الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
النقد المغربي من البنيوية إلى البنيوية التكوينية - مصطفى لغتيري
الساعة 14:09 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


إسوة بالنقد الأدبي العالمي عرفت الساحة النقدية المغربية بروز عدد من التيارات النقدية، ومن بين أهم هذه التيارات النقدية التي عرفت رواجا كبيرا في المغرب نذكر المنهج البنيوي والمنهج البنيوي التكويني. فإذا كان التيار الأول أقصد البنيوي ينظر إلى النص كبنية مغلقة، من خلال دراسة عناصره الداخلية، بعيدا عن المؤثرات الخارجية، بما  فيها صاحب النص والظروف الاجتماعية المحيطة به، مستفيدا في ذلك بما حققته اللسانيات على يد "دوسوسير" خاصة فيما يتعلق بنظرية الدال والمدلول، فإن الاتجاه البنيوي التكويني بالإضافة إلى اهتمامه بالمكونات الداخلية للنص، انفتح كذلك على ما هو خارج عنه، وخاصة الظروف الاجتماعية التي ساهمت في انتاجه.
حاولنا التقرب أكثر من السياق المغربي لظهور كلا المنهجين في تحليل النصوص، فطرحنا الموضوع على مجموعة من المهتمين بالنقد الأدبي، وكان من بين الذين أدلوا برأيهم محمد البوركي الذي قال "في سياق حركية النقد الأدبي تبنى الدارسون المغاربة المناهج النقدية ووظفوا مفاهيمها الإجرائية أثناء اشتغالهم على النصوص تحليلا وتشريحا، ولعل من بين تلك المناهج التي حظيت بالتفاعل: البنيوية والبنيوية التكوينية ؛ فما هي أهم  خصائص هذين الاتجاهين النقديين؟ ومن هم النقاد المغاربة الذين استثمروا جهازها المفاهييمي وأدواتها المنهجية في تعاملهم مع الأعمال الأدبية؟
 عني المنهج البنيوي بدراسة النص الأدبي باعتباره بنية منغلقة مستقلة عن كل  السياقات الخارجية بما فيها كاتبه ( موت المؤلف )، ويتم الاكتفاء بتحليل النص تحليلا داخليا وصفيا مع الاستعانة بإجراءات منهجية كالإحصاء مثلا ، ولذلك اهتم البنيويون بالمكونات الشكلية الداخلية للنص وأغفلوا كل المؤثرات الخارجية التي ساهمت في إنتاجه. ومن نقادنا المغاربة الذين استهواهم هذا التيار واجترحوا أدواته المنهجية نجد عبد الفتاح كليطو في كتابه "الأدب والغرابة " وحسن بحراوي في كتابه "بنية الشكل الروائي: الفضاء، الزمن، الشخصية " وغيرهما.
خلافا للمنهج الأول، يضيف محمد البوركي، ركز المنهج البنيوي التكويني العوامل الخارجية وخاصة الظروف الاجتماعية التي أفرزت النص الأدبي دون التغاضي عن مكوناته الفنية الداخلية. وتميز هذا المنهج باعتماده على مجموعة من المفاهيم في مقاربته للنص مثل: الفهم والتفسير، البنية الدالة، رؤية العالم، الوعي القائم والوعي الممكن ... ومن أبرز النقاد المغاربة الذين قاربوا العمل الأدبي في ضوء هذا المنهج واستفادوا من مرتكزاته التحليلية نخص بالذكر : محمد بنيس في " ظاهرة  الشعر  المعاصر  بالمغرب " وحميد لحميداني في كتابه" الرواية المغربية و رؤية الواقع الاجتماعي" .
أما رضوان المتوكل فيرى أن الحركة النقدية المغربية ساهمت بفعل جهود كثير من الباحثين والنقاد المغاربة، في إغناء الرصيد النقدي العربي، وذلك بعدة مساهمات اهتمت بتحليل النصوص الأدبية المختلفة كالشعر والقصة والرواية.  وقد عرف المنهج البنيوي بكونه يعنى بالنظر في التصميم الداخلي للأعمال الأدبية بما تتضمنه من عناصر مركزية تشمل كثيرا من الرموز والدلالات، لذلك فهو منهج نصي، يركز على وصف خصائص النصوص الداخلية، والنظر إليها باعتبارها عالما مغلقا ومستقلا عن العالم الخارجي، وهدف هذا المنهج مرتبط بالكشف عن البنية الخفية التي تنظم المكونات الدلالية والشكلية للنصوص، ومن أبرز رواده في المغرب نجد سعيد يقطين، ومحمد سويرتي، وغيرهما. أما المنهج الثاني، يسترسل رضوان المتوكل، فهو منهج البنيوية التكوينية، باعتباره فرعا من فروع البنيوية، ويسمى أيضا بالتوليدية، ومن خصائص هذا المنهج، أنه لا يقتصر فقط بدراسة النصوص من الداخل، بل إنه يتعداه إلى الانفتاح على خارج النص، وبذلك فهو يربط الجسور بين العمل الفني، وبين الشروط السوسيوثقافية التي أنتجته، ومن أبرز أعلامه في المغرب نذكر محمد بنيس، ومحمد خرماش، وغيرهما. 
علي لهبوب من جهته يقول بأن  النقد الأدبي عرف تطورا كبيرا في العصر الحديث، ارتبط هذا التطور بظهور  مجموعة من المناهج النقدية التي أغنت الساحة  النقدية بزخم كبير من المفاهيم الإجرائية وآليات التحليل المنهجي. ومن أبرز هذه المناهج نذكر المنهج البنيوي في صيغتيه الشكلية والتكوينية/ التوليدية.
ويوضح على لهبوب بأن المنهج البنيوي يركز على الجانب اللغوي في دراسة الأدب بوصفه بنية منغلقة على ذاتهما، ولذلك قام البنيويون بالغاء كل العناصر الخارجة عن النص واهتموا فقط بمكوناته الداخلية. ولذلك فمقولة موت المؤلف مرتبطة بهذا السياق المنهجي.
أما المنهج البنيوي التكويني  فيربط الأدب بالشروط الاجتماعية التي أنتجته دون إغفال مكوناته الفنية الداخلية. ويتميز هذا المنهج بطابعه التركيبي، إذ حاول أصحابه الجمع بين رؤيتين نقديتين مختلفتين. الرؤية الاجتماعية المرتبطة بالفكر الواقعي الاشتراكي ، والرؤية اللغوية المرتبطة بالحركة الشكلانية والدراسات اللسانية . 
وفي نظره يعد المنهج البنيوي التكويني تطويرا للمنهج الاجتماعي وليس تطويرا للبنيوية . كما يقول بأن هذه المناهج النقدية إلى الثقافة المغربية من خلال الترجمة والتنظير والتطبيق الاجرائي. وقد أسهم في ذلك مجموعة من النقاد المغاربة نذكر من بينهم:  محمد برادة  وحميد لحمداني ومحمد بنيس ونجيب العوفي ومحمد مفتاح  وسعيد يقطين وعبد القادر الشاوي .

فيما اعتبرت فاضمة نايت خويا الحسن النقد لغة ثانية واصفة للغة أولى هي الإبداع، وقد عرف النقد الأدبي خلال مساره في دراسة الإبداع الأدبي عدة مناهج منها المنهج البنيوي. منهج  رفض ربط النص بما لا علاقة له به؛ فقرر الإعلاء من شأن العمل الأدبي في ذاته بمعزل عن كل المعطيات  الخارجة عن نطاق سطوره؛ فانكب بذلك على دراسة العنصر الذي بموجبه ينبثق النص إلى حيز الوجود وهذا العنصر هو: اللغة بمختلف مستوياتها الصوتية، التركيبة، المعجمية ... وتوضح ذلك قائلة "دراسة تتطلب مرحلتين: التفكيك وإعادة البناء. وبفضل المثاقفة انشغل العديد من النقاد المغاربة بهذا المنهج تنظيرا وتطبيقا أمثال محمد بنيس(ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب)، محمد برادة، سعيد يقطين ... وإذا كان المنهج البنيوي يرى النص بنية لغوية مغلقة بل حتى إن مدلوله لا يمكن ان يكون خارج هذه البنية، فإن الاتجاه البنيوي التكويني جمع بين داخل النص وخارجه مستثمرا مفاهيم من قبيل: رؤية العالم والوعي القائم... محاولا إيجاد علاقة بين الأدب والمجتمع أو المحيط بالانطلاق من بنية العمل الأدبي...ويعد حميد لحميداني أحد النقاد المغاربة الذين اختاروا هذا المنهج لدراسة الفن الروائي خاصة في كتابه " الرواية المغربية ورؤية الواقع".
فدوى الجراري بدورها ترى  أن سيرورة التطور النقدي بالمغرب وانفتاحه على دراسات ومدارس مختلفة نتج عنه تفرع وانقسام النقد لمناهج ومذاهب مختلفة الرؤية والتكوين، على سبيل المثال لا الحصر نجد المذهب البنيوي الذي يقيم النص الأدبي انطلاقا من لبه وتصميمه الداخلي مدققا في الدلالات والرموز  وكيفية أدائها لوظائفها الجمالية، واختبار لغة الكتابة الأدبية عن طريق رصد مدى تماسكها، وتنظيمها المنطقي والرمزي، ومدى قوتها وضعفها بصرف النظر عن الحقيقة التي تعكسها، ومن رواد هذا التوجه نجد حميد لحميداني ومحمد مفتاح وغيرهم، في حين نجد من يتبنى المنهج البنيوي التكويني الذي يهتم بدراسة  العلاقة بين الحياة الاجتماعية والإبداع الفني والأدبي، وذلك عن طريق تحليل البنى الأدبية والبنى الاجتماعية، أي البحث في العلاقة بين الوعي التجريبي لجماعة اجتماعية معينة، وبناء الشكل الأدبي، الأمر الذي يتيح ربط العمل الأدبي بالمرحلة الاجتماعية والتاريخية مع تجنب أي الأحكام المسبقة عن العمل الأدبي و من رواد  هذا المنهج نجد محمد برادة ومحمد بنيس و غيرهم.
وقد ختمت هذه الشهادات فاطمة أكوراي التي ترى أن تطور المجال الأدبي أدى إلى تطور مناهج النقد الأدبي للنصوص الأدبية. 
ومن بينها المنهج البنيوي أو الهيكلاني الذي  يهتم بالتصميم الداخلي للنص الأدبي وبتجميع و تركيب وتأليف المواد التي يتكون منها. وقد ظهر هذا المنهج بالمغرب مند أواسط ق20. ومن رواد هذه المدرسة في المغرب نذكر: لحميداني  حميد، ومحمد مفتاح.
 أما البنيوية التكوينية  أو التوليدية فمن خصائصها اعتبار النص الأدبي منفتحا على محيطه وأن الكاتب يتأثر و يؤثر في مجتمعه، لذا يكون ملتزما بقضايا مجتمعه وهمومه، يدافع عنها و يسعى إلي تغييرها. ورغم ذلك فهو لم ينفي  التحليل  الشكلي والفني للنص الأدبي. ومن رواده في المغرب نذكر : محمد برادة، ومحمد بنيس.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً