الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة عابرة عن كتاب "إرادة القوة:
البحث في ظلال القوى الاستعمارية" للدكتور حاتم محمد الشماع - د. عبدالودود النزيلي
الساعة 13:04 (الرأي برس - أدب وثقافة)


صدر كتاب "إرادة القوة: البحث في ظلال القوى الاستعمارية" للدكتور حاتم الشماع العام الماضي، باللغة الإنجليزية، وقد تسنى لي مراجعة الكتاب قبل إصداره. تكمن فكرة الكاتب في تتبع الخيوط الاستعمارية غير المنتهية، التي تعاود الظهور بأشكال مختلفة من حين لآخر، ليتسنى لها الهيمنة، وفرض سطوتها على الشعوب المستضعفة (دول العالم الثالث) من خلال أدواتها الرخيصة المبثوثة في كل بلد، فتصبح المجتمعات خاوية من مضمون هويتها، تخبط العشواء، فتنشأ جراء ذلك جماعات متطرفة، تنتهج العنف، ولا تبالي في سفك الدماء، ولا يردعها دين ولا دولة. هكذا يحاول الكاتب ربط تلك الخيوط الاستعمارية الساعية إلى هدم الهوية العربية، لاسيما اليمنية، من خلال قراءته الناقدة لروايات الروائي اليمني، وجدي الأهدل، "قوارب جبلية" (2002)، "حمار بين الأغاني" (2004)، "فيلسوف الكرنتينة" (2007)، و "أرض بلا سماء" (2008). كما يتطرق الكاتب إلى العديد من الموضوعات الحساسة في المجتمع العربي، منها، على سبيل المثال، موضوع استغلال المجتمعات العربية عبر ثالوث مقدس: الجيش والقبيلة (ممثلة بزعمائها) ورجال الدين، حيث تربط هذه الثلاث الفئات مصالح مشتركة، يعملون بانسجام لاستغلال موارد البلاد، وانتهاك حقوق العباد، تحت مسمى الدين، أو طاعة ولي الأمر، "بالرغم أنها (الفئات الثلاث) تمتلك تطلعات وأيدولوجيات مختلفة، إلا أنها تعمل بانسجام، ويدعم بعضها البعض. فالنظام المستبد يتلقى شرعيته من رجال الدين الذين بدورهم يضفون الشرعية على أعمال العنف التي ترتكب ضد الرعية... كما يقف زعماء القبائل إلى جانب النظام، مقابل استحقاقات غير قانونية، فتكون القبائل لقمة سائغة لابتزازات النظام الصارخة" ص22، ينجم عن ذلك اخفاق الحكومات في تلبية تطلعات شعوبها، مما يخلق نوع من العداء تجاه تلك الأنظمة، تقود في نهاية المطاف إلى اندلاع أعمال عنف، أو ثورات، أو انتفاضات، فيٌطلق العنان للأيادي الاستعمارية الخفية، لتعبث بالشعوب وفقاً لمخططات هدامة، تأتي على الأخضر واليابس، وترمي إلى تمييع الهوية العربية، وتدمير ما تبقى من عزة وكرامة لدى المواطن البسيط، وما يحصل في بعض المجتمعات العربية، خير شاهد على ذلك. من هنا، يوجه الكاتب دعوة إلى معانقة أمجاد الماضي، وربطه بالحاضر، لاستعادة أمجاد الثقافة المفقودة، مشيراً إلى قصة سيف بن ذي يزن، رمز استقلال القومية اليمنية، التي ترمز إلى الحكمة اليمنية، وإعمالها في دعم المصالحة السياسية، عن طريق تقديم التنازلات، وتغليب لغة العقل، والحوار، ليعم السلام أرض السعيدة، بعيداً عن أي أيديلوجية دينية أو حزبية أو طائفية. 
إعادة قراءة وتفسير الموروث الديني من زوايا مختلفة، متجاوزاً الزوايا الضيقة، التي حصرت الفكر العربي، موضوع آخر، تطرق إليه الكاتب، وحاول توضيح الأسباب الخفية التي تؤدي إلى انهيار المجتمع سياسياً واجتماعياً من خلال سرد الحياة الاجتماعية للشخصيات الرئيسية في الروايات المذكورة آنفاً، التي استحضرها الروائي من طبقات اجتماعية عربية مختلفة؛ داعياً النخب الثقافية إلى إعادة النظر في الموروث الديني، الذي وفقاً لرؤية الكاتب، يكرس هيمنة وغطرسة الرجل على المرأة، مع هامش لا يكاد يٌذكر لحرية المرأة، ويشدد الكاتب على الإرث الثقافي، المتجذر في المجتمع العربي، الناتج عن الفهم الخاطئ لبعض النصوص الدينية، التي تم تسيسها وفقاً لرؤى معينة، تصب في مصلحة الرجل، وتقوض دور المرأة في المجتمع، وتحد من حركتها في بناء وتنمية المجتمع جنباً إلى جنب مع الرجل، ناسين أو متناسين بأن المرأة هي نصف المجتمع، إن لم تكن المجتمع بأكمله، لافتاً النظر إلى شخصية المرأة اليمنية، عبر التاريخ، أمثال الملكة بلقيس والملكة أروى، التي سطرت أنصع معاني القيم الحميدة، وتولت باقتدار دفة الحكم، واضعاً أمثال تلك الشخصيات نصب أعين النساء في محاولة لإعادة بناء الثقافة السبئية التي عانقت عنان الحرية منذ الأزل؛ وشدد الكاتب على الحاجة إلى حكومة ليبرالية لها ارتباط عقلاني بالموروث الإسلامي، بحيث تتوافق فيها مسائل النقل والعقل، لخلق بيئة مثالية، ينعم فيها الجميع بالرخاء والأمن والاستقرار، ويعم السلام ربوع الوطن العربي.
يحتوي الكتاب على مواضيع أخرى، يطول شرحها في هذه القراءة العابرة، مثل، انهيار المنظومة التعليمية، (في معظم الدول العربية)، ابتداءً من تحويل الفصول والقاعات الدراسية، في المؤسسات التعليمية، إلى منابر سياسية، تخدم مصالح جهات بذاتها، إلى السعي وراء برمجة العقل العربي لاستيعاب وتقبل أي تغيير سياسي اجتماعي في المجتمع، دونما تذمر أو امتعاض. كما يميط الكاتب اللثام عن انهيار بعض الأنظمة العربية، التي حولت دولها "إلى ملكيات خاصة؛ فأصبحت الديمقراطية في العالم العربي مظلة للمؤسسات الدينية تشرعن لها الفساد وأعمال العنف ضد الشعوب" ص 98. ويختتم الكاتب مواضيع الكتاب بالتطرق إلى بعض الدول العربية، التي أصبحت ساحات لتصفية حسابات دول عظمى، باسم مكافحة الإرهاب، مسلطاً الضوء على التدخلات الدولية والإقليمية، في تلك الدول، التي كانت السبب في "دفن الأمل في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية" ص 91.
د. عبدالودود النزيلي 
جامعة صنعاء
[email protected] 

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً