الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
المجتمع العربي وقضاياه في نتاج نزار قباني وأدونيس - ثابت القوطاري
الساعة 17:51 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

لا تزال نار الحرب العربية العربية منذ (داحس والغبراء)، والحرب العربية الغربية منذ (الفتوحات الإسلامية والحروب الصليبية) وحتى اللحظة من القرن الحادي والعشرين مشتعلة ومتأججة، لم يصحوا العرب منها على امتداد أربعة عشر قرناً، ولم يصلوا معها إلى نتيجة قطعية، يستطيعون من خلالها تحديد المستقبل ورسم ملامحه، وإنشاء مجتمع مدني حديث.
هذه الحرب وما بداخلها من حركات وثورات وتمردات قد دفعت الأديب والمفكر العربي على امتداد التاريخ للتفتيش والبحث والقراءة والإنتاج، لتضيف من خلال ذلك أشياءً كثيرة على المستوى الفكري والاجتماعي والسياسي، وتحدث تحولات مختلفة في المجتمع العربي، وبخاصة بعد نكسة حزيران عام 1967م، ويكفي هنا أن أشير – مِن وجهة نظري- إلى نموذجين اثنين: نزار قباني، وأدونيس، لأرى- بصورة مقتضبة- مدى تأثير هذه الأحداث في نتاجهما، ومواقفهما من القضايا والمجتمعات العربية.
عرفنا نزار قباني شاعر المرأة والحُبِّ وأغفلنا عن شعره السياسي والثوري والوطني والذي يقول عنه نزار:" إنَّ شعري كلّه وطني، ابتداءً من أول فاصلة حتى آخر نقطة فيه[...] وأنا أعتبر أنَّ محطة الشعر السياسي هي محطة رئيسة في كتاباتي لأنَّ الإنسان العربي مُسيس حتى نخاعه الشوكي"، فنزار كان يعاود الهم الوطني كلما اشتدّ وشده ابتداءً من قصيدة (خبز وحشيش وقمر عام 1954م، إلى آخر ما كتبه في هذا الشأن، فهو لم يترك حدثاً سياسياً مضطرباً أو جواً سياسياً غائماً إلاَّ أمطر فيه من وابل قوميته. وقد ازداد شعره حدة، وبلغ مداه في نكسة حزيران عام 1967م حيث أنتج على إثرها رائعته السياسية (هوامش على دفتر النكسة) والتي كانت نموذجاً للشعر الثوري العربي، وقد مضى نزار قباني متفائلاً في أشعاره السياسية حتى بعد النكسة وتعد قصيدته (في انتظار غودو) مثالاً واضحاً على ذلك. ومَن يتتبع شعر نزار السياسي سيجده مليئاً بروح المقاومة، يفيض بروح الحماس والصمود ولنا في (ثلاثية أطفال الحجارة) خير مثال على ذلك، وصورة واضحة على تبنيه القضية الفلسطينية وانتفاضتها. إلاَّ أن نزار يحمل وجهاً سياسياً آخر، تظهر في ملامحه القسوة والعنف وجلد الذات، وقد انعكس كلُّ ذلك على العرب والعروبة في أشعاره، فقد جرحته آلام العروبة فنظم شعراً لاذعاً علَّ الأمة العربية تستفيق من غفوتها، ويدرك الإنسان العربي عيوبه التي تحيط به، ومكامن ضعفه التي تستحوذ عليه ليتحرر منها ويتغلب عليها، وفي هذا الجانب يقول عبد العزيز شرف:" لا يكتب [نزار] عن شماتة، بل يكتب عن ألم ونزيف وحسن نيّة، ورغبة في أن يهزَّ الواقع العربي المليء بالأخطاء، والقابل للهزيمة والانكسار، لعلنا نستطيع أن نخلق واقعاً جديداً أرقى وأصلب وأكثر قابلية لمواجهة المصاعب والأزمات". ويعبر نزار عن هذه الحدة بقوله:" أنا أحمل سيخاً من النار أكوي به جسد الأمة العربية...إذا كان عندك مريضاً وتحبه وتريد أن تشفيه، ويقولون لك ليس هناك وسيلة لشفائه سوى الكي فأنت تلجأ إلى الكي" ولا تستطيع الدراسات النقدية أن تنكر الهجمات الشرسة، والقسوة على الذات وعلى العروبة في شعر نزار، وبخاصة أن جرأته السياسية في شعره لا تعرف الخطوط الحمراء، فقد كان نزار يصف الواقع العربي وصفاً فوتوغرافياً دقيقاً، كاشفاً عنه بصدق دون هوادة. ويرى نبيه قاسم أن شعر نزار السياسي "صواعق نزلت على الحكام وأتباعهم، وقنابل حارقة توجهها الأجيال العربية الصاعدة في وجه الرجعيين والخونة". إلاَّ أن جهاد فاضل يرى في شعر نزار السياسي عامل إحباط وتدمير للأمة العربية، كونه وصل في قسوته إلى منتهاها، ويقول نبيل خالد:" لقد وصل نزار إلى سلبية مدمرة حين حول فوهة شعره من حماية المد الثوري ومقاتلة الأعداء إلى مقاتلة العرب أنفسهم، وتفجير مقومات عروبتهم". ويقول نزار:" إذا كان البعض يصف أنَّ موقفي تدميري فأنا مع التدمير إلى إشعار آخر". ومواقف نزار قباني من العرب والعروبة هي نابعة من"يأسه من هذا الوطن" كما يرى بروين حبيب، فحين طُلب منه العودة إلى وطنه العربي من منفاه الاختياري في لندن قال:" أنا لا أعود الوطن العربي، لأعود إلى المأساة"، وفي لندن عام 1994م كتب أحد أبرز قصائده الحادة والصارخة، الغاضبة على الوضع العربي المتردي والمعنونة بـ(متى يعلنون وفاة العرب)، وحين سُئل نزار عن هذه القصيدة وما بلغ به التشاؤم ليكون بهذه الحدة أجاب:" عندما يموت العرب سياسياً فمن الطبيعي أن يموتوا فكرياً، وإبداعياً...فالموت وحدة متكاملة، وليس هناك موت بالتقسيط"، وتكمن مشكلة العالم العربي في رأيه في التخلف وسيادة التفكير الضيق، ودبلوماسية الوساطة والتوكيلات، "فسلوكنا السياسي هو مجموعة من السلبيات وسلسلة طويلة من الجبرية والقدرية"، وكان نزار يرى أن أزمة العقل العربي هي أزمة إبداع وشجاعة، فالعقل العربي لا يواجه ما يجري في العالم بشجاعة، وهذا ما نجده لدى الشاعر والمفكر العربي الكبير أدونيس والذي يؤكد مراراً بأنَّ العرب لم يستطيعوا إنتاج معرفة منذ سقوط بغداد عام 1258م، وأنَّ الثقافة العربية مريضة، فقد أصبح المثقف العربي يُقتل أو ينتحر يومياً. ولا يرى أدونيس أيُّ بارقة أمل في الأفق وبخاصة بعد أحداث الربيع العربي، حيث يقول:" أمامنا مهاوٍ كثيرة، فنحن اليوم في مرحلة انقراض ولسنا في مرحلة ثورة ولا مرحلة نهوض، نحن بحيرة تجف مليئة بالسمك يأكل بعضه بعضاً بعماوة وبضلالة كاملة، فهذا يقتلك باسم القومية، وذاك يقتلك باسم الدين، وهذا يقتلك باسم القبيلة...إلخ". ويرجع أدونيس في رأيه هذا إلى نتيجة قراءته للتراث العربي في أطروحته التي تقدم بها للدكتوراه (الثابت والمتحول/ بحث في الإبداع والإتباع عند العرب 1973م) حيث يؤكد على أنَّ التراث العربي لا يعترف بالإنسان الفرد الحر المستقل، ولا سبيل للعرب للخروج من هذا الوضع الراهن، والمأزق الخطير الذي وصلوا إليه" إلاَّ بالخروج من هذا السياق التاريخي إلى سياق آخر، والسياق الآخر هو القطيعة الكاملة مع الماضي (مع أربعة عشر قرناً) وتأسيس مجتمع جديد، على أساس القانون وحرية المرأة، ونشوء الفرد الحرّ المستقل". ويقول أدونيس "ما زلنا شعوباً وقبائل ونعيش في عصر الغزو والفتوحات، لم ننتقل على الإطلاق إلى بناء مجتمع واحدٍ مدني في الوطن العربي، وما أدى إلى ضياع الربيع العربي هو تفتت قوى الثورة وغياب المشروع"، رافضاً خروج المسيرات والثورات من الجوامع، وحين يتطرق أدونيس إلى الإسلام يجد أن " الإسلام بوصفه رسالة قد انتهى بموت النبي محمد، وتحول مباشرة إلى إيديولوجيا منذ الخلافة الأولى"، كما أنَّ أدونيس يرفض فكرة الدولة الدينية، أو أن يكون دين الدولة هو الإسلام، فذلك – من وجهة نظره- سبباً رئيساً في تأخر العرب، فالإسلام بالنسبة له رسالة وليس دولة، ويدعو أدونيس في أكثر من موضع إلى وجوب "تحول الإسلام إلى دين فردي لا دين جماعي أو دين دولة، ودون ذلك يستحيل التقدم" وقال:" الدين قوي، لا يجب أن يخاف من الحرية". كما أنَّ أدونيس يؤكد عدم وجود ديمقراطية في الدول العربية، ويقول أنَّ الدكتاتورية الدينية، أشد خطراً من الدكتاتورية العسكرية، لأنَّ الأولى تقتلك باسم الله، كما أنّه لا يبرر للثانية، ولا يؤيد النظام الواحدي على حد تعبيره.


صنعاء
١٨/يونيو/٢٠٢٠م.

مراجع الموضوع
__________

1- جدلية نزار قباني في النقد العربي الحديث، علي أحمد العرود- الأردن.
2- أسرار القصائد الممنوعة لشاعر الحُبِّ والحرية، محمد رضوان_دار الكتاب العربي ط1 2004م.
3- نزار قباني أمير الحرية وفارس العشق، د/حسام الخطيب. منشورات ضفاف، ط12014م.
4- الثابت والمتحول، أدونيس/ لبنان ط10 2011م.
5- مقابلات أدونيس في عدد من القنوات التلفزيونية.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً