السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
الـكـفـن : الـوطـن - عبدالودود سيف
الساعة 10:01 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


                 من طلقةٍ طاشتْ، فشَّرَدتِ المنامْ 
                 جئنا .
                 تُقاسِمنا الشكوكُ موِدة الشكوى .
                وتسلمنا الظنونُ جنانها العصماءَ.
                كان العمرُ ثالثنا .
                وليس لنا به: إلا مغبةُ ذنبهِ
                   فلنقترفْ أولى خطايانا 
                 ونزعم أنه مِلكٌ لنا
                 أو أننا مِلكٌ لهُ.
                 ونؤجل الأفراحَ .. حتى ينتهوا 
                من فرز حق الناخبين، ويعلنوا 
        من فاز منا بالهزيمة أولا !
           ... 
         جئنا وكانت جيفةُ الدنيا 
         تُباعد خطوَها عنا.
         فنمشي نحو فخ شراكها المنصوبِ 
         في " كفن الجَسدْ " .
           كانت نوافذُ نومنا مفتوحة ً 
           وأسرةُ الأحلام لا بابٌ لها.
           وعلى الحناجر غصةٌ 
           تكفي لآن تُرثى بحسرتها بلدْ.
          وعلى امتداد حِدادنا 
           كانت تُنكسُ صرخة
           ويُصَك حدْ :
           بين المذمة .. والملامْ .
               كان الزبدْ 
               سوراً لصرخة دفننا الأولى 
              وأغنيةٌ لمرثية الختامْ .
كان الظلامُ مُسالما 
لم يرتجلْ أسماً لحيرة داخلٍ
أو يبتكرْ اسماً لبسمة خارجٍ.
لم يَقترفْ إثما
فيسأل من أتى:
"هل جئتَ تقضي عطلةً؟
أم جئتَ كي تهدي السلامَ ..
إلى أحدْ ؟ " .. 

*
جئنا، وكان الليلُ يسبِقنا
إلى طمس الأهلةِ في نعاسِ جفوننا 
ويهد في أسمائنا الحسنى 
شعائرَ حسنها.
لم تطلق الدنيا التي دوٌتْ
مدافعُ حزنِها 
وطناً 
( نُعلِّقُ في قذائف غيظه ) بشرى .
ولا رشتْ عطورَ نشيدِها في البابِ:
شدوَ تحيةٍ.
كنا كمن يمشي لحفل ختانه 
قبل الزفاف بساعةٍ فيها 
ظلاماً كانت الدنيا 
ظلامُ كل ما فيها 
ومن فيها 
فلم نرفعْ أصابعنا 
ونسأل من نصادفهم:
"أهذي جنةُ الدنيا التي زعموا" ؟
أدرنا صدرَنا للخلفِ،
حاولنا الرجوعَ إلى غموضِ الحشِر, ثانيةً.
حزانى ربما كنا 
فلم نُنشبْ قُبيل هُبوطنا فيهاـ
أظافرَنا بلحم الرحم،
حتى لانرى هذي الطبولَ 
ولانرى هذي الطلولَ 
ولانرى وطنا يبيع بما اشترى نعشاً 
ويُجلِسُه على عرش الشماتةِ.. للأبدْ .
هذا إذن قعر الصدى .
أرست سفائننا بشطِّ سجودها قسرا .
وكان الوقتُ لاوقتٌ به .
والعمرُ كان مرادفاً لروائح البارودِ 
كان النومُ يقنصُ من شوارد صحونا الرؤيا 
ويحشو في لفائفها الظلامْ.
وحمائم السلوى 
إذا حطتْ على غصنٍ بنا سهوا،
تقلَّع غصنُنا.
وتقصفَتْ سُحبُ الهديل بصوتها المكسور  
وانطفأ الحمام .

*
الناسُ مثل الناس كانوا 
قبل أن نشقى بهم ـ
والأرض لا شفةٌ بها
فتخط فوق حلوقنا العمياء معجزةَ الكلام .
كانتْ ككل شئوننا الصغرى 
تطأطئ رأسها أسفاً 
وتنصبُه على أعناقنا الأسفى اتهامْ:
"هل نحن جئنا قبل أن تلد العروشُ ملوكَها؟
أم سارت الدنيا إلى فحِش الملوك 
بساعةٍ من بصقنا فيها ؟ "
لِبسنا بِزةَ العمرِ المباغتِ
كي نبللَ بالضجيجِ شفاهنا 
ونُزيد من حشد السوائم .. في الزحام .
لم نخترعْ وطناً ونحُطمْه ..
لكي نرثَ الحطام .
أو ندعي ما ندعي:
"عُنقُ الضحية لا يرُدْ" !

*
جئنا وكان الموتُ أولَنا
وملء رقابنا موتٌ
وأقلامٌ تؤانسُنا ونكسرُها 
ووجْهتُنا: بلادٌ يكظمُ الأمواتُ 
غيظ صدورهم منها.
فتنبشُ حزنهم, حتى يموتوا مرةً أخرى ..
وقدْ .
لا تكتفي. فتعود ثالثةً
ورابعةً
لتحشيَ غيظَهم غيظا.
قَِبلْنا أن نجيءَ لعمرنا القهريِّ دونَ فظاظةٍ
ونَموتُ دونَ غضاضةٍ
ونعيش -لو عشنا-ـ كأسماكِ المتاحف .
أو كأنسالِ الزواحفِ.. والهوامْ .

*
نحن الذين رأوا بأن العمرَ أكبرُ من غريزتِهم 
وأقصرُ من شهية حاكٍم:
غُصتْ موائدهُ بأطباق الجماجم والعظام 
سنقول: " عمرٌ واحدٌ يكفي " .
ونجعل حده الأقصى ليوم ٍواحدٍ
فإذا انقضى، قلنا لهم :
" جئنا إلى الدنيا لنقهرَ جاهَكم 
يا أيها الـ....
عيشوا مُتْرَفِين بغيرنا 
ونلمُّ من قاع الشجونِ متاعَنا 
ونودع الدنيا ..
ونطبق صفحةً الوطن..الجسدْ " . 
                                      27 ابريل 1993

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص