الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
"تريد جنيفر أن تهنئك بالعيد..." - جميل مفرح
الساعة 15:15 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

ثمة أعياد كثيرة متناثرة في المكان
كيف أجمعها وأبدأ في ترتيبها..؟
لم يعد هنالك متسع كاف في الجدران المتهالكة..
جميع الرفوف تحدودب.. بعضها للأعلى وبعضها للأسفل.. والغريب أن ثمة رفوفاً تتمايل وتنضغط جوانبها أيضاً..

كل هذه الأعياد لم تعد تلزم كائناً مثلي..
ومع ذلك علي أن أفكر في كيفية التعامل معها..

زوجتي تقترح أن أصب عليها كيروسيناً وأحرِّض جدران المنزل لتتداعى عليها..
بينما يرى أطفالي أنني مسئول أمامهم غداً عن كل مناسباتي الخاصة.. وعن عيد وقوعي بالذات..

إنهم يخططون لمكيدة ما.. أشعر بذلك..
أنظر إليهم فيتغامزون ويتهامسون ويتبادلون الابتسامات، غير آبهين بي وكأنني غير موجود في اللحظة..!!

معظم هذه الأعياد بحاجة إلى مخابئ محرَّزة.. وأنا لا أمتلك مساحة كافية لإخفاء علبة سجائري، وقصاصات الورق التي أحسب فيها مصروفاتي ونهداتي اليومية..

ليس كل عيد يلزمني بالضرورة.. ومع ذلك أعتقد أنه من الإسراف أن أفرط بكل هذا التراث الاحتفائي، حتى وإن كان زائفاً..

أفكِّر في أن أعقد صفقة مع الريح وأبيعها بعضاً من هذه الاحتفاءات الزائدة عن الحاجة.. وأضع خطة مزمنة، طالباً من الريح أن تمر لحمل مبيعاتي عند منتصف الليل أو بعد ذلك بقليل، حين يكون أطفالي وزوجتي قد أسدلوا ستائرهم، دون أن يعدوني بيوم آخر من الوقوف على كومة الأعياد..

بدت ساحة منزلي كحافظة موتى.. روائح هذه الجثث أصعب من أن أعرفها.. الأعياد كوم متراكم من الاستفهامات ذات الروائح الكريهة، والذكريات متبلة ببهارات هندية رخيصة، ومدهونة بحكايات وغوايات لم تكن في البال..

هذه الأعياد كثيرة جداً.. لا أظن أنها جميعاً خاصتي.. لا بد وأن هناك من تخلص من نفاياته ووضعها في هذا المكان.. لا بد من أن أشخاصاً آخرين يقهقهون الآن ضحكاً وأنا أقف كمسمار صدئ مغروس في جمجمة الحيرة، منذ ملايين السنين، وأبحث عن مساحة فارغة في الوجود تتسع كل هذا الهراء الاحتفائي الباهت..

لا بد أن ثمة امرأة تقف الآن بالقرب مني، وتراقب ما عساي أن أفعل بأعيادي معها..
أعلم أنها تنتظر أي خطأ مني، لتتهمني بالإطاحة بالمقدسات وارتكاب الخطايا التي لا يمكن غفرانها..

وأيضاً هناك وراء وربما داخل اللوحة، التي لم يعد لها برواز، مجموعة من الأطفال الانتهازيين.. ينتظرون مني أن أكتب أسماءهم في بطاقتي العائلية..

حسنا لن أستخرج بطاقة عائلية، وسأكتفي بأول بطاقة شخصية، استخرجتها مضطراً لأدوِّن اسمي في كشف المعونات.. كان شيخ القرية قد وعدني بذلك، ولكن اللعين توفي ليلتها بسكتة دماغية..!!

يومها كنت أقسم أن شيخ القرية يتظاهر بالموت، وأنه من المستبعد أن يكون قد مات بسكتة دماغية، فأنا أعرفه جيداً، لا يمكن لشخص مثله أن يمتلك دماغاً بالمرة..؟!

كل هذه الأعياد المنتنة.. في انتظار شيء ما.. وأنا لم يعد في يدي إلا أن أتوضأ وأدعو الله أن يسن ساطوره ويحدث شقاً كنصف دائرة في جسد الكرة الأرضية؛ ويرمي أحدنا إما أنا؛ وإما هذا الرماد في بطن الأرض.. وأعيد الصلاة وأشدد عليه ليحذر جيداً من أن ينسى فيجمعنا معاً..

لست فيلسوفاً مؤمناً ولا روائياً كافراً ولا حتى كاتباً مبتدئاً.. بالكاد أستطيع أن أكون أنا، فما بالي بأن أكون كائناً هلامياً، أو مدعياً قديساً، أو حتى هيكلاً بإمكانه أن يرتدي نظارة وربطة عنق ويجري حواراً صحفياً، ملغوماً بالمزايدات والادعاءات والتهويمات الفراغية المنمقة..

لا لا.. لست جديراً حتى بالاسم المستعار الذي قضيت نصف عمري أتزلج عليه وأغوي به العشيقات البسيطات وأخون اللغة في مخدعها وعلى فراشها...،

ماذا أعني بمخدعها..؟!
لا أدري.. ولكن ربما لا اعني شيئاً.. كما إنه ليس لي وجه قادر بعدُ على تحمل المزيد من الأضواء الحارقة في استديو التصوير أو أمام كاميرا الصحفي المزور، الذي يزوق انحناءته ويتظاهر أمامي بكونه شخصاً محترماً للغاية..

نعم ثمة أعياد هنا، ولكنها للأسف لا تخصني.. فقط هناك من تعامل معي وكأنني سلة نفايات ورمى بكل هذه الأعباء بداخلي..

لا أتذكر من كل هذه الاتهامات سوى عيد وحيد، اشتريت لي فيه حذاء جديداً وقبل بزوغ الشمس قطعت زجاجة قدمي اليمنى قطعاً بليغاً ولم أجد حتى عيادة إسعافات أولية صباح العيد..

أتذكر أنني تلفعت بالإصرار على أن أكتفي بارتداء فردة الحذاء اليسرى.. ولسوء حظي ضاعت الفردة اليمنى قبل أن تشفى قدمي، فلم أستطع ارتداءها إطلاقاً..

من أين جاءت كل هذه النفايات المسماة أعياداً..؟! وهذه الخردوات التي يصفونها بالذكريات..؟!

لا أدري.. ربما هنالك من يحيك لي مكيدة أو ما شابه...!! حسناً ما الذي يمكن أن يشابه المكيدة..؟! ربما محبة من نوع ما، يدعيها شخص ما.. وربما صدفة ما قررت أن يكون ضحيتها شخص مثلي، شخص لم تعد الأعياد شيئاً من مفضلاته منذ آخر جرد له قبل عشر سنوات..

فضلاً.. ما الفرق بين المفضلات والفضلات..؟!
أعتقد أن لا فرق عدا رسم الأحرف والإيحاء بإحداهما حين نريد الأخرى لا أكثر..
حتى أن الفضيلة التي يتقمصها الكثيرون منا لم تعد كافية لأن نذيل مثل هذا الهذيان المر بأسمائنا..

ماذا عن الكتابة..؟
الكتابة لم تكن عيداً ولا يمكنها أن تشبه الأعياد.. وإنما كانت وما تزال واحداً من المواعيد المرتجلة، وربما الهدايا التي تمنحها الصدف للعابرين مثلنا..

الأعياد لا يمكن أن تكون بضاعة لمن لم يمروا يوماً بفناء الطفولة، وأنا لم أكن يوماً طفلاً..!!

تظاهرت بذلك مرة ودون أن أشعر فلقت رأس الطفولة بلعبتي المدببة.. ومذاك وأنا أفكر في العقاب الذي أستحقه؛ وأحاول سن قانون خاص أثأر به من نفسي لقاء تلك الحادثة/الجناية..

ما الذي يحدث.. حديث وحادثة وحدث غرٌّ مثلي يبحث عن قانون يعاقب نفسه به، ليدعي أنه لم يكن يوماً طفلاً..

هذا أنا.. وهذا كل ما يمكن أن أكون.. فمن أين لي بمثل هذه الأعياد التي تتباين مع قياسات قدمي وطول قامتي.. وتختلف تماماً عن مظهر أفكاري الملوثة بالارتياب..

هذا أنا.. وهذه الأعياد لا تشبهني في شيء غير القدرة على التظاهر والادعاء وكتابة ما لا يليق بشيء يشبه الحقيقة..

هذا أنا.. كائن ضال يبحث عن جنته الخاصة.. مادة غازية تسرَّبت ذات لحظة من شق في جدار ما، فصارت سديماً ثم تفتقت لأجيء أنا.. ذلك الشيء الذي ولد وهو يبلغ الحادية والعشرين من الوهم.. جاء وفي يده معول حاد من اللغو ومطواة مصنوعة من الياسمين..

هذا أنا.. لم أكن ما أريده بالضبط، ولست جديراً بما أصبحت عليه.. كائن لا يجيد شيئاً غير الإغواء.. يصل بالكلام واللغة إلى حواف الإنهاك.. وحين يغمى عليهما، لا يبالي، فقط يفتش عن فريسة جديدة ويمعن في أناه.

هذا أنا..
وربما شيء أكثر، وربما أقل.

حسناً يا جنيفر..
فلننجب معاً عيدنا البكر....

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص