الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
شمس الشموس الشيخ أبو الغيث بن جميل - علوان مهدي الجيلاني
الساعة 17:14 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

شمس الشموس
الشيخ أبو الغيث بن جميل(651- 1254م)
هو شيخ شيوخ اليمن وأعلاهم رتبة ، وأكثرهم عمقاً وتأثيراً ، وهو صاحب السيرة الأكثر عصفاً وتعباً وتمرداً ومجاهدات ، وهو الحاضر الأول في المدونات التاريخية والصوفية بين كل صوفية اليمن وأوليائها ، تتفق المرويات كلها على وضعه دائماً في سياقات كبار متصوفة العالم الإسلامي بدءأ من البسطامي والحلاج والجنيد وحتى الجيلاني والغوث أبي مدين وابن عربي .
الدكتور يوسف زيدان يرى أن ما قاله شمس الشموس عن الخيال يعتبر الأكثر عمقاً من بين كل ما قيل ويقارنه بما قاله ابن عربي في هذا السياق ، أما أراؤه في الفرق بين النبوة والولاية فيعدها متجاوزة لكل ماطرح حول هذه الاشكالية منذ الحكيم الترمذي وحتى ابن عربي وصولا إلى عبد الكريم الجيلي . هذا فيما يخص الجانب الفلسفي العميق .
أما على مستوى التأثير الإجتماعي والسياسي وعلى مستوى الحركة الصوفية فقد كان الشيخ أبو الغيث هو الأكثر تأثيراً في الواقع والأكثر تقديراً عند المؤرخين ومصنفي السير والطبقات . فقد أسس وأمر بتأسيس ما يقرب من خمسين رباطاً علمياً توزعت من ظفار في عمان إلى مكة والمدينة ، وكان أشهر أولياء وعلماء وحكام ووجهاء زمانه أتباعاً له مثل السلطان المظفر أعظم حكام الدولة الرسولية ، والباهوت الأكبر أحمد بن علوان ، وفقيها اليمن أحمد بن عجيل واسماعيل الحضرمي والفقهاء الحريري والسباعي والتباعي ، والمشايخ من بني حشيبر وعيسى بن حجاج وفيروز والنجري والنهاري وابن صفيح وابن مليكة والهجاري والشريف الدمشقي والمقروضي صاحب حيد الولي في خاو
والهمداني الصنعاني صاحب الرباط الغيثي في إب وبا عباد الحضرمي وغيرهم عشرات عشرات .
بل لقد انتشرت طريقته خارج اليمن في الحبشة ومصر ، ففي مصر ما يزال أتباع الطريق الغيطية (الغيثية) يجوبون الموالد والمناسبات في مدن مصر وكفورها ونجوعها وقراها ينشدون ويدورون على ضربات الدفوف ويروون قصة توبة شيخهم أبي الغيث بن جميل الملقب بشمس الشموس وكيف كان في بداية أمره يقطع الطريق في اليمن.

ولد شمس الشموس أبو الغيث بن جميل في منطقة أسلم من بلاد حجور وأحاطت بمولده أساطير تفوق الخيال وتستحضر معجزة ولادة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام .
لكنه نشأ في بيئة غير صالحة فبين السادسة عشرة والثامنة عشرة من عمره كان يقطع الطريق في جهات حرض مع مجموعة من أقاربه .
وذات يوم صعد شجرة يترصد المواعدة القادمين سمع صوتا يقول له (ياصاحب العين عليك العين ) ، فنزل وقد تغير وجهه ، وتغيرت وجهته إلى الأبد فاتجه إلى زبيد لتبدأ رحلة استمرت قرابة ثلاثين عاماً تنقل خلالها بين الشيوخ علي ابن أفلح وعيسى الهتار والبجلي والحكمي والمعيني والأهدل وعلى يد الأهدل فتح عليه .
اتجه بعدها إلى حجة فأقام الدنيا وأقعدها ونزل معه بعشرات الشيوخ والفقهاء ، ثم حل في دير عطاء بإشارة الأهدل حيث استقبله كبيرها أحمد بن عطاء وهو الرجل الذي حملت قبيلة العطاوية اسمه فيما بعد .
وعلى مدار خمسين عاماً قضاها في دير عطاء ، تحول المكان وناسه ومعه اليمن كلها إلى عجينة في يد أبي الغيث يشكلها كيفما يشاء ، يهابه الحكام والعلماء ، ويقف الفقهاء أمام انفلاتاته مبهوتين ، وتنقاد له العامة بعد أن مد ظلال أخلاق العناية عليهم حتى لقد قال المؤرخ وعلامة الحرمين اليافعي إنه رأى الرسول صلوات الله وسلامه عليه يقوله له : أبوالغيث أب لمن لا أب له . ولذلك اعتبره أهم العشرة الكبار.
وقد تغنى به الشعراء كثيراً قال الباهوت الأكبر أحمد بن علوان في التشوق إلى لقائه :
يهدي السلام معززاً وموقرا ومبجلاً ومعظماً ومقدرا
ويقابل النادي بوادي سرددٍ مستقبلاً ومقبلاً ومعفرا
فلذلك النادي ملاً فاق الملا ولذلك الوادي ثرىً فاق الثرى
ويود لو أن ينطوي بكتابه فيكون ألفاظاً به أو أسطرا
وقال قطب الحرمين اليافعي :
لنا سيد كم فاق بالفضل سيداً مآثره سارت بكل مكان
إذا أهل قطر فاخروا بشيوخهم ابوالغيث فينا فخر كل يمان
بعد موته ستتأكد مكانته أكثر فأكثر ، سأل رجل الشريف أحمد بن عمرالزيلعي عن أهم رجالات اليمن فقال له : في اليمن شيخ وفقيه ، فسأله أن يخصص أو يسمي ، فقال : الشيخ أبو الغيث بن جميل والفقيه أحمد بن موسى عجيل .
الأهم من ذلك أن كتابه (مرقوم الحقائق) تحول إلى حجة لأصحاب التصوف الفلسفي في اليمن منذ نهاية القرن السابع وحتى القرن الثاني عشر ، حيث كانت مكانته واحترامه تؤثران جداً في عمليات التلقي ، وتفرضان مواضعات غير قابلة للتحدي .
وتخصص كبار الأولياء والعلماء في تفسير كلامة وعلى رأسهم سلطان العارفين الجبرتي وابو بكر بن أبي حربة والإمام اليافعي ،وعبد الكريم الجيلي والمزجاجي وحقي وابن حجر الهيثمي وغيرهم وألف قاضي قضاة اليمن العلامة أحمد بن أبي بكر الرداد رسالتين الأولى في تفسير قوله ( إن البلاد التي كنا فيها قديماً ) والثانية في تفسير قوله (خضنا بحراً وقف الأنبياء على ساحله).
يلقب شمس الشموس بحامي حمى اليمن ، (أبو أربعة أعين) ، ( وصاحب الغيث ) ، و( قطرة القنديل ) ووراء كل واحد من من هذه الالقاب حكايات يطول شرحها ، سيجدها القارىء في كتابي (شمس الشموس أبو الغيث بن جميل اليمني ،(حياته وتحولاته وآثاره )
كلام شمس الشموس في علوم الحقائق من النوع العالي وفيه من المعاني ( الغامضات الدقائق ما لا يفهمه إلا الخواص من الخلائق ومن العطايا، ومن المواهب الجسام ما لا ينال إلا من فيض فضل الله العظيم).
وهذا تطواف مع بعض من فيضواته الهائلة :
-1-

- هداك الله إلى شراب ماء عين، من حسا منها حسوة واحدة عدم عقله، فإن أكثر مما ذكرناه ادعى الربوبية، ودل على ضعفه لأن من كان قبلنا كان بهذا الوصف، لكن لباس ثوب العبودية لنا أكمل وأجمل، وذلك أقصى ما نروم ونطلب.

-2-

- كل خيال نقاب لوجه الأمر العزيزي، والأمر العزيزي نقاب لجلال جمال سبحات وجه الله الكريم فرضاً، لئلا يبرز من ذلك الجلال ذرة، فلا يبقى أحد من الثقلين،ولا من سواهما يعرف لله طاعة ولا عصياناً.

-3-
وقال أيضاً: كنت عند ابن أفلح لؤلؤة بهما، فثقبها الأهدل، وعلقها في عنقي
قال اليافعي معلقاً على هذه العبارة: كأنه يشير إلى أن محاسن أحواله المشكورة كانت عند ابن أفلح مستورة، فلما صحب الأهدل أظهر محاسنه التي يجليها عليه لكل من يجتليها .
-4-

- يجب على من نزلت به أخلاط أول ما يبدأ استخراج القيء بريشه خوف الفوت، ويغتسل بعد ذلك من ماء عين الندامة بقصد العزلة في كهف جبل الانقطاع آيسًا من الأنس بما دون الله تعالى، ويشرب من ماء شحوم حنظل الصبر، ويستنشق بدهن أشجار الحزن، ويطعم من صحيح غذاء التوكل، ثم يكتحل بقشر عود الغرام، ولا ينام بعد ذلك حتى ينظر أنوار أثمار أشجار التوفيق، ثم يجلس على بساط قدم الصدق والتصديق منتظرا لما يرد من عجائب إبريز التحقيق، وصحيح حلول الفقر والعجز والافتقار الذي أنعم به تعالى على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ونعم الرفيق، فحينئذ يبرأ العليل، ويرجع إلى ما كان عليه خلقه أول مرة، فيكون حياته لله، وموته لله لا لنفسه بذلك جرى قلم الحكيم القديم المتفضل بالتأبيد في محل الحضرة على المنهج العبدي، والقانون الفقري الذي وجب أن لا يكون الفقر أزلاً وأبداً لنفسه، وجرى الآن لسان الفقر لوجوب ترك التدبير لصحة الإرادة، وتلقي ما يرد لصحة الرضاء، والتزام ما لا يلزم حبا لله وشوقا إليه كما قد وجب على من يعبده فإذا التزم ما لا يلزم صفات الحق (كأنها صفّاه الحق) للحق وأوصله إلى علم أنه يصل به، فيكون الحق أوصله لا هو وصل.
وبعد وجوب ما يجب أيضًا على المريد إتيانه علمًا ورسمًا تظهر علوم أزلية تتعلق بصفة القديم المتفضل القدوس لا يعرف العالم بها إن الله تعالى يعصى أو يتعدى أحد مراده، والله بكل شيء عليم.
ة .
-5-
وقال أيضاً:
- إن الحس والمحسوس حجاب عن الله تعالى فإذا ظهر سلطان حب الله تعالى بنور حياة القلب بالله أحرق حراريق الهوى بنار سلطانه الذي لا يقدر أحد أن ينفيه .
-6-
وقال أيضًا:
- إذا طلعت شمس من أفق قبلة الغيب إلى الأفق الأعلى أخذ كل من في الأفق الأدنى نصيبه من شعاعها، وليس كل مدرك بالحس هو هي، فأما إذا طلعت من كل مكان، وانتفت رؤية التعاقب عنا يقينًا لم يبق ليل ولا نهار، ولم يبق كفر، ولم يبق إسلام ولا جنة ولا نار، ووجب حينئذ ظهور الشيء الذي حالت بيننا وبينه الأحوال، وكثرت المقالات، والأفعال، كما يحول السحاب يقيناً، فإذا لم يبق حائل ظهر الشيء الذي لا يشبه شيئًا وغبناعنا، وصرنا كالنجوم عند طلوع الشمس لا غياب بشرط الفناء ولا حضور بشرط البقاء، فإن كنت هاهنا رأيت ما رأينا وإن لم تر شيئا فكن حجراً صماً يدق بك النوى .
-7-
وقال أيضاً:
- إذا اختلط ماء الأمطار بماء البحر، كان منه الدر واللؤلؤ والياقوت الأحمر
-8-
وقال:
- إن عبيد الهوى حلالا وحرامًا عبيد لمن تملك الهوى يقينًا في صحيح الفقر قطعاً.

-9-
وقال أيضًا:
- أي وقت لا يحكم الهوى على المريد وصل إلى الله تعالى بالله تعالى... وأي وقت يحكم الهوى على المريد يقينًا فصل عن الله تعالى بعلة، والعياذ بالله العظيم، ولا شك أن الله تعالى خلق كل دابة من ماء مهين معلول بعلة، وأما ما خلق الله تعالى مما ليس منا أحد يعرفه أول مرة، فهو من نور جلال جمال وجه الله الكثير الحمد لله رب العالمين .
-10-
وقال:
- إن لهيب نار قلوب المخلصين بالحق تحرق الشياطين وأتباعهم يقيناً كمثل ما تحرق النار الحطب قولاً واحدًا .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً