الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
النقد الثقافي نشاط عابر للتخصصات - مصطفى لغتيري
الساعة 17:07 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


يعد النقد الثقافي من مستجدات النقد الأدبي، وقد وجد له أرضا خصبة في الولايات المتدة الأمريكية بعد أن روج له  الناقد الأميركي فنسنت ليتش في كتابه “النقد الأدبي الأميركي"عام 1988، ثم انتشر في ما بعد في الوطن العربي بفضل دراسات عبدالله الغدامي، التي اهتمت خصوصا بتحليل ودراسة النص الشعري.
رغبة منا في فهم أكبر لهذا التوجه النقدي، الذي طرح إشكالات عدة في مفهومه وفي المنهج أو المناهج التي يعتمدها في دراسة النص الأدبي، طرحنا مجموعة من الأسئلة في هذا الصدد على عدد من المهتمين بالنقد الأدبي، فجاءت الأجوبة متعددة ومتشعبة تشعب الموضوع المطروح، فكان من بين المتدخلين محمد البوركي الذي قال بأن النقد الثقافي استفاد عند ظهوره من البنيوية اللسانية، والأنتروبولوجيا، والتفكيكية، ونقد ما بعد الحداثة، والحركة النسوية، ونقد الجنوسة، وأطروحات مابعد الاستعمارية، وهو يسعى إلى مقاربة النصوص الأدبية، من خلال إعادة وضعها داخل سياقها السياسي والاجتماعي الذي أنتجها؛ وذلك على اعتبار أن النص علامة ثقافية بالدرجة الأولى، قبل أن يكون قيمة جمالية. ومن ثم، فهو لايتعامل مع النصوص والخطابات الجمالية والفنية على أنها رموز جمالية ومجازات شكلية موحية، بل على أنها أنساق ثقافية مضمرة تعكس مجموعة من السياقات الثقافية التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والقيم الحضارية والإنسانية، فيحاول استكشاف أنساقها الثقافية المضمرة غير الواعية، معتمدا في ذلك على أدوات منهجية متنوعة مسنثمرا مفاهيم علم النفس والسوسيولوجيا والفلسفة والتاريخ والتفكيكية من أجل الكشف عن المسكوت عنه من الإشكالات الأيديولوجية وأنساق التمثيل ضمن رؤية انتقادية وظيفية لكل ماهو رسمي جاهز.  
 ويضيف محمد البوركي أن النقد الثقافي لم يتبلور منهجيا إلا مع الناقد الأميركي فنسنت ليتش الذي أصدرسنة 1992م كتابا قيما بعنوان:" النقد الثقافي:نظرية الأدب لما بعد الحداثة"، وقد وظف منهجية حفرية لتعرية الخطابات، بغية استكناه الأنساق الثقافية واستكشافها مع التركيز على الأنظمة العقلية واللاعقلية للظواهر النصية لرصد الأبعاد الإيديولوجية، متأثرا في ذلك بجاك ديريدا، ورولان بارت، وميشيل فوكو.
ومن النقاد العرب الذين انبهروا بالنقد الثقافي نجد في طليعتهم: عبد الله الغذامي في مجموعة من كتبه النظرية والتطبيقية، مثل: "النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية الغربية")، وكتاب :"تأنيث القصيدة والقارىء المختلف" وكتاب: "نقد ثقافي أم نقد أدبي" ، ومحمد جاسم الموسوي في كتابه " النظرية والنقد الثقافي"،  وكذلك صلاح قنصوه في كتابه " تمارين في النقد الثقافي". 
أما رضوان المتوكل فيرى أن النقد الثقافي يعتبر من أبرز الظواهر الأدبية التي رافقت ما بعد الحداثة في مجالي الأدب والنقد، حيث استهدف هدم البلاغة والاتجاه الفني، وبناء براديغم جديد يتمثل في هذا المنهج الثقافي الذي يروم اكتشاف الأنساق الثقافية المضمرة. والنقد الثقافي كذلك مقاربة متعددة الاختصاصات يستثمر كل الإمكانات المتاحة مثل علم النفس والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وغيرها. ومن خصائص هذا الاتجاه أنه يكشف العيوب النسقية التي تعتري الثقافة والسلوك معا، وكذا تعرية خطاب المؤسسات، وفضح أساليبها في فرض ما تريده.
ومن أهم ممثلي النقد الثقافي عالميا نذكر الناقد الأمريكي فينيتس ليتش صاحب كتاب " النقد الأدبي الأمريكي: من الثلاثينيات إلى الثمانينيات"، وميشيل فوكو وبيير بورديو، وجاك دريدا، وغيرهم. أما عربيا فيبزغ اسم الناقد عبد الله الغدامي في بعض كتبه مثل كتاب " النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية "، وكذا صلاح قنصوة في كتابه " تمارين في النقد الثقافي "، ومحمد جاسم الموسوي في كتابه " النظرية والنقد الثقافي"، وغيرهم. 
فيما اعتبرت حبيبة خيموش النقد الثقافي آلية من بين الأليات التي تسعى لقراءة النصوص ودراسة الأنساق العربية وتحليلها ومعرفة علاقتها بالخطاب، ينكب هذا الخطاب على النصوص والخطابات الدينية والفنية والجمالية في ضوء معايير ثقافية وسياسية واجتماعية وأخلاقية بعيدا عن المعايير الجمالية والفنية.
جاء هذا النقد- تضيف حبيبة خيموش- كرد على المدارس الأخرى التي وصلت إلى سن اليأس فأصبحت معها البلاغة العربية بأبوابها التلاثة (البيان.المعاني.البديع) لا تجدي نفعا، وعليه فالنقد الثقافي يدرس الأدب باعتباره ظاهرة ثقافية ويربط النصوص بسياقاتها الثقافية غير المعلنة والتي تعكس مجموعة من الحمولات الثقافية والتاريخية... وهذه نقطة أساسية لدى لرواد هذا المنهج، حيث يتعاملون مع الأعمال الأدبية باعتبارها نسقا ثقافيا خفيا وليس نصا عاديا. ومن أبرز المتأثرين بهذا المنهج نجد غربيا: الأمريكي "فينيتس" و"جون جاك دريدا".
وعلى الساحة العربية نذكر" نادر كاظم" و"علي الوردي" ثم الدكتور "عبد الله الغدامي" الذي قدم منجزات مهمة في النقد الثقافي بالوطن العربي ومعه سن ووضع النقد الثقافي اللبنة الأساس حيث انطلقت معه الدراسات والقراءات الثقافية واضعة النص الأدبي بجميع أصنافه تحث مجهرالنقد الثقافي وإجراءاته.
فيما يبدأ علي لهبوب مداخلته بزعم  يعتبر النقد الثقافي  نشاطا " عابر للتخصصات " لأنه غير مرتبط بمجال معين. كما أنه لا يعد منهجا مستقلا مثل المناهج النقدية الأخرى. وقد أثار هذا النقد الثقافي جدلا واسعا في صفوف  المهتمين بالشأن الثقافي. وانحصر هذا الجدل في تحديد بدايات النقد  الثقافي وتحديد علاقته بالنقدي الأدبي والبلاغة. 
الا أن اغلب الاراء النقدية تذهب الى أن الأمريكي ليتش هو رائد النقد الثقافي، حيث أشار إلى  أن الهدف العام من وراء  هذا النقد يكمن في " دراسة القيم والمؤسسات والخطابات  الموروثة في إطار أصولها وتكوينها وآثارها السياسية والاجتماعية والجمالية. 
أما في العالم العربي فإن أغلب الدراسات تشير إلى أن الناقد  عبدالله الغدامي هو مؤسس النقد الثقافي من خلاله كتابه المعروف.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً