- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
فتحتُ باب الغرفة في دار الطلبة الذي أسكنه، لأدخل ككل مساء منذ شهر تقريبا، رأيت خطابا يدفعه أسفل الباب إلى وسط الغرفة.
فتحت الخطاب قلقا، مديرة الدار تطلبني للمقابلة، ارتعدت حقاً، ستتهمني بأني ساكن غير شرعي في غرفة طالب غائب في إجازة. كنت أدرك هذا منذ البداية، وقد احتطت لذلك بالخروج باكرا والعودة مساء وبقية النهار أقضية في مكتبة جامعة هامبورج التي ألفتها في سنوات الدراسة. زيارتي الحالية لألمانيا بصفتي دكتور دراسات تاريخية، وبمنحة قصيرة لشهرين من منظمة الداد الألمانية العريقة، ولأن السكن من أصعب الأمور وأغلاها، فقد تفضل صديق قديم بإعارتي غرفته في مبنى الطلاب لأنه سيكون مسافرا في فترة الصيف..
وخلال شهر من وجودي لم أر ما يوجب القلق فأنا ضيف خفيف الظل واتجنب لقاء الطلبة والطالبات قصدا، وإن حدث فالتحية السريعة دون رغبة في التعرف على أحد.
المظروف أمامي ولغة الرسالة فيه مهذبة كالعادة لكنها حاسمة، واليوم يوم خميس، ارتديت بدلة رسمية بقصد التأثير، دخلت الى المكتب سلمت بأدب وجلست، فردت المديرة السلام بأدب أيضا وهي لا تعرف من أنا.
مددت إليها المظروف، فهمت فورا أن الساكن غير الشرعي والمستدعى إلى مكتبها (للتحقيق) تقريبا هو من يقف أمامها.
بدأت فورا تقول بأني ساكن غير شرعي، ولا يحق لزميلي منحي الغرفة أثناء الإجازات والأكثر منعا هو التأجير المؤقت من قبل الساكن الأصلي، إن حدث.
بينت لها بالأوراق أني ضيف وأن لدي منحة علمية قصيرة من منظمة الداد وأن صاحب الغرفة الأصل منحني إياها للسكنى في فترة غيابه بحكم صعوبة العثور على سكن، ولأن الإيجارات غالية والفلوس لا تكفي..
وبعد أن استمعت بإنصات وأنا أعرض لها وضعي واستطرد أحيانا في ذكر المشروع العلمي الذي أبحث فيه وأذكر بعض الأساتذة لعل وعسى.
فاجأتني بخلاصتها المرة. انت دكتور جامعي وهذا بيت طلاب، لكن ليست هذه قضيتي بل وجودك هنا محتلا لغرفة طالب غائب برضاه وهذا ممنوع وكلاكما مخطئ..
وعندما تساءلت كيف عرفت بوجودي رغم أني أخرج صباحا وأعود مساء تبين لي أن وشاية على هيئة شكوى قدمت لها من طلبة الطابق، ومضمونها العام أن ساكنا معنا جديدا في الطابق كذا لا يحترم جدول النظافة المعلق، ولم يقم بالتنظيف في يومه المحدد. ولم ينفع قولي لها بأني لا اعرف الجدول ولم ينبهني أحد، وأني تقريبا لا أدخل المطبخ، ووعدت باحترام يوم التنظيف مستقبلا، لكنها فاجأتني بالقول لن يكون هناك مستقبل، عليك مغادرة الغرفة بعد يومين، يوم السبت بعد غد، وانها ستغلق الغرفة بمفتاحها الخاص ولن اتمكن من الدخول، وترجو ان لا اضطرها لاستدعاء الشرطة للإخلاء.
رجوتها أن تعطني مهلة أطول بحكم علمها بصعوبة العثور على بديل، لكنها رفضت بقسوة وأصرت على موقفها بالمغادرة خلال يومين.
في ذلك المساء، مساء الخميس، قلت أذهب إلى مقهى الأباتون وهو مقهى شهير مجاور لجامعة هامبورج، يؤمه الطلاب الحاليون والسابقون وقد ألفناه وألفنا سنين عددا، اتصلت بصديق مصري مقيم للقاء هناك كي نتباحث في أمر العثور على سكن خلال يومين..
ذهبت إلى هناك، التقيت الزميل المصري وبثثته شكواي، ولم يكن عنده حل سريع خلال يومين.
بعد قليل دخل رجل ألماني طويل القامة عريض المنكبين، ممتلئ الجسم، عرفني فورا وعرفته حياني بشوق ومحبه وفعلت مثله، سأل إن كان يستطيع الجلوس معنا، قلنا تفضل.
نسيت اسمه، غالبا ما انسى الأسماء وأتذكر الصور والحوادث والحوارات. وهذا الألماني الذي التقيه هذا المساء بالصدفة بعد ما يقارب الثماني سنوات، كان زميلا لي يدرس معي في معهد الاستشراق، وكان يخبرني أيام الدراسة أنه متدين جدا ويعمل مبشرا في جهات المغرب العربي وأنه يدرس تاريخ الإسلام والاستشراق ليستعين بهما على فهم الاسلام ليعرف كيف يقنع المسلمين في المغرب العربي بالتحول إلى المسيحية.
كنت أخوض معه حوارات ساخنة حول الإسلام والمسيحية وحول فكرة التبشير أصلا، التي لا أقرها، لاسيما حين يكون النشاط بين مسلمين لهم إيمانهم. كانت غيرتي يومها على الإسلام وعلى المغرب العربي تدفعني لخوض نقاشات عنيفة معه، مقتنعا وما أزال، أن الله واحد، إله جميع الخلق، والأديان مجرد طرق للعلاقة معه، ولا داعي لإثبات ان هذا الطريق أفضل من تلك، طالما الإيمان بالله حاصل حاصل، وأن تحول القناعات في حال حصولها، لا ينبغي أن تكون تحت تأثير منظم مثل التبشير الذي يعد ركنا مكينا في النشاط المسيحي.
وقد كان النقاش يحتد أحيانا فيدافع هو عن فكرة التثليث وأدافع أنا عن فكرة التوحيد. وأن المسلم إجمالا في موقع أقوى في أي حوار جدي بين الأديان لأنه يقر الأنبياء. السابقين والرسل، وأن فكرة التثليث أصلا تعد معوقا من معوقات الإيمان المسيحي النقي فكيف حين تقدم ليقنع بها قوم يقرأون( قل هو الله أحد، الله الصمد.... )
ظلت هذه العلاقة هكذا معه ومع زميل ألماني آخر يعمل كذلك في التبشير وعميق الصلة بالكنيسة، وكانا يدعواني لحضور بعض انشطتهما، ثم يصيبهما يأس من قناعاتي وأفكاري ورؤيتي لتاريخ الأديان وما تراكم عليها من فظاعات في التاريخ.
هذا المساء تحديدا، وأنا مهموم مغموم، وبعد ثماني سنوات وأكثر أقابل هذا الألماني المبشر، بعد الترحاب والسلام عرفت أنه صار قُسا في إحدى الكنائس القريبة من المقهى. انتهزتها فرصة لأسأل: هل لا يزال لفكرة الحب المسيحية حضور ؟ وأن من لطمك في خدك الأيمن صعر له الأيسر ؟ وأن من طلب طاقيتك اعطه جبتك؟ قال نعم؟ قلت لا أظن. لا أثر لهذا السلوك عند مديرة دار الطلبة، ثم شرحت له الأمر وأنها هددتني بالطرد من الغرفة وأعطتني يومين مهله، ولم أر عندها أثرا لثقافة المسيح بل لصرامة القانون الألمانية..
فكانت المفاجأة، عرض علي السكن في غرفته في الكنيسة، لأنه مسافر لأسبانيا غدا بعد الظهر، وقد تلطف في العرض وقال إن كان لا يزعجك أن تسكن في كنيسة، فأنا اعرض عليك غرفتي، ونبهني إلى أن صور عيسى عليه السلام ومجسماته معلقة في غرفته وفي كل مكان، فإن كان هذا لن يزعجني فسيسلمني الغرفة غدا الجمعة لأنه سيطير بعد الظهر وسيمكث هناك فترة شهرين وكنت أنا محتاجا لشهر واحد إضافي فقط. وبعد الانتهاء يمكنني ترك المفتاح معلقا في قفل الغرفة وأمضي.
بقوله هذا انفتحت لي أبواب السموات، وشكرت الله، قبلت عرضه شاكرا مسرورا، بل رأيتها واحدة من الكرامات التي استوجبت شكرا استثنائيا، إذ ينقذني الله من ورطة الطرد من سكن لأكون في بيته عبر قس مسيحي.
قمت معه أنا وزميلي المصري. دخلنا الكنيسة ثم استعملنا درجا جانبيا فوصلنا إلى غرفة مكتظة بكتب وجدرانها تمتلأ بصور المسيح وبعض المجسمات، لكنها غرفة واسعة وأنيقة ولها حمام واسع نظيف، اتصل بأحدهم يخبره أن صديقه المسلم الدكتور فلان سيمكث في غرفته أثناء غيابه. وبهذا الاخطار تم كل شيء.
في صباح الجمعة، وكانت مديرة الدار في مكتبها، ذهبت إليها أجر حقيبتي ورائي وأعلمها أني سأترك الدار فورا، فاستغربت كيف أحصل على غرفة بهذه السرعة، فقلت لها: سأسكن في كنيسة، قالت متعجبة: هل أنت مسيحي؟ قلت لا، لكن سأكون في ضيافة المسيح، فحركت رأسها مندهشة، قلت سأذهب للسكنى في غرفة قس مسيحي في كنيسة كذا، وعلي أن اشكر قسوتك جدا لأني سأسكن في موقع أفضل وسأكون قريبا من مكتبة الجامعة ولن استعمل المواصلات.. فشكرا لقسوتك، وشكرا لزميلي القس المسيحي على صنيعه ومعروفه.
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر