.
لولم تكتب نجمة إلا التنور لكفى.. قدم هذا النص الكاتبة بقدرات سردية عالية.. فالموضوع جديد.. وهذا سر روعته.. ثم أجادت الكاتبة معالجته بشكل بشكل مدهش.. بحيث أشعرت القارئ لحظات قراءة النص بأنه في مشاهد حركية متسارعة .. يذكرنا ذلك بمناظر الريف الماطرة حين تتلاحق تلك البروق من قبة السماء.. هذه هي نجمة تصور لنا المرأة كائن مختلف غير منكسر ..غير تعيس كما ترسمها نصوص كتاب كثر.. هنا المرأة كائن خلاق.. كائن يستمتع بما يقوم به.. كائن يصنع لحظاته لإطعام الآخرين.. وهو تكريس للمرأة الخصب والعطاء الذي قدمته معظم الأديان القديمة. ومنها دياناتنا اليمنية . نرى النار .. تلك العجين .. الأصابع.. تلك الحركات البهلوانية شبه المقدسة.. هي الكائن العظيم تمارس طقوس عطائها.

 

 

إذا الفكرة جديدة.. وكذلك الصياغة رائعة.. إضافة إلى ذلك الحكي المشهدي المتتابع والأكثر دهشة.
- دُعـابة.
نص حزين ومؤثر.. زينب حبيبة علي.. هكذا هي نجمة تختار موضوع كثيرا ما تناولته نصوص من سبقوها.. القتل الخطأ.. سلبيات حمل السلاح.. لكنها تعالجه مازجة الرومانسية بالفجيعة.. وهذا ما يدهش.. علي في موعد مع زينب تحت الشجرة.. علي يود أن يظهر كرجل أمام حبيبته بحمل بندقية أبيه.. علي يشارك زينب كسرة خبز .. وتشاركة بجرعات حليب.. زينب تطلب منه أن يريها بندقيته.. يناولها بعد ممانعة " وقبل أن يلتفت إليها تسللت سبابتها متجهة نحو زناد لم يكذب الخبر" وهكذا "دوى صداها في أرجاء القرية .. غاصت-الرصاصة- جسده الصغير سكنت في أحشائه .. معلنة مولد قتيل جديد"
للحظات هرع سكان القرية تلبية لنداء الرصاصة.. ليسمعوا علي يردد بصوت ماهن " لا دخل لزينب, أنا من...."

 

 

نص يعيد القارئ إلى عمق الروح الإنسانية, وتلك العاطفة الشفافة.. حين يفدي الحبيب حبيبة.. ويضحي دون أن يفش بسره.. ليموت هو وتبقى تداري سر جرم سينعكس على بقية حياتها .. فقد رحل وتركها بين جمر وفاءه.
من يحمل روح من ؟ من لجمال قلب علي .. في زمن يسعى الجميع للإضرار بالجميع عن قصد وتعمد.. شكرا علي .. ويا لعذاب زينب من الفقد الذي صنعته أصابعها في لحظات سهو . نص أبدعته نجمة بصدق فني عالي .. ليعبر عن مضمون مجتمع الريف النقي.. وتلك قصص كثر لا يذكرها أحد ولا تسلط الأقلام مدادها.
- الصندوق الأسود.

 

 

نص يتفرد بلغة مغايرة.. مختلفة عن لغة بقية نصوص الإضمامة.. حشد رهيف من المفردات الشفيفة .. كثيرا ما حاول أكثر من كاتب الإتيان بنصوص تحمل قتل الأب.. كل يأتي الموضوع ليعالجه من زاوية .
الأب المعني هنا ليس الوالد.. وإن كان كثير من الآباء يستحقون معالجة نجمة لذات الموضوع.. هنا المعني الأبوة في الثقافة.. في السياسية.. في الدين.. وحتى في الاجتماع. تلك الأبوة التي تمسخ شخصيات من حولها ولا تعترف إلا بنفسها.. فدونها سلب وقبح وهي الاكتمال. وما أكثرها بداخل كل منا .. هي شخصية أنانية لا ترى في غيرها شيء.. لكنها ترى في نفسها كل شيء.
نجمة لم تأتي لتلك الأبوة بشكل موارب كما فعل غيرها.. بل كانت شخصيتها القصصية واضحة وشجاعة .. وهي تتعامل مع أنانية الأبوة .. شاهرة سيفها لعدة مرات.. مجندلة ذلك الرأس عند قدميها. كل ذلك رمزي هادف.. وهي دعوة لكل إنسان بألا يعيش خانعا.. وألا يتحول إلى أب أناني لا يترك لغيره أن يتنفس.. هي دعوة للتعايش والتسامح .. رفضا للإلغاء . وتلك الاختيارات التي تجيدها نجمة من واقع حياتنا تحسب لها.. والأبوة قضية مثارة في كل مجتمعاتنا الإنسانية.. يناضل الشباب من أجل إزاحتها حتى يتنفسوا.. يناضلون بالتشكيل بالموسيقى.. بالحرف وبكل لغات العالم.. وهناك نضالات بالسلاح كما هي الثورات الإنسانية .
- لسعة ورقة.

 

 

نص من عمق معاناتنا.. فكرة جديدة تذكرني بأدب محفوظ وتسليطه الضوء على الغرز وتأثير الإدمان على حياة الشعب المصري..نحن في اليمن بحاجة إلى الف قلم وقلم لتعرية المظلم والمخزي في جوانب حياتنا.. موضوع التقطته نجمة من واقعنا.. فكثيرا ما نسخر من هلوسات القات.. وتلك المشاريع التي تزهر في عقولنا لحظات تناوله.. حتى إذا ما أنسحب الوقت.. ووصلنا إلى منتهى المقيل خيم الهم والغم وعاد المدمن إلى مدارات الواقع. ليكتشف زيف تفكيره وسخف أوهامه.
نص من واقع يطحن الجميع.. تلك النبتة اللعينة التي استحلت أخلاقنا.. وأموالنا وكل حياتنا.. بل وأرضنا حتى تعاملاتنا تحولت إلى مجرد مبالغات تصل إلى التدليس.. ومع ذلك لم نصحو ونعيش في وضع غير سوي.. نجمة التقطت خيط رفيع تدين به كل مدمن قات.. لتقدمه في وضع مخجل وبائس.. وهو يعيش في وهم مكرر.. وهم طاحن لكرامته وعقله.
هي دعوة صريحة عبر نص فني جميل من كاتبة تدعوا الجميع إلى أن نحترم عقولنا.. وألا تعيش منفصمين الشخصيات.. حين نعلن لعن هذه الممارسات ورفض القات نظريا وبالمقابل نتناوله بشكل يومي.. هي دعوة بأن نحترم أنفسنا بعدم تناوله.. وهي دعوة لأن نحرر أنفسنا من عبودية بغيضة .. أن نتحرر من نبته حولت مجتمعنا إلى مجتمع متهالك كسول عابث وبائس.
- براءة الشيطان.
فكرة أخرى ..أو فالنقل إدانة أخرى في نص يشير إلى موطن آخر من مواطن الخلل.. بل هي محاكمة لثقافتنا .. وتساؤلات: أيعقل أن ينتشر كل هذا الظلال؟ بل أصبحت ظاهرة انتشار تلك اللوحات الإرشادية " التداوي بالقرآن.. المس.. السحر....الخ" لوحات على واجهات بعض المنازل في أحياء المدن.. وجنبا إلى جنب جوار لوحات العيادات الطبية لأطباء يحملون شهادات طبية عليا.. ولا خجل يردع أولئك المشعوثين.. ومن يدعون امتلاكهم قدرات خارقة.. ولا سلطات تتنبه لهذه الظاهرة الخطيرة.. بل والبعض أنشأ إعلانه على مداخل المدن في لوحات عملاقة. والبعض يمارس نشاطه في المساجد أمام الملأ .

 

 

نص نجمة يضعنا أمام مسؤوليات احترام عقولنا وأرواحنا وكياننا.. هي الفجيعة بعينها أن تنتشر مثل تلك الممارسات.. وأن يغض الطرف عنها من قبل الجميع.. وأن نحمل القرآن خداعنا وتدليسنا.. وشعوثتنا.. بل في بيوت الله
الشيطان بعينه من يمارس تلك الأفعال.. يجلد بالعصي ويكوي بالنار أجساد ناحلة .. مدعيا جلده للشيطان الذي يسكن الجسد.. ولا يعلمون أن من يجلد الناس أنما هو الشيطان والجلاد بعينه .. وأن من بين يديه ضحية لجهلنا.. وأننا نشرك بالله معه من خلال لجوءنا إلى تلك الأفعال المنافية للمنطق والعقل.

 

 

هناك نصوص رائعة لا يحتمل الحيز المزيد لتناولها.. وهناك نصوص تستحق الدراسة من الكتاب والنقاد .
وهناك ملمح آخر يمكن أن تحوله الكاتبة إلى بصمة لإبداعها.. المتمثل بقدرتها على السخرية التي برزت في أكثر من نص.. في التنور.. وبراءة الشيطان ولحسة ورقة. ونصوص أخرى. الجدية مطلوبة.. لكن الجميع يجيدون ذلك.. وما ينقصنا هي اللغة التهكمية ..أن نقدم نصوصا ساخرة قوية .. ونجمة تجيد ذلك.. أتوقع أن تتميز بذلك وتضيف إلى رصيدها هذا الأسلوب.
ولا أنسى ذكر الرمزية .. هي قدرة أخرى.. فمن خلال العنوان ..أو أنه أبرز ما جاء في هذا العمل الوليد.. كما هي نبيلة الزبير في زوج حذا لعائشة.. فالأدب والرمزية صنوان .. ونجمة تحسن استخدام الرمز في قصصها.

 

 

ملمح أعجبني أيضا .. ذلك الأسلوب الذي استخدمته نجمة.. حين تبني نصها على الحدث.. لتتصاعد أسلوبيا في تنامي ذلك الحدث إلى عدة أحداث مشوقة حتى نهاية النص.. على عكس كثير ممن كتبوا القصة .. حين يجعلوا من الشخصية محور أساسي على حساب الحدث. والحدث أقوى لبناء النص.. شريطة ألا نغفل تقديم الشخصية.

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً