السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
خوف - نبيلة الشيخ
الساعة 19:37 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


-كم عمرك؟
-سبع سنوات
تجاهلني وسار بقطعة الطوب تلك الثقيلة، طفل عاري الصدر، بسروال مهترئ، صغير وهزيل بما يكفي، لأن يلهو بألعاب كألعاب أطفالنا، تبعته وقلبي يتأمل عينيه العسليتين الواسعتين، وجمله الأخاذ، دنوت مشفقة وقلت:
-ما اسمك؟
-باسم
قلت لنفسي كم تكذب الأسماء.
نظر إلي نظرة خاطفة واستمر في حمل الطوب، وكأن عينيه تقولان لي:
لا تشفقوا علي، تجاهلوني، بدونكم سأعيش، كانت عيناه الصغيرتان تلمعان بذكاء حزين، دنوت منه وأنا أشعر بالخجل سألته:
-هذا الطوب ثقيل عليك!
حمل قطعة طوب أخرى ورمقني بنظرة لا مبالية وكأنه يقول:
-ليس اقسى منكم، نظرت إلى يديه الصغيرتين الخشنتين تمنيت أن أحتضنه، لكنه كان معفراً بالتراب، لدرجة لم أستطيع أن أفعل ذلك، مددت ببعض النقود إليه، فأسرع بها إلى أمه، هرولت لتشكرني، قلت بعتب:
-كيف تقسين على ابنك هذا الجميل؟ ألم تفكري في إدخاله المدرسة؟
قالت وعيناها تفيضان عتباً:
-توفي أبوه برصاصة حمقاء، وهو على بسطة أحد الشوارع، يبيع بعض الملابس على عربته المتجولة، لم تعرف الرصاصة، أن له ابنا في الثانية، ولا زوجة في الثامنة والعشرين!
زاد تعاطفي معهما:
-أنتِ رائعة، فالعمل بشرف، يرفع الرأس، لكن ما ذنب صغيرك أن يحرم من المدرسة، فيضيع بين الزحام؟
-اتجهت لبيوت الأكابر وجلافتهم، غسلت حماماتهم، ولمعت منازلهم، في أعيادهم الكثيرة، لكني تركتهم، حين حاولوا تدنيسي بريالاتهم.
قالت جملتها الأخيرة وخنقتها عبرة مريرة.
أدركت أنهما ألفا الطوب والبرد والجوع، وصلابة الحجارة ورائحة الأسمنت المحروق، حيث تفرح عزة الكرامة منها.
ودعتهما بكلمات أردتها متماسكة ونابعة من القلب، لكنها كانت ضئيلة وتافهة.
نظرة أخيرة على الطفل المشع براءة وانكساراً، ابتسمت له مودعة، علي أظفر منه بابتسامة، لكنه ودعني بنظرة مرة حزينة بما يكفي، لأتوارى بسرعة من أمامها، واتهجاها تقول لي:
شكراً على كل هذا الغياب.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص