الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
بيوت وخيام - أحمد السري
الساعة 15:52 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


جاء لصوص إلى وادي الزيتون، نهبوا بيوته وشردوا أهله. أضحى أهله في العراء، جاء القاضي فحكم بعودة الأهل إلى دورهم، حكم ومضى، واللصوص في البيوت بأسلحتهم. تنادى المحسنون، جمعوا بعض المال لإيواء المشردين. انتصبت خيام في طرف الوادي.
نظر اللصوص، إلى الخيام، فقاموا بإصلاح البيوت المنهوبة وبناء المزيد منها، وبدأوا بالاستيلاء على أشجار الزيتون وحقوله، ضج أهل الخيام واعترضوا، جاء المغيرون وأهل الحق فاعترضوا، جاء المفكرون فاعترضوا ووضعوا الأفكار حول الحق وإدانة اللصوص.. اللصوص مسلحون يشيدون الأساس، ويزرعون ويقلعون، تحميهم البنادق ومن تجمع من أعوان الباطل..
بمرور الأيام تكاثرت الخيام في طرف الوادي، وتكاثرت دور اللصوص أيضا. بدأوا بالتوسع تحت تهديد السلاح ، فأحاطوا بالخيام وتجاوزوها الى الأودية المجاورة.
أعوان الحق يجتمعون ويعترضون وأهل الفكر يصدرون المزيد من الكتب حول استعادة الأهالي لبيوتهم.
شاخ الجيل الأول وبقي الأولاد في الخيام ينظرون إلى اللصوص كيف يستبيحون أملاكهم وهم عاجزون عن استعادة حقهم..
فكروا في المقاومة ومواجهة السلاح بالسلاح، أحرقت الخيام وتشردت الأسر بعد أول عملية مقاومة.. جاء الخيرون اختاروا لهم مكانا أبعد قليلا ونصبوا لهم خياما هناك، وجاء القاضي يحكم ببطلان ما يفعل اللصوص، وألفت كتب جديدة حول الحق وطرق استعادته.. وترسخت أفكار المقاومة المسلحة.
كثر اللصوص، شيدوا البيوت، احتلوا المساحات المجاورة وحموها بالسلاح وبمن استقدموا من شذاذ الآفاق..
كثر المتعاطفون مع المشردين، ونظروا في أحوالهم البائسة وفي حال اللصوص وما صنعوه من بهرج بما استولوا عليه.. صارت الحرب ضرورية ومفروضة على أهل الحق.. بدأ اللصوص بالتوجع والخوف.. فتنادى أهل الباطل وآزروهم بالمال والسلاح.
مرت السنين وتبدلت الأجيال، واللصوص يورثون ابناءهم عبر كتب وصلوات أن هذه الأرض لهم وأن من كان فيها مغتصب وغريب، وأن سكان الخيام هناك أعداء يجب الحذر منهم والاستعداد لقتلهم في أي وقت أو استقدامهم للعمل في حقولنا، التي يزعمون أنها حقولهم..
جاء المفكرون فحذروا من خطورة فكر اللصوص ومحاولة تشريع ما نهبوه واختلاق أساطير تتحدث عن ملكيتهم للمكان.. وجاء القضاة على حمير يتحدثون عن الحق. قال شيخ طاعن في السن من سكان الخيام.
كان القضاة قديما يجيئون على ظهور الخيل، ولم يستطيعوا إرجاع أي حق لأهله، وانتم اليوم تأتونا بالحمير واللصوص يركبون السيارات ويحاربون بأحدث الأسلحة.
مرت سنوات أخرى، وجرت معارك متفرقة كان فيها أهل الحق ينهزمون أمام اللصوص، أعوان الباطل كثر، بدأت بعض كتب اللصوص تتسرب الى سكان الخيام، وتحدث الناس عن سرقات غامضة لصناديق الكتب من مكتبات المدن القريبة، وللخرائط المعلقة في الواجهات الرئيسية.
غير اللصوص أسماء الأمكنة، شيدوا مدارس تعلم التاريخ وأنهم السكان الأصل للمكان وغيرهم غرباء، بدأت الأجيال الأحدث من سكان الخيام تقرأ كتب اللصوص وتستمع إلى إذاعاتهم، وبدأت الخلافات تدب بينهم، وبعضهم يفكر بالاستقواء على إخوته بلصوص المكان.
وأخطر ما حدث هو ان تثور مناقشات بين سكان الخيام مدارها، من هم السكان الأصل للمكان ومن هم اللصوص..
ولأن كتب المفكرين اختفت، وأسماء الأماكن مُحيت، والخلافات تزايدت، تشوشت العقول، لم يبق الا الاستشهاد بكتب اللصوص التي ألفت في العقود الماضية وحشدت كل ألوان الكذب والتزوير للاستحقاق بالمكان. ثم ظهر بين سكان الخيام من وصفته أقلام اللصوص بالعقل والواقعية، وأخذ ينصح بوقف العداء لسكان البيوت المجاورة ويرى أنهم أهل حق ويتشكك في أصله ونسبه ووطنه، بل ويرى ان سكان الخيام يتجنون على أهل البيوت، ويزعم أن سكان الخيام وردوا إلى المكان المأهول على هيئة بدو رحل فأقاموا هناك.
كانت هذه الاصوات المشوشة تفرح شيوخ اللصوص الكبار. فيقول قائلهم. عما قريب سيعترف الجميع بأننا أهل حق، وسينسون حوادث النهب واللصوصية، وفضل ذلك يعود إلى تآزر الباطل وتفكك أهل الحق وإلى الإصرار على الكذب باعتباره صدقا، حتى يتغير عقل خصمك ويشك بصحة عقله ويبدأ بتصديق كذبنا والتفكير بطريقتنا
تلك هي لحظة الانتصار الحق...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً