الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
"رواية (حصن الزيدي) رؤية لفهم الواقع اليمني - عبدالكريم العرومة
الساعة 20:14 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



" حصن الزيدي" ط1 2019م الناشر هاشيت أنطوان ,بيروت لبنان والحائزة على جائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع عام 2019م.
 

مقدمة:-
الإنسان المعايش العادي أو حتى المثقف مع معايشته للأحداث ومراقبته لديناميكياتها, الذي قد يتفاعل معها, هذا إذا تفاعل وخرج من مسار الرتابة والإنجرار والإنسياق غير الواعي , ومن ثم قد يصدر موقفا أو رأيا أو تعبيرا شفويا أو كتابياً كمنشور على مواقع التواصل الإجتماعي , هذا إذا تجرأ وخاصة في ظل إستقطابات الصراعات والحروب والولاءات وحسابات المواقف وتباعاتها, تظل رؤيته وتفاعله في مستوى معين , يختلف عن مستوى رؤية وموقف المثقف الأديب الكاتب ومن ثم الروائي تحديدا, سواء في مستوى الرؤية بأبعادها أوبالتالي أيضا مستوى التعبير, لأنه غير منجر بسهولة في تفاعلاته مع الأحداث كردود فعل ًعاطفية آنية متلاشية الأثر, لأن معايشته ومراقبته لديناميكية مسارات المشهد تنطلق من رؤية ذات أبعاد متعددة, فهو يقف بداية من زاوية دوره ومسئوليته كشاهد مراقب ومن ثم بحسب خيارته فقد يكون شاهد حق أو شاهد باطل,أو مظلل, أو محابيا أو مجاملاً أو متبنيا لمسار أو رؤية معينة ينطلق منها ,
الكاتب الأديب الروائي يقف يتريث يتأمل ليرى الوضع والمشهد بنظرة شمولية كلية فلسفية ما أمكنه ذلك ويربط النتائج بمسبباتها وصيروراتها أولياتها ومسارها ومألاتها, تمهيدا لإعادة تركيبها وإنتاجها في نسيج نصي أو نقول في مشهد أو لوحة نصية مشاهدة محسوسة تلامس الفكر والوجدان والمشاعر, لما تتضمنه بنسب متفاوتة من تجربة الكاتب ومشاعره وخياله وألامه وأماله ومعانته وطموحاته والتي تمثل حالة جمعية مشتركة يتبناها الكاتب ويعبر عنها نيابة عن المجموع , كنتيجة للمشاركة الوجدانية التي هي من صفات الكاتب الروائي المشارك لألام وآمال مجتمعه والإنسانية بشكل عام.
و هذا ما ينطبق فيما يخص الكاتب والروائي اليمني "الغربي عمران" في روايته " حصن الزيدي". إذن إصدار هذه الرواية في هذه الفترة الراهنة من المشهد اليمني يتحقق فيها ما ذكرناه من ناحية الكاتب والرواية. فضلاً على أن ما يميز الكاتب الروائي أيضا أولا ً أنه أصبح لديه مسار خبرة وحرفية متميزة في كتابة الرواية فقد صدرت له روايات سابقة وهي بحسب الترتيب الزمني في الإصدار 1- مصحف أحمر2- الثائر 3 - مملكة الجواري, وهذه هي الرواية الرابعة التي نحن بصدد الحديث عنها وهي رواية " حصن الزيدي " ثانيا ما يميز كاتب الرواية أنه ليس فقط من الوسط الأدبي وإنما أيضا من الوسط السياسي والإداري والبرلماني, وهذا يضيف إلى نوعية كتابته الروائية أنها صادرة من رؤية أكثر إلماما وعمقا وإتساعا, أفقيا ورأسيا, أفقيا من حيث رؤية النخبة وقمة الهرم وأفقيا من حيث أتساع وإمتداد قاعدة الهرم المجتمعية.
عن الرواية:-
الرواية برمزياتها الزمكانية ورمزية الشخصيات وخط مسار أحداثها, تكشف عن ملابسات الواقع اليمني الخفية والظاهرة , القديمة المتجددة , تبين تطابق العوامل والمسببات التي تعطي نفس النتائج والواقع المتشكل الراهن, مع إختلاف فقط في مظاهر ووسائل الحياة المعاصرة.
أما عن فكرة الرواية ومسارها فهي تتحدث عن وجود مجتمع في حيز جغرافي الذي مسمى شرق الوادي تسيطر عليه سلطة الشيخ مرداس , الذي سيتوسع ويضم بعد ذلك لسلطته غرب الوادي الذي كان تحت سلطة الشيخ شنهاص, يتولى الشيخ مرداس سلطته من خلال الحصن الذي يمثل رمز السلطة , له مستشاره أو وزيره زيد , يمثل طائفة ومذهب ديني يستخدم التقية والمكر والخداع مستفيداً موظفاً لصالحه حالة التناقض وعدم إنسجام علاقة سلطة مرداس الديكتاتورية الإستعبادية مع رعيته المستضعفين الواقعين تحت سيطرة سلطته , ليستطيع في ذروة الأحداث السيطرة على سلطة مرداس, فيمارس نفس ممارسات مرداس بل ويضيف لذلك أن يفرض على المجتمع تقديس طائفته دينياً ليحتكر بذلك السلطة والدين والثروة ووسائل الإنتاج.
يتكون مجتمع الوادي بعد فئة السلطة من ثلاث فئات, وهي فئة الرعية من المزارعين والعمال وهم أصحاب وسكان الوادي الأصليين , ثم فئة الحراس حراس الحصن وهم وإن كانوا في الأصل من أبناء مجتمعهم لكنهم أصبحوا وسيلة وأداة مرداس في التسلط على مجتمع الوادي من خلال تنفيذ توجيهاته وأوامره,الفئة الثالثة فئة الخدم أوالمهمشين وهم الفئة الأقل شأنا وتتنقل بين الوديان وتعيش بالكفاف قد يكون هذا أعطاهم حرية التنقل وعدم الإرتباط بمكان معين,وهم أكثر الفئات إستضعافاً والتي مارست عليها سلطات الوادي القهر والإستعباد والسخرة .
الفئة الرابعة وهي الفئة المقاومة لسلطة الحصن في مقدمتهم الشيخ شنهاص الذي هزم من قبل مرداس وأخذ عليه سلطة غرب الوادي , إلا أنه سيظل في جبه حرب مستمرة على مرداس , ويتحالف مع عرام وقارون في بداية الأحداث ثم يفتك ذلك التحالف,مع تطور تفاصيل خط الأحداث.
الشخصيات تمثل رمزية لتيارات وإتجهات سياسية وإجتماعية فالشيخ مرداس يمثل السلطة الكلاسيكية المجتمعية المتوارثة ووزيره يمثل طائفة دينية والشيخ شنهاص مع مجموعته يمثل تيار ما سمي بالصحوة أو تيار الإسلام السياسي, وعرام وقارون يمثل تيار يساري إنفتاحي تقدمي إلا أن موت عرام في عدن يثير تسأول وخيبة أمل فيما إذا كان ذلك يمثل إنتهاء أو إنتكاسة ذلك التيار حتى مع بقى مساعده قارون الذي أنتهى به المطاف أيضا أن يعيش مع فئة الخدم المهمشين يمارس التزمير وأصبح مجرد زماراً ,وهذا يمثل بل يصدم القارئ لهذه النتيجة مع أن سياق الرواية يتطلب أن يكون لهذا التيار دور أكثر فعالية بإعتباره حالة من حالات الأمل كما يظهر في بداية الأحداث ويمثل حالة من حالات التوازن مع التيارات الأخرى.
هناك أيضا شخصية جمال الذي سيكون عنوان الفصل الأخير في ص253هذا الفصل الختامي المكون من 4صفحات فقط , جمال وهو أحد أبناء الشيخ مرداس والذي خرج في صغره من بيئة الوادي وبيئة سلطة أبيه عندما سافر إلى صنعاء ومن ثم إلى القاهرة للدراسة ,وهو الذي سيعود بعد ذلك بعد سيطرة وزير أبيه على السلطة والحصن , عائدا كقائد ثورة على دبابة ليوجه نيرانها على مواقع الحصن وأطراف الصراع في الوادي وبعد يوما فقط من معركته تلك والتي غيرت المعادلة, إلا أنه في اليوم التالي يختفي جمال فجئة وتبقى دبابته التي أتى بها, والتي بعد ذلك سيظهر عليها الصدى لتنتهي الرواية بذلك المشهد.
من خصائص هذه الرواية
من حيث لوحة غلاف الرواية , فكما هو واضح في الشكل تظهر نصف فتاة أو إمرأة , وهنا قد نتسأل ما علاقة اللوحة بمسار الرواية ,كان من الأنسب أن تكون لوحة تحتوي على حصن في قمة جبل يحيط به وادي يظهر في الزرع والماشية وكذلك الشمس أو المطر مع صورة معبرة عن مجتمع الوادي لتكون اللوحة معبرة عن عنوان ومضمون الرواية.
تنوع في إسلوب السرد وخاصة أسلوب الراوي العليم والحوارات وذكريات إسترجاعية فقد بدء الحدث بداية من ص1 الذي سيتضح في ص151 أنها ذكريات إسترجاعية من شخصية شرنقة زوجة الشيخ مرداس ,كذلك إظهار وإتساع المعلومات والتفاصيل بشكل متدرج مرحليا في خط مسار وتصاعد أحداث الرواية من خلال إسترجاع الذكريات أو الحوارات , هناك إدخال وإقحام لاستخدام وإيراد بعض آيات القرآن الكريم في سياق بعض الحوارات وبعض المواقف قد لا يحتاجها السياق بل تكون إنطباعات وإيحاءات سلبية لا تفيد سياق الموقف والمدلول وفي غير محلها وغير مقاصدها.
الرواية توفر فيها تقنيات الرواية بأسلوب إبداعي محترف وتمتاز بتشويق القارئ ومتابعته لأحداثها باستمتاع وحماس وشغف.
خاطبت الرواية مستويات القارئ أحياناً بالتصريح وأحياناً بالإشارة تاركة تفاصيل الفهم لمستوى القارئ وخلفيته الثقافية .

رسالة الكاتب والرواية:-
الرواية تكشف الواقع ومسبباته وصيروراته ونتائجه ومآلاته المتوقعه نتيجة المقدمات الممارسة , رواية تستكشف الحقيقة , تكشف وتزجر تزجر المتسلطين المستعبدين المضرين المخادعين لغيرهم وتنبه وتوقظ المتضررين المخدوعين المقهورين , ومن ثم هي رسالة من الكاتب ودعوة إلى إعادة ترتيب قيمنا وتصوراتنا تجاه أنفسنا وتجاه بعضنا البعض كأفراد وفئات وتيارات لكي نصنع منظومة نظام وقيم وكلمة سواء في الحقوق والواجبات والسلطة والمجتمع ليتحقق لنا الكرامة والحرية والتعايش بأمن وإستقرار وسلام".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً