الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قصة قصيرة
الرجل المنبوذ - عبدالرقيب طاهر
الساعة 14:06 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 
                                                 
 
# هل تودُ تدوين كل مايجول بخاطرك في هذا المساء  ياسيدي ؟ ..
لا - لا أرغب أن أقضي بقية ليلتي هذه  في السجن  ..
# إذاٍ ربما تنوي أن تنهي قرأة قصة ( آرسين لوبين ) فقد ناصفتها ليلة البارحة ..
لم أعد متشوق لسماع نهاية الرواية فلم تعد تثيرني مغامرات  اللصوص ، فالمكان يعج بهم  هنا ياعزيزي  ..

هكذا يشعر بأن شخصاً ما يقطنه و يحادثه أيضاً ، حينما يسدل المساء أستاره ويتلاشى ضوء النهار ، أحياناً يتحدث مع نفسه بصوت عال لدرجة إن الجيران يحسوا بصخب صوته المرتفع ، وكأن هناك ثمة شخصان يتشاجران فيما بينهما ، وقف أمام المرآة التي تحتلُ نصف مساحة جدار غرفته المطلة على شارع رمسيس الثاني  ، كان ينظر لنفسه في المرآة  ، فقد غزى الشيب جوانب رأسه وناصف لحيته لون البياض وكذا شاربه أيضاً ، أرخى ربطة عنقه قليلاً كان يشعر بالإختناق وكأن يداً تطوق عنقه  ...

ينظر نحو صورته المنعكسة في المرآه و يتساأل من أنت ؟!!
# أنا ظلك الذي لا يفارقك ، أنا رفيقك منذُ ولادتك ، أعيشُ معك وأنام معك وأأكل معك ، هكذا يشعر بالجواب يأتيه من مكان قريب ويتردد الصدى في أعماق روحه ..

يصيحُ بأعلى صوته كفى كفى اللعنة عليك اللعنة عليك .. دعني و شأني ، أغرب عن وجهي ، ويضرب رأسه بكلتا يديه ....

منذُ أن فجر الطيران بيته ، ولقت زوجته وأبنائها الثلاثة حتفهم تحت ضربة غاشمة أعتذر عنها الحلفاء بأنها كانت ثمة خطاء حربي فادح غير مقصود   ..

فقد غادر الوطن حينها بغير رجعة وترك كل شيء وراءهُ هناك. أمٌ عجوز و أبُُ مصاب بمرض الفشل الكلوي ، وبعض من الأخوة و الأصدقاء الذين لم تقتاتهم الحرب بعد ، وركام منزل هدمته حرب مسعورة ، فبقت على بعض من جدرانه شاهدة على حياة أسرة كانت تعيش فيه بعز ورغد ذات يوم ..

 كل تلك الذكريات تعصف بروحه كلما داهمته نوبة منها عند المساء ، تغشاه حينها موجة من هلوساته الصاخبة  ...

يعمل صحفي منذُ ما يقارب عقدين من الزمن قابل الكثير من الزعماء وشارك في الكثير من المؤتمرات والندوات الإعلامية ، وفي حوزته الكثير من الأسرار لشخصيات سياسية كبيرة ..

كان يرأس قسم التحقيقات  الصحفية في كُبرى صحف المعارضة ، حصل على قرار تعين الناطق الإعلامي لحكومة إتلافية ظمت كل أطياف العمل السياسي إبان استقرار بلاده في عدد من الحكومات المتعاقبة  .....

يعيش الآن منبوذاً في هذه الغرفة الصغيرة في بلد غير بلده . حين يعود عند المساء يخلع بدلته الرسمية ومن ثم يرتدي  زيه الشعبي القديم الذي كان يروق لشريكة حياته  أن تراه فيها  ....

دخل في نوبة من الضحك الهستيري لبضع دقائق معدودة  ثم صاح بأعلى صوته  اللعنة عليكم جميعاً اللعنة عليكم جميعاً  يا أوغاد فقد بعتم الوطن بثمنٍ بخس  ...

صمت لحظة ثم قال اللعنة عليا أيضاً ، حتى أنا واحد منكم أستحقها ، جميعنا بعنا وتخلينا عن الوطن ... 

# أنت رجل جبان تخشى الموت لذا أنت هنا بعد أن نفذت بجلدك لتعيش مشرد كا الكلب الظال في بلد غير بلدك رجل منبوذ و منسي لا أحد يهتم لأمره  ....

يرتمي على سريره ثم يمد كلتا يديه وكأنه يعتزم الطيران في الهواء فترتفع روحه نحو السماء ويصيح أين عزرائيل ؟ تعال ياصديقي الجميل تعال الليلة هنا إلى جواري تعال نحتسى الشاي والشراب ، لماذا هل تخشى رؤيتي أم تصعب عليك أخذ روحي ؟ ثم يقهقه بصوته الجهوري حتى يخالطه البكاء كا رضيع فقد ثدي أمه ...

#  روحك النتنة لا يرغب عزرائيل في إصطيادها كا سمكة قرش يتحاشاها الجميع  ، روحك لم تعد صالحة للبقاء ولم تعد صالحة للفناء أيضا ، فيجدر بها أن تتحول الى روح شريرة تقطن كلب أجرب أو قط أعور  ..

يشعر بهمس في أذنه كصوت فحيح ثعبان أزرق ، سوف أفشي عن أسرارك القبيحة ، سا أحدث العالم كله كيف كنت عميلاً سرياً ومخبراً توشي برفقا السلاح وزملاء المهنة ، سا أخبرهم عنك كيف كان لك يد في مساعدة قتلة جمعة  الكرامة ، وكيف كان لك باع كبير في تفجير جامع النهدين ، أين ستذهب من العقاب أيها الغشاش والفاسد الكبير  ، هل نسيت نفسك وأنت تقود مجاميع مسلحة في شارع الحصبة ، وشارع التحرير والروضة وباب اليمن ، ومن ثما تكتب في عمودك الصحفي تؤجج الصراع بين الإخوة فقط لأجل أسيادك و تغطي الأحداث لتحجب عين الحقيقة عن الناس   ..

# هل أنت راضي الآن بما وصل له حال الوطن ؟
يصيح بأعلى صوته وهو ينظر لنفسه في المرآة الكبيرة ، ليس لي وطن أنا رجل منبوذ ضاع مني كل شيء ، فقدت أولادي وزوجتي وكل شيء غالي ذهب أدراج الرياح  ، ثم يرمي المرآة بإحدى فردات حذائه المهترئة ، فتتهشم لتحدث صوت تحطم كبير ...

أختفت صورته بعد أن تهشمت المرآة  أحس بالراحة نوعاً ما . وكأنه تغلب على عدو لدود يطارده منذُ أمد بعيد ، أستلقى على ظهره وباعد بين رجليه ويديه ثم أستسلم  إلى النوم ، شعر إن هذه الليلة مختلفة عن سابقتها فقد أنتصر على الرجل المنبوذ  .....

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص