الاربعاء 04 ديسمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024
قميص يعقوب - يحيى الحمادي
الساعة 11:07 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


يَكَادُ يَغلِبُ صَمتِي صَوتَهُ صَخَبا
يَكادُ يَخلَـعُ جِســمِي رَأسَـهُ تَعَبَـا
تَكادُ تُهلِكُ نَفسِي نَفسَها قَلَقًــا
يَكَادُ يَأكُلُ بَعضِي بَعضَهُ سَغَبا
أَكادُ أَشعُـرُ أَنّي بين أَضـرِحَـةٍ
(أَحُثُّ رَاحِلَتَيَّ: الفَقرَ، والأَدَبا)
تَئِـنُّ تَحتَ ضُلُوعِي الأَرضُ هامِدَةً
كما يَئِـنُّ شَهِيـدٌ جُرحُـهُ الْتَهَبا
وتَستَغِيثُ بِمَن لا يُحمَدُونَ يَدِي
وذَنبُهـا ذَنبُ حُـرٍّ، تاجَـرُوا.. فَأَبَى 
وقال لا وبِلادِي؛ لستُ مُتَّجِهًا
إِلى الدَّناءَةِ.. إِنّي عائِلٌ شُهُبا
وإِنَّ كُلَّ سَبِيلٍ لا تُحِيلُ إِلى الـ
ـسَّماءِ، لستُ إليها ماضِيًا حُقُبا
لِيَ البِلادُ، وحَسبِي أَن أَمُوتَ بها
بِغـارَةٍ.. أَو بِـدَينٍ أكـثَرَ الطَّلَبا
فَلَيس كُلُّ مَكَانٍ آمِنٍ وَطَنًا
وليس كُلُّ بَرِيقٍ لَامِعٍ ذَهَبا
ولا أَنا ابنُ بِلادِي إِن عَبَرتُ على
دِمائِها، لِأَنَــالَ العَارَ والرُّتَـبا
تَرَكتُ دون ثَرَاها الأَرضَ باسِطةً
ذِرَاعَها، وتَرَكتُ الجَوَّ مُرتَقِبا
وقلتُ: لا وبِلادِي؛ لستُ مُتَّخِذًا
مع الضَّيَاعِ شَرِيكًا، ضاقَ أَو رَحُبا
وكيف دون بلادِي أَرتَضِي بَدَلًا؟
أَعَـن أَبِيهِ فَقِيرٌ يَستَعِيرُ أَبا؟!
أُحِبُّها.. وأُحِبُّ العَيشَ مُنتَزَعًا
بِقُربِها، وأُحِبُّ المَوتَ مُكتَسَبا 
أُحِبُّها.. وأَصُومُ الدَّهرَ نافِلَةً
لها ولِي، وأُصَلِّي فوقَ ما وَجَبا
أُحبُّها.. وعيُونُ الدَّائِنِينَ على
دَفَاتري، كَذِئابٍ آنَسَت لَهَبا
أُحِبُّها يَمَنِيًّـا..  لا نَصِيبَ له
مِن البِلَادِ، سوى ما قالَ، أَو كَتَبا
وأَستَزِيدُ وَفَاءً كُلَّما جَحَدَت
وكُلَّما خَذَلَتنِي قُلتُ: لا عَتَبا
كَفَى بها، وكَفَى بي، عاشِقًا، وهَوًى
تَشَابَها.. ولِذَاتِ الغُربةِ انتَسَبا
كَتَبتُ آخِرَ بَيتٍ في قَصيدتِها
وما أَزالُ عليها نازِفًا طَرَبا 
وكُنتُ أَوَّلَ باكٍ صانَ دَمعتَهُ
أَمامَها، وعليها قَلبَـهُ سَكَبا
وها أَنا أَتمنّى أَن تَعودَ، ولو
أَكَلتُ بين يَدَيها الرِّيحَ والحَطَبا
ولا أُريدُ لِعُمرِي غَيرَ خاتمةٍ..
فإِنَّ أَثمَنَ ما في العُمرِ: ما ذَهَبا
وإِنَّ أَصدَقَ حُبٍّ: ما تُجَـنُّ بهِ
وإِن سُئِلتَ لِماذا؟! لم تَجِد سَبَبا
*****
لقد تَعِبتُ.. ودَاسَت كُلُّ فاقِرةٍ
على دَمِي، وخَلاصِي بَعدُ ما اقتَرَبا
وقد هَرِمتُ.. فهل لي أَن أُسائِلَكُم
متى تَلُوحُ بلادي أَيُّها الغُرَبَا..؟
متى تَلُوحُ بلادي.. وهي حامِلةٌ
سِوى رُؤُوسِ بَنِيها، البُنَّ والعِنَبا
متى تَعودُ لِأَنسَى، أَو لِأَذكُرَ ما
خَسِرتُ في سَنواتٍ أَثمَرَت كُرَبا
متى تَعودُ بلادي كي يَعودَ إِلى
صِغارِهِ بِعَشاءٍ (حِميَرٌ) و(سَبَا)
يَقولُ كُلُّ غَريبٍ أَستَجِيرُ به: 
أَلَا يُخَفِّفُ جُوعًا عنكَ مَن خَطَبا!  
يَقُولُ لِي عَرَبيٌّ سَيفُهُ بِدَمِي:
لقد غُلِبتَ، ولكن لستُ مَن غَلَبا! 
يَقُولُ لِي يَمَنيٌّ ضاعَ مَوطِنُهُ:
إذا العُرُوبةُ ماتَت.. فاحذَرِ العَرَبا! 
يَئِستُ مِن يَمنِيٍّ لم يَقِف شَرِهًا
لِأَكلِ مَن بِبَقايا خُبزِهِ احتَرَبا
يَئِستُ مِنه إِذا لم يَنفَجِر غَضَبًا
فإنما اليَمنيُّ اليَومَ مَن غَضِبا
فكم رَأى ابنُ حَلالٍ مَوتَهُ شَرَفًا
وكم قَليلُ حَيَاءٍ عاشَ مُغتَصَبا
*****
متى تعود بلادي.. كي أَقولَ لها
لقد تَعِبتُ.. وأَسعَى نَحوَها رَهَبا
كم انكَسَرتُ عليها، وانكَسَرتُ بِها
فما جَعَلتُ لِنَفسِي دونها أَرَبا
ولا وَجَدتُ لِرَأسِي مَضجَعًا.. وأَنا
مَنِ الفُؤادَ -نَفِيسًا- والهَوَى، وَهَبا
لقد حَمَلتُ إِليها الرُّوحَ دامِيَةً
وما حَمَلتُ حَدِيدًا يَرتدِي خَشَبا
أُريدُ أَن أَتَمشَّى دون أَجنِحَةٍ 
تُعِيقُني، وعُيُونٍ تَكشِفُ الحُجُبا
أُرِيدُ أَن أَتَحلَّى بِالغَباءِ بها
لكي أُصَدِّقَ هذا الواقِـعَ الكَذِبا
أُرِيدُ أَن أَتَسَلَّى كالصِّغارِ.. لكي 
تُحِسَّ أَنَّ حياتي لم تَكُن لَعِبا
ولا أُريدُ لِغَيري أَن يُسائِلَني
لِمَ الغِيابُ؟! ولا أَن يُبدِيَ العَجَبا
يَرَونَكَ ابنَ بِلادٍ لا سُرُورَ بها
ويَعجَبُونَ إِذا ما حُزنُكَ اكتَأَبا! 
*****
يكادُ يَثقُبُ قلبي حُزنُ غائِبةٍ
تَرَى ابنَها يَتَلاشَى عِزَّةً وإِبا
يكادُ يُحرَمُ حتى مِن مَجاعَتِهِ
كَرِيمُها، ويُعادَى كُلّما انسَحَبا
يكادُ يَفقِدُ حتى أَرضَ غُربَتِهِ
وضِيقَها، يَمنِيٌّ ضاقَ فاغتَرَبا
أَتَستَقيمُ بِلادٌ لا مُقامَ بها
لِغَيرِ مَن بِهَوَانٍ قَبَّلَ الرُّكَبا! 
أَتَستَقيمُ بلادٌ لا عَشَاءَ بها
لِشاعرٍ لم يُحَوِّل رَأسَهُ ذَنَبا! 
أَتَستَقِيمُ وفيها ساسَةٌ سَقَطٌ
وكُلُّ مَن شاءَ مِنهم حُكمَها انقَلَبا! 
فلا الإِمامُ إِمامٌ بعد عَودَتِه
ولا الرَّئيسُ رَئيسٌ بعدما هَرَبا

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص