الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة في رواية "ســـــاق الـــريح"لــ ليلى مهيدره - ثابت المرامي
الساعة 09:53 (الرأي برس - أدب وثقافة)


 بالرجوع إلى شهرزاد التي اشترت حياتها بالحكي و السرد . نما حكي المرأة وبوحها حتي أصبح  نوعاً من الشوق إلى الحياة ومتعتها .وكانسان له ذات وفكر , تطرح التساؤلات فتناقش وتجيب ثم  تكتب , فلماذا تكتب ؟ وكيف ؟
 

هل تكتب شهرزاد حتى تحول شهريار إلى رجل يعاملها كما تود ؟ وبعيداً عن تاريخ القهر أن يعترف بها  كجسد وروح له رغبات ورؤى في الحياة  
-هل هو جموحها في التفوق عليه حتى تهزم المركزية التي يتبناها ,أم ماذا تكتب ؟ وما الموضوعات التي تؤرقها .
والإجابة هي أن المرأة لها دوافعها الهامة والملحة ومنها مقاومة خطاب الرجل السائد ومحاولة الإفلات من الثوابت والمحددات التي تعاني منها , كما أنها تتخذ الكتابة وسيلة لحل تناقضاتها مع الرجل وهي نوع من المقاومة ضد القهر الاجتماعي المتمثل في الأعراف والتقاليد التي تميز بين الذكر والأنثى .  المرأة أصبحت تكتب لرغبتها في أن تكون. أن تستعيد حضورها وإنسانيتها في الحياة . وتذهب بها إلى أقصى حد من معارك كانت محبوسة في الروح , وانفرط عقد كلماتها على الورق , انفرط يدهشنا نحن بتلقي بوحها , ذلك البوح الذي يحمل على ظهره رواية متخفية . ووضع بائس تعيشه المرأة العربية باحثة طول حياتها عن الحياة التي تريدها , حالة صراع مع دواخلها كإنسانه وحالة صراع مع محيطها الذي بتسيده الرجل , هذا الأخر شريك الحياة والروح والمتنفس الوحيد لجعل الحياة جنه أو بؤس دائم , هو ذاته الجلاد والحارس والصانع لقضبان السجن الذي وضعها فيه .
 ولأنها  إنسان و روح , بدأت تتحرر, بالفن الذي يستهدف التعاسة على أمل أن يجد المتعوس تحررا , كبطلة روايتنا (ساق الريح) والتي تنشد العشق خلاصاً من حياتها التي تملأها الوحدة والرتابة وتلفها الأعراف والتقاليد التي تمنع النفس من حوائجها ومتعتها . فكان المتنفس لديها هي تلك الرسايل التي وضعت أمام بابها بالخطأ  فجعلتها تراجع علاقتها بذاتها و تجدّد أسئلتها في الحياة و تغيّر حياتها وتعيش قصة حب وعشق في عالم الخيال والحلم .

ويتصاعد الخط العاطفي عند البطلة من خلال الرسائل التي تصلها بالخطأ لتعيشها في الخيال متغلبة بحلمها على الطابع الاجتماعي في الصراع الدائر بين رغباتها كأنثى وبين كرامتها كإنسانه وذكرياتها المتصادمة مع عالم الذكور ورغباتها لكل ما يمس وجودها المستقل والمحمل بالأثقال التي تجثم عليه . كل ذلك عبر تداعيات وتداخلات مع المونولوج النفسي الذي جعلها تفكر بإنسانيتها ووجودها ..
وتفكير في عالم يظل محكوماً دائما بالعقبات والعقد والضغوط المختلفة والذكريات المرّة فينتهي دائما الى الرفض والتمرد ..

 

النص الذي قدمته ليلى مهيدره في روايتها ساق الريح هو بمثابة الضوء الذي لمع من أخر السرداب ويتعين علينا تعقب السرداب لنعرف المداخل التي تشير إلى الملامح التي تريد الكاتبة أن توصلها في روايتها وهي 
الأول - الماضي المستكن في أعماق البطلة , تعود إليه مستذكرة أو مستحضرة لتكشف به جذور الوعي الحاضر من خلال إنسان فرد أو شريحة .  
الثاني – تكوين رؤيتها تبعاً لمحيطها النفسي , فهي امرأة يسكنها ذلك الهاجس حول الحرية والتي لم تستطع بطلة الرواية ان تعيشه إلا في الحلم والخيال , الخيال الذي يعتبر الحرية البديلة لكل شخص تتنازعة الأهواء والغرائز كطبيعة إنسانيه فتحاول النفس أن تعوض الحرمان والقصور بالأحلام والخيال والتمني .

 

الثالث – البعد الاجتماعي المتسع – واسميه العالم المجاور أو المحيط والذي يحكم قبضته على المرأة بعيدا عن البعد الإنساني غير آبه أنها روح تريد الحياة بكل نبض فيها . 
 الرابع – العامل الإنساني وهو إثبات الوجود كإنسان له احتياجاته و مسائلة نفسه و إعادة النظر في الأسئلة الحقيقية التي تتعلق بكينونة الإنسان: لماذا أعيش و كيف أعيش ؟ هذا السؤال الذي أرهق الفلاسفة و العلماء و شغل والأدباء , تعيد طرحه ليلى مهيدرة من زاويتها فغادرت الصورة النمطية للمرأة  بما هي "ضحية مجتمع "  لتجعل قضية المرأة هي قضية الإنسان وهويته في المطلق .
ونلاحظ ذلك عند بطلة الرواية من خلال رسائل الحب المجهولة تفتح لنفسها أسئلة الذات وتسمح لنفسها بمراجعة ذاتها بالنظر من جديد في حياتها و تنتبه لهذا الروتين القاتل، لهذا اليقين البارد الذي تعيشه ومن ثمّ تطرح أسئلة جديدة عن لماذا وكيف. وتحاول أن تجد أجوبة مختلفة تغيّر حياتها و نمط  تفكيرها .

 

ويتجلى ذلك أيضا عندما   تعمّدت الكاتبة أن تخفي ماضي البطلة فنحن لا نعرف شيئا عن طفولتها وكأن الروائية تهتم بالإنسان في لحظته الحالية فقط وتجرّده عن كل ماضيه كأنها تريد أن تقول أن الإنسان هو ابن اللحظة و لا قيمة لعمقه الاجتماعي أو الثقافي , وهذا بدوره يحيلنا إلى الفلسفة الوجودية أو العبثية  ومؤسسيها سارتر ومن بعده وألبير كامو ..وهذا ما أكدته  ليلى مهيدرة فتطرح مشكلة الهوية ولا تنتهي في روايتها ساق الريح " بإجابة محددة و كأنها تريد أن تنتهي أن السؤال أهمّ من الإجابة أو كأننا لا ننتهي الى إجابة محددة بل إلى أجوبة مختلفة باختلاف زوايا النظر ولذلك وردت الخاتمة غامضة تعج باستفسارات فالبطلة تدخل البحر في لقطة غامضة ومرة أخرى تؤكد الروائية ليلى المهيدرة تواصلها مع الفلسفة الوجودية التي تجعل من الانتحار مفهوم جديد يفتح على المطلق
 

الخامس – وهي الحالة الخاصة عند الكاتبة , وهو الهم الخفي في عالم  المرأة فتوثبت الكاتبة لتلج في عالم التجريب الروائي وتحوله إلى عالم تأثيري أو تعبيري فيه من التأمل ما يجعل القارئ يناقش الموضوع المباشر حول المرأة وعالمها 
 

ليلى مهيدره تقدم لنا من مخزون ثقافي ونفسي , وحياتي , يغتلي بالحرمان والوحدة وشعور التخلي والتسيب الإنساني . ترفده مآس قاتله من العادات والتقاليد والأعراف والتخلف , نصاً يفتح باب التساؤل على مصراعيه  حول مكانة المرأة الناقصة شعوراً وإحساساً وحياة .
 ليلى مهيدره بفنها ارتدت إلى بيئتها في صراع وحشي مستغرس ضد الأخطاء الإنسانية , محاولة إعادة صياغة الحاضر برؤية  جديدة تهذب قيمه وتعدل موازينه . في بناء نزيه وعلاقات حضاريه عصريه وفي طموح جامح للإنهاض والبعث والتنوير ورؤى تقول: أنه لا يمكن لمجتمع أن يتقدم ويشارك في مسيرة الحياة والكون ونصف قوته معطلة أو ناقصة وكيف يتقدم مجتمع نصفه مغيب أو مشلول ؟ وتحكمه في علاقاته الداخلية أوامر القهر والاستبداد الإنساني . 
ساق الريح هي الرواية البكر للأستاذة ليلى مهيدره . كتبتها بلغة شاعرية هادئة تتعمق في النفس البشرية والاجتماعية فتشد القارئ في رحلة تساؤلات حول وجود الإنسان وحياته وما يريد منها وتدعوه للتأمل والتفكير . 

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً