الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الأدب والحياة - طارق السكري
الساعة 18:07 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


(1)
من المفترض أن تكون العلة الغائية التي تكمن وراء البحث عن الحقيقة واكتشافها والانتصار لها هي حب الفضيلة .
الفضيلة التي يمكن أن تكون تحقيق عدالة .. أو نشر فائدة .. الخ
والفضيلة كمبحث لها جذور عميقة في الفلسفة .. إذ جعلها الفلاسفة منتهى كل علم يتوصل من خلاله لتحقيق سعادة الإنسان .. حيث تستوطن قيم الخير .. وتكمن عدالة التوزيع .
يلعب موضوع الجمال والفن دوراً إيجابياً في غائية الفضيلة التي تهدف إلى صناعة الوعي وتحرير الروح من العبودية للغرائز الحيوانية .. تلك النواقص التي تمنع الإنسان من تحقيق وجوده الخلاق ، ومن ثم تجعله على هامش الحياة .
للجمال والفن تعريفات كثيرة ومعقدة لكنها تتلخص حول مفهوم إشباع الحاجة وتحقيق الرضا والسرور النفسي أو اللذاذة العقلية باعتبار الفن أو الشعر أحد الأشكال الكليّة للعقل .
الموسيقى والرقص وفنون القول الشعري والأدبي وسائل أو حِرَف لها مكانة عظيمة في ذاكرة الأمم والشعوب ، فهي سجلات آثارهم ودواوين أحزانهم ونافذة الحنين إلى الماضي ونافذة التطلع إلى المستقبل المنشود .
لهذه الوسائل والقيم التعبيرية والجمالية دورها التاريخي إذن في عملية التنفيس أو التطهير، تطهير معنوي بتحرير قوى النفس وملكات الخيال من القهر والكبت. وتطهير المجتمع من الهمجية والرجعية.
ولما لهذا الموضوع من أهمية فقد لجأت التيارات الدينية والسياسية على مر العصور إلى الاتكاء على الجماليات " الاستيطيقا " لترسيخ ارستقراطيتها أو نشر رسالتها واستقطاب الجماهير والأعوان .
وعلاقة الفن بالسياسة علاقة جدلية منذ القدم .. ربما نتحدث عن هذه العلاقة الخطيرة في وقت لاحق.
إن المجتمع الصغير أو الذي تخترق نظامه المعرفي : العصبوية أو القبلية يتسم بضمور الخيال وسذاجة الوجدان وسطحية التفكير وبالتالي يغلب عليه : الطيش والعدوانية .
لكن المشكلة لا تكمن هنا بالضبط .. بل تكمن في عقل المثقف السياسي أو الخطاب الديني الذي ينظر إلى مشكلات المجتمع نظرة شكلية .. جزئية لا تنفذ إلى حاجة الإنسان الفطرية .. نظرة المتصدق أو المحسن على الفقير .. بدلا من النظرة إلى مشكلة الفقر واجتثاثها من الأساس . وحري بنظرة واحدية كهذه أن تكون الرؤية ناقصة لا تخدم الحقيقة . هذا المثقف أو الخطاب الصغير وليد ذلك المجتمع الصغير . هو مجتمع صغير حتى ولو كانت مساحته الجغرافية كبيرة !
كيف يمكن فهم الإنسان ونوازعه من خلال الجمال والفن ؟ كيف يمكن عصرنة وجدانه وتمدين خياله وتحديث لغته من خلال الجمال والفن ؟ كيف يمكن رأب الصدع في بنيان الوطن من خلال الجمال والفن ؟
كيف تنظر فلسفة السياسة للإنسان والمجتمع ؟ كيف تنظر فلسفة الأدب للإنسان والمجتمع ؟
لقد أصبح لدينا في المجتمع تيارات ثقافية منفصلة عن بعضها .. وهي في الأساس ليست كذلك .. فشجرة المعرفة شجرة واحدة تتفرع غصونها وتتوزع أوراقها ويبقى الأصل واحد .
تيارات فكرية بأسماء وألوان مختلفة ، تقابلها في الاتجاه الآخر تيارات أدبية . ففي الندوات الفكرية لا يحضر الأدب ، وفي الندوات الأدبية يغيب الفكر! ثم تتسع وتتسع هذه الفجوة بين الفكر والأدب .. حتى يصبح كل منهما أجنبيا لا يفهم لغة صاحبه ! وتغذي هذه الفجوة ربما السياسة أو دعونا نصطلح على تسميتها بالأدب أو البلاغة الرأسمالية .. بحكم أن الرأسمالية نظام قائم على فلسفة اقتصادية سياسية أدبية . البلاغة الرأسمالية التي تجرد الإنسان من روحه المثال ، وتجرد المجتمع من الفن الخلاق . الفن الرأسمالي الذي تقوم فلسفته الجمالية على الحس والنفعية .. على إثارة الغرائز وخداع العين بالمفرقعات اللغوية والزخارف البلاغية وتفصل الفن عن الروح وعن الأخلاق وعن الدين . رغم أن هيجل يعد الفلسفة والدين والفن وحدة موضوعية كوحدة الوجود أو الحلول الصوفي .

الأدب وجه الحياة المشرق وصورة الإنسان الكامل وهو مرآة تعكس بصدق وشفافية الخلل في المجتمع ، ويحمل الشاعر فيها والقاص والروائي راية الإصلاح من خلال الأشكال الفنية واللغة الجمالية والأساليب الشعرية والإبداعية المختلفة .

ومن المراكز الثقافية التي نفخر بها كيمنيين في ماليزيا مركز يمنيون للدراسات والبحوث الذي حمل على كاهله نشر الوعي الوطني بشموليته قدر ما تهيأت له الظروف وسمح له الزمان، وذلك من خلال المؤتمرات واللقاءات والندوات الفكرية والأدبية وأنا كطالب في مدرسة الأدب ، أومن بوظيفة الأدب ودوره التاريخي العظيم في الثورة والمقاومة لكل صور الاستبداد والخرافة السلالية . أشيد بهذا الوعي النوعي وأتمنى على الملتقيات الفكرية في ماليزيا أو غيرها أن تترسم آثار المركز ، وأن لا تحدث انفصاما في المعرفة إذ يعكس مثل هذا الفصام ثقافة الخطاب فتهتز الثقة به .

ماليزيا . أوسان الأدبي

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً