- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
- المكتب السياسي للمقاومة يشارك احتفالات الجالية في امريكا بعيد ثورة ٢٦ سبتمبر
ربما لا يدرك اليمنيون ما يواجههم من تحديات أخرى غير تلك المعهودة وهي تحديات من نوع جديد إنها شحة المياه فوفقا لمنظمة الصحة العالمية يصل نسبة السكان الذين يحصلون على مياه الشرب النقية في اليمن بسهولة ويسر بحوالي 26% فقط. ويتوقع المتخصصون أن تكون اليمن هي الدولة العربية الأولى التي تستنفد مياهها الجوفية وان كان البعض لا يعرف بدقة متى سيجف حوض المياه اليمني أو يصل إلى مستوى يصعب معه على الإنسان استخراجه، بينما البعض الآخر يتوقع نفاذ مياه الشرب على مستوى البلاد إذا استمرت معدلات الاستهلاك الحالية في فترة تتراوح بين 50-100 سنة. ويتوقع أن يكون حوض صنعاء أول حوض تنفذ منه المياه الجوفية وذلك خلال فترة قد لا تتجاوز الـ20 عاما. لكن هناك من يذهب إلى أن غياب التكنولوجيا اللازمة لتقدير حجم الاحتياطي المائي بدقة مثل الرادارات والأقمار الصناعية وغيرها يجعل تحديد فترة النفاذ صعبة وإن كان لا يقلل من حجم المشكلة.
طبيعة المشكلة
يقدر حجم المياه التي يتم الحصول عليها سنويا من المصادر المتجددة للمياه بحوالي 2.5 مليار متر مكعب. وقدر نصيب الشخص الواحد في اليمن من المياه المتجددة في عام 2001 بحوالي 125 مترا مكعبا في السنة في حين أن معدل نصيب الفرد من المياه المتجددة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يبلغ 1225 مترا مكعبا. ويبلغ المعدل على المستوى الدولي 7500 متر مكعب. وهذا يعني أن نصيب اليمني من المياه المتجددة 10% فقط من نصيب الفرد الذي يعيش في الشرق الأوسط، أو شمال أفريقيا، أو حوالي 2% من المعدل العالمي. وتضع هذه المؤشرات اليمن بين الدول العشر الأفقر بالماء في العالم. ولأن سكان اليمن قد زادوا منذ عام 2001م فان حصة الفرد اليمني من المياه المتجددة لا بد قد انخفضت عما كانت عليه.
ولا تغطي مصادر المياه المتجددة حاجة اليمنيين السنوية من الماء والتي زادت من 2.9 مليار متر مكعب في عام 1990 إلى 3.4 مليار متر مكعب في الوقت الحالي. وقد أدت الزيادة في الاستهلاك للماء إلى زيادة الفجوة بين المياه المتاحة سنويا من المصادر المتجددة والمياه التي يتم استهلاكها من 400 مليون متر مكعب في عام 1990 إلى 900 مليون متر مكعب في عام 2000. وهذا يعني ان اليمنيين يستنفذون وبمعدلات متزايدة المخزون الجوفي من المياه والذي تكون خلال المئات، وربما خلال آلاف السنين. وإذا ما أراد اليمنيون إعادة التوازن بين التغذية المستمرة للمخزون الجوفي، وبين ما يتم استهلاكه من ذلك المخزون فانه سيكون عليهم، كما قال وزير المياه والبيئة، التوقف عن استخدام المياه الجوفية لفترة طويلة وهو ما يعد من قبيل المستحيل.
وتستهلك الزراعة في اليمن حوالي 3.094 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل 91% من المياه المستهلكة في حين تستهلك الاستخدامات المنزلية 288 مليون متر مكعب، وتستهلك الاستخدامات الأخرى 68 مليون متر مكعب. ويتم تبديد جزء كبير من المياه التي تستخدم في الزراعة بسبب قدم أساليب الري، وبسبب استخدام المياه لري منتجات زراعية لا تضيف أي قيمة إلى المجتمع. ففي حوض صنعاء مثلا يبلغ الاستهلاك المنزلي من المياه حوالي 37 مليون متر مكعب بينما تستهلك الزراعة 176 مليون متر مكعب وتذهب 6 ملايين متر مكعب للاستخدامات الأخرى.
ويبرز القات كمشكلة وطنية كبيرة عند الحديث عن فقر الماء. وتذهب الدراسات إلى ان 700 الف شخص نصفهم من النساء يعملون في زراعة القات الذي يستهلكه قرابة ثلث سكان اليمن (70% من الرجال و30% من النساء البالغين) ويصل الإنفاق عليه إلى 1.2 مليار دولار سنويا. ويستهلك القات، الذي يزرع 85% منه في محافظات عمران، ذمار، صنعاء، إب، وحجة حوالي 30% من المياه المستخدمة في الزراعة على مستوى البلاد. وفي حوض صنعاء وحده يذهب 60% من المياه المستخدمة في الزراعة إلى القات الذي يغطي قرابة 40% من الأراضي الصالحة للزراعة. وتتوسع المساحة المزروعة بالقات عاما بعد آخر حيث زادت من حوالي 136 الف هكتار في عام 2006 إلى حوالي 141 الف هكتار في عام 2007 في حين زادت الإنتاجية من قرابة 147 الف طن إلى 165 ألف للفترة نفسها. ويصل عدد أشجار القات في اليمن إلى حوالي 260 مليون شجرة تقطف في السنة بين 3 و4 مرات.
لقد شهد اليمن خلال السنوات السابقة بعض التحولات الاجتماعية والاقتصادية وخصوصا في مجالات النمو السكاني ومعدلات التركز السكاني في المناطق الحضرية. ولم تتمكن التحولات السياسية من مواكبة التحولات في المجالات الأخرى عن طريق سن القوانين التي تنظم استخدام المياه والعمل على تنفيذها. وفي حين غابت الحكومة عن تنظيم المياه، سادت العشوائية في حفر الآبار. ولا تزال تلك العشوائية حاضرة حتى اليوم رغم سن قانون المياه. وما زال 90% من عمليات حفر الآبار يتم، كما يقول وزير المياه والبيئة من دون تراخيص، ويقوم بها نافذون في ظل غياب لجهات الضبط.
ويقدر عدد الآبار الخاصة في اليمن بـ45000 بئر منها 14000 بئر في حوض صنعاء الذي لا تتجاوز مساحته الـ1% من إجمالي المساحة الزراعية في البلاد. أما عدد حفارات الآبار فتقدر ب200 حفار. وتعاني أحواض مدن تعز وصعدة وأبين من نقص إمدادات المياه. وتتوزع الموارد المائية في طول البلاد وعرضها بشكل غير عادل حيث يعيش 90% من السكان على اقل من 90 سنتمتر مكعب من الماء في السنة. وانخفض مستوى المياه في حوض عمران بمقدار 30 مترا خلال خمس سنوات .
وهو ما يعني انه قد تم استنزاف المياه التي تكونت خلال مئات السنين. فنقص مخزون الماء بمعدل 100 متر في 20 عاما يعني استنزاف المياه التي تكونت خلال 400 عام.
معالجات يمكن إرجاع أزمة المياه في اليمن بشكل أساسي إلى السياسات الحكومية التي تم أو لم يتم إتباعها. فقد تبنت الحكومة سياسة للتوسع الزراعي في منطق تعتمد على قدر محدود من مخزون المياه الجوفية. كما أن الحكومة ركزت ولسنوات عديدة على تقديم المياه الصالحة للشرب بأقل تكلفة دون الاهتمام بعدالة التوزيع والاستدامة. ولجأت الحكومة وما زالت تلجأ إلى بناء السدود في الكثير من المناطق بالرغم من أن سياسة بناء السدود بحسب رأي وزير المياه والبيئة ليست مجدية في بلد حار وجاف مثل اليمن وحيث ينتهي الحال بالمياه إلى التبخر، وتعقد السدود من المشاكل المتصلة بالمياه بدلا من ان تحلها.
وما لا يتحدث عنه الناس هو ان السدود التي يتم بنائها تصادر حقوق الناس في الماء لصالح نافذين ومراكز قوى. فبناء سد في أعالي وادي معين يعني توجيه المياه إلى مناطق أخرى بدلا من أصحاب الحق التاريخي في مياه ذلك الوادي. وقد تكون السدود مفيدة في حال وجود دراسات دقيقة لحقوق الملكية أو في حال استخدامها للحصول على مياه الشرب ولكن ليس للزراعة. وما تحتاجه اليمن ليس السدود ولكن منشآت مائية تتولى تحويل المياه دون التفريط بحقوق الملكية.
وحيث ان حوض صنعاء هو المهدد الأول بالجفاف فان هناك من يرى ان أفضل طريقة للتعامل مع أزمة المياه في حوض صنعاء هي تخفيض استهلاك المياه، والحد من التوسع الزراعي. ويتم استبعاد خيار تحلية مياه البحر ونقلها إلى صنعاء كحل للمشكلة لان تكلفة مثل ذلك المشروع عالية جدا ولا يمكن لليمن في ظل أوضاعها الاقتصادية القائمة تحملها. وهناك من يقترح العمل على تخفيض سكان العاصمة صنعاء من مستواه الحالي الذي قدره بـ2 مليون نسمة (في حين أنه ربما قد وصل إلى 4 ملايين) إلى حوالي 800 ألف نسمة. وتشكل اللامركزية عند البعض الآلية المناسبة لتفكيك التركز السكاني في العاصمة صنعاء.
لكن اللامركزية قد تحل مشكلة حوض صنعاء، وليس مشكلة البلاد. وقد تعيد توزيع السكان بين العاصمة والمحافظات لكنها لن تعيد توزيع السكان بين الجبال والسواحل. كما ان اللامركزية قد تخلق مشاكل اكبر بالنظر إلى تكلفتها العالية قياسا بالعائد الذي يمكن ان تحققه.
وتركز توصيات الخبراء الخاصة بطرق مواجهة أزمة المياه في اليمن على قيام الحكومة بإدارة الموارد المتوفرة بكفاءة، اعتماد اللامركزية في إدارة الموارد المائة، والاستفادة من مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وزرع محاصيل زراعية تتناسب مع مخزون المياه المتوفر في كل حوض، والسيطرة على عوامل تلويث المياه، والتركيز على المحاصيل التي يتم ريها بمياه الأمطار، والتوعية بأزمة المياه.
ولا تبدو الحلول المطروحة كما يقول الدكتور عبد الله الفقيه الاستاذ بكلية التجارة والاقتصاد جامعة صنعاء عملية بالشكل الكافي. فالحديث مثلا عن الاستفادة من مياه الصرف الصحي قد لا يكون مجديا في ظل مؤشرات تؤكد بان نسبة السكان الذين لديهم تصريف صحي في اليمن لا تزيد عن 43% مقارنة بنسبة 70% في مصر، 73% في المغرب، 79% في العراق، 82% في جيبوتي، 85% في تونس، 90% في سوريا، و98% في لبنان والإمارات.
وهناك حلول تبدو أكثر منطقية وشمولية وان كان الكثيرون يتجنبون الحديث عنها لأسباب سياسية. وأهم تلك الحلول هو تبني سياسات عامة تشجع على إعادة توزيع سكان البلاد الذين يتركز 85% منهم في المناطق الجبلية، نحو السواحل حيث تتركز الموارد الاقتصادية وحيث يمكن حل مشاكل ليس فقط المياه ولكن أيضا الكهرباء والطرق وندرة الأراضي وغيرها من المشاكل. ولعل العقبات التي تعترض مثل هذه الحلول هي سياسية بالدرجة الأولى.
فهناك من ينظر إلى المسألة من منظور سياسي شخصي أو فئوي أو قروي أو حتى مذهبي، ويرى أن إعادة توزيع السكان ستعني خروج السلطة من بدروم منزله أو فناء حديقته أو من مرابع القبيلة التي ينتمي إليها. وهناك بالتأكيد مصالح سياسية واقتصادية مشروعة وغير مشروعة ينبغي مراعاتها عند تبني سياسات بهذا الحجم لكن الإصرار على تركيز السكان في مناطق تغيب عنها الموارد، والماء في المقدمة، لا يمكن النظر إليه إلا على انه قتل جماعي وان تدريجي لشعب بأكمله.
ولعل خير ما يمكن أن ينتهي به هذا الفصل هو الإشارة إلى مسألتين كثيرا ما يتحدث عنهما وزير المياه والبيئة: الأولى منهما هي أن وزارة المياه والبيئة أنشأت لإدارة الموارد المائية لكن الوزارة لم تتمكن حتى الآن من مباشرة اختصاصاتها لأن 90% من الموارد المائية ما زالت تحت سيطرة وزارة الزراعة.
أما المسألة الثانية فهي أن اليمنيين لا يعرفون حتى اليوم من يمتلك المياه الجوفية. هل هي ملك للدولة؟ أم هي ملك لصاحب أو أصحاب الأراضي التي تقع المياه تحتها. والخوف هو أن تنفد الموارد المائية قبل أن يتم التغلب على قضية تنازع الاختصاص حول صاحب الحق الشرعي في إدارة الموارد المائية وهل هي وزارة الزراعة والري، أم وزارة المياه، وقبل أن يتمكن اليمنيون من معرفة صاحب الحق الشرعي في ملكية المياه الجوفية.
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر