الأحد 10 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الاثنين 4 نوفمبر 2024
واقعية الوجع وسرمدية الثيمة في مجموعة «بنكهة شرعية»لـ صلاح بن طوعري - خالد الضبيبي
الساعة 15:02 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


بنكهة شرعية خالصة، يطل علينا من جزيرة سقطرى اليمنية قاص لا يقل جمالا ولا إبداعا عن الزهراء السقطرية تلك الشاعرة التي ولجت التاريخ وسطرت إسمها على كل غصن وجذع من أشجار دم الأخوين في جزيرة العجائب ( جزيرة سقطرى) اليمنية، قاص يفوح بعبير أزهار سقطرى وجمال مناظرها وبديع مأثرها، كي يوثق لنا إبداع جديد، مؤكدا مقدرة اللغة العربية على التحليق على ظهر نورس من الجزيرة المنسية إلى روح وقلب الأمة العربية، عابرا أفق المعرفة واللغة والرمز والخيال والصورة والحكمة من باب القصة القصيرة جدا.
من خلال عمله الأول يقدم الشاب صلاح بن طوعري  رؤية أدبية سقطرية ليحاور الواقع الذي يحمله كتميمة حياة على ظهره، وهو إذ يقدم لنا في عمله فلسفة ورؤية تشريحية لمرض عضال نابت في روح الوطن اليمني والعربي والإنساني بكل، يناقش من خلاله الواقع العام والخاص بواقعية وخيال واختزال وترميز وبتوميض مدهش ليؤكد لنا علو كعبه وقدرته الفائقة على إمتطاء صهوة اللغة العربية بكل محسناتها البديعية واستعاراتها اللغوية، محاولة منه المشاركة برؤيته الخاصة وبقلمه الرشيق في معالجة القضايا الهامة و تدوين أفكاره ونقل فلسفته ورؤاه ليؤكد لنا بزوغ نجم وجرم يماني جديد من شواطئ جزيرة العجائب.
يضع لنا صلاح بن طوعري في عمله «بنكهة شرعية» الصادر عن دار خيال في الجزائر  في إحدى وثمانين صفحة واحد وأربعون ومائة نص، يوثق بها عالم مختزل من الحكايا، فنتازيا وسحر خاص باشتغال وسبك وصنعه تارة وبتكثيف وترميز واختزال تارة أخرى، ليؤكد لنا قدرة هائلة على الغوص في القضايا الانسانية والبعد الذاتي والاجتماعي، الخاص والعام، بصوت واضح يشعر بمسؤليته التامة أمام هذا المجتمع، ومسؤليته أمام الإنسانية كمجتمع جامع، متحسسا بسن قلمه الرشيق ذاتية المواضيع الحساسة التي تبدأ من النفس البشرية إلى الأسرة إلى المجتمع إلى الهم العربي والإنساني العام.

 

إن القصة القصيرة جدا فن التمويض والاختزال والتكثيف، ولا يستطيع خوض تجربة القصة القصيرة جدا إلا سباح ماهر يعي جيدا كل جملة وكل حرف وكل هنه، فالقصة القصيرة جدا تعتمد على التمويض وكفلاش يومض أو كبرق يلمع في السماء يجب أن تكون القصة القصيرة سريعة وامضة خاطفة لا تحتمل الاطناب أو التمدد، فن يعتمد على سرعة الولوج في الموضوع وعلى مقدرة الكاتب اللغوية وعلى قدرته الدخول والخروج بسلاسة وسرعة واتقان، ومع أن مجموعة «بنكهة شرعية»  العمل الأول للقاص صلاح بن طوعري استطاعت في أغلب نصوصها النجاح بهذه التجربة والتحليق في فضاء القصة القصيرة جدًا إلى جانب تمكن الكاتب من تنويع موضوعاته، والتي جاءت إلى حد بعيد تحمل القضايا المجتمعية وتناقشها ومنذ أول نص في المجموعة  «شتات»  نلاحظ أن الكاتب كان جادا في موضوعاته التي حاول مطارحتها، كي يعبر عن رؤيته بدخول مميز وخروج مكتمل، وهكذا تاتي الموضوعات متفرقة تناقش موضوعات كثيرة يسودها الهم المجتمعي، الدين، الطلاق الحكم،الحاكم ،الأسرة، الظلم، السياسة، الموت، رجال الدين، علاقة الحاكم بالمحكوم، القبر، اليتم، الخيانة العامة والخاصة وغيرها الكثير من الموضوعات، ونلاحظ في أغلب نصوص المجموعة النظرة التشاؤمية التي يجترح بها القاص القصص المعبرة عن انعكاس الواقع والمآسي، وهذا ما جعل قصص المجموعة تأتي بلون أسود تارة، ومخضبة بالكوميديا السوداء تارة أخرى، وهو بذلك يوثق بنصوصه انعكاسا لواقع عاشه وحاوره، بصدق وابداع تام، وبراعة في الطبع والصنعة، وقد جاءت العناوين في مجموعة «بنكهة شرعية» مفتوحة الدلالة فالشتات العام الذي يخوضه لايعبر به القاص سوى عن شتات عام يراه و يعيشه في المجتمع الخاص والعام و الغصة التي يبتلعها  تستولي على كل البشر في الاسرة و المجتمع والواقع العربي و الإنساني وهكذا في إثابة، بخت، ظراعة، إعتراف، عقر، مناص ،عدم، صفعة، نكسة، فراغ الى آخر تلك العناوين التي تغوص في الهم العام، ويحاول تدوينه برؤيته الخاصة  عن طريق تمويض سريع يظل عائش لفترة في ذهن القارئ، وقد توزعت الموضوعات في مجموعة «بنكهة شرعية» بشكل عشوائي رغم توجهاتها المحدودة من الخاص إلى العام فالخاص الذي يستشعر به القاص هموم الذات مثل غصة، شرعية، تقاليد إثباة، بخت، حصار،شكوى، إنصاف، منزل، حضر فيها الخطاب الذاتي والصوت الداخلي الخاص الذي يبوح بوجهة نظره ويضع رؤيته يكون ذلك الصوت ذاتي تارة أو انعكاس لذوات بشرية أخرى ذكورية أو أنثوية ونرى ذلك في نص «منزل» حيث يتحدث على لسان إنثى.
 

إلى جانب البعد الذاتي الخاص والعام والحوار ركزت الموضوعات على حضور البعد المكاني الوطن كان وطن إنساني عام أو خاص متمثلا باليمن أو بيئة القاص الخاصة جدا جزيرة سقطرى التي تحتوي على كم هائل من التنوع النباتي و الحيوانات وقد جاء ذكر حيوانات كثيرة في المجموعة الأسد الذئب الحمار الكلب والأشجار في نصوص كثيرة كان أبرز  ذلك في نص «نكسة» وقد ناقش القاص موضوعات مهمة كالإرهاب والدين، والحكم،والظلم  والموت كثيمات سرمدية جامعة وعامة، والفقر  وتدني مستوى صرف العملة و غياب الراتب وغلاء المعيشة والشرعية، كثيمات وجع خاصة تعبر عن هم داخلي وشعور بالمسؤلية بالمشاكل المجتمع  الخاص الذي يعيشه( المجتمع اليمني ) وقد اخرج نصوصه بشكل جميل يدل على هم ووعي و على قدرة عالية في استقراء الواقع إلى جانب تطرقه للحرب كثيمة وجع  مؤكدا أضرارها ملمحا ومرمزا لذلك بشكل ابداعي تام وبشكل واع وبقدرة تامة على تكثيف الرؤية في نص وامض قصير جدا  يصل بكل سهولة إلى القارئ .
 

بعض النصوص من  مجموعة «بنكهة شرعية»
 

«شرعية»
بعد أن تقاسما جسد أمه
قرط الأول أذنيه، وقلع الآخر عينيه،
جلس القرفصاء ثم تساءل منتحبا:
- أي منهما يكون أبي؟!

 

«إثابة»
بعد أن طرقت الأبواب عادت الأم بمصروف،
بعثره الأب على طاولة القمار
عاهد نفسه ألا يكون مثلهما؛ مضى بعزم 
يتحسس الجيوب.

 

«شوكة»
المغتصب، القاتل، وسارق خزائن الدولة،
جلهم أطلق صراحهم،استبشرت خيرا
لم تكن جريمتي ذات معنى 
سوى أني بصقتُ في وجه صاحب مرسوم العفو، 
حين داس ذات يوم على العلم.

 

«انتقام» 
صوت وشوشة 
هذه المرة من أسفل السرير:
- أهذا زوجكِ
-نعم
-ولمن الصوت الأخر
- إلتفت إلي ودعك منهما
-آه، يا لحقارته!
-ليس أحقر من زوجتك

 

«ضراعة»
احدودب ظهره،قرقر بطنه؛
مضى بحزم يبحث عن الفاعل
حين وجده،
بصق…ثم طفق يلمع حذاءه

 

«انتصار»
يتقابل الفريقان وجها لوجه،يشمر كلاهما عن ساعده،
تسكن الساحة فجأة،إلا من أنين طفل.
يقرران تنكيس سلاحهما؛
يتدلى قايبيل باحثا لنفسه عن مأوى

 

«مراسِم »
أطقم سوداء يرتدون،في عرض مهيب يشيعونه،
قبل أن يرقص حصاني فرحاً،
يقرصني أحدهم قائلاً:
أكل هذا لأجل كلبه المدلل؟!.

 

«ضرر»
كل ما نوى الدخول لفظته عبارة
«كل من في الداخل حمير»
إمام المسجد كان قد كتبها
ليمنع الحمير من الدخول.

 

«معمعة»
بعد ولادة عسرة ولت بجسدها
شطر موطن الصنع
فيما الطفل الذي تدلى من رحمها
توطّن عنق الشرق؛ حيث قذف برأسها.

 

«يمني»
-تحررت دولتك
-اطلق سراح راتبك
-انتعش ريالك
ادار ظهره بعدماحدق في وجوههم قليلا،
قهقه،ثم طفق يكمل مسيرته،في مُستشفى المجانين.


 

ـ 24/8/2020ـ

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص