الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مع الظل والعاشقة - أ.د عمر عبد الله الفجاوي
الساعة 18:27 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


عرفت الأخ الكبير والخدن الوفي الأستاذ الدكتور أحمد السري منذ خمسة عشر عاما وما زلت على ذكر منذ لقائنا الأول في القاهرة مزمعين الظعن إلى سرة صعيد مصر في المنيا مبتعث الكبراء طه حسين علي عبد الرازق وشقيقه مصطفى، وذرعنا الطريق والحديث بِرِفْعة وفصاحة بيننا موصول بعروة وثقى لا انفصام لها. وقد بقينا على عُلقة كريمة بلا انقطاع ولا انجذام، وقد آنست فيه سيمياء الفكر العالي والبيان الرفيع ولا سيّما أنّا كلينا نمتح من معين واحد في الرؤية والرأي ويطلع أحدنا الآخر على قريحته واجتهاداته البحثية فيلفي واحدنا من الآخر ما يرومه من نفسه التي بين جنبيه فيزيد إشراقا وحبورا وتغدو القضية وضاءة بفكر وقاد.
وقد اطلعت على ما جادت به قريحة شيخنا أ.د أحمد السري من صياغة رواية أدبية ذات سرد بياني مفرح وهذه لمعة من لمعه فهو المؤرخ الرصين والباحث الفاذ وقد آثر بما انطوت عليه نفسه الطامحة إلى المعالي أن يدلف إلى سياق الأدب وهو الأديب المطبوع فأسدى لنا عملا سرديا باذخا حملني على أن انعم فيه النظر.
ففي بداءة الرواية يطلع صاحبنا علينا بحديث العشاق مستأنسا بمقتبس من قول فقيه عاشق هو أبو محمد ابن حزم الظاهري الذي طرز حكايته مع الحب والهيام في طوق حمامته وهو شِرْعة للعاشقين ومنهاج للمحبين وفي هذا إشارة لا تخفى على الألباء، فكأن أبا سامر أراد أن يستلفت أولئك النفر من الجُفاة وغِلاظ الأكباد أن يرجعوا النظر في طرائق تفكيرهم نحو الغَزَل والحب ثم إنه قد استشهد ببيتين من الشعر هما ذروة سنام الفهم العالي للعشق فالعاشق حياته رغيدة ومماته كريم، حتى قبره تجده في روضة دمثة والبساطة تعلو تربته وهذه البَداءة تنقلنا إلى العبارة الأخيرة في الرواية وهي إعلان الحرية الذي عالنته شجون بطلة الرواية، فبين المفتتح والمختتم وشيجة دقيقة يحرو أن تعيها كل أذن واعية فالعشق في مجتمع منكفئ أناسه مرتكسون يقود إلى أن تمخر عباب بحر لجي فيه ظلمات بعضها فوق بعض لأنه يعاني الأمر والأمرين والمُرُّ كله ولكن فوزه قادم بتحصله على الحرية فهو سيد نفسه ولا يحفل بالآخر...نعم إنه دين الحب وديدن العاشقين.
ومما استجلب انتباهي في هذه الرواية الممتعة أن صاحبها قد منح المرأة مكانة سَنِيّة فقد أخرجها من أودية الجهل السحيقة التي فرضتها العقلية العربية وسارت في ركابها المنظومة الوعظية التي تدعو إلى أن المرأة ناقصة عقل ودين فانتشلها من هذه الأوحال والأطيان وسما بها في سماوة الفكر فهي ذات عقل مستنير، وراحت تسائل الرجل أسئلة قلقة اعتملت في ذهنها وهي أسئلة الوجود الكبرى والعلاقة بين الله والبشر ولم يجعلها مستودعة في بيتها مخذولة مرذولة مبذولة بل هي ملقية قضايا تدبرية أبدى لها الآخرون ذهولهم عنها وكان أن رسم لنا صاحبنا صورة الرجل الكريم الذي يعي بإحسانه ما تقوله هذه المرأة ويتولى الإجابة بلسان صدق ليس فيه تلجلج ولا تبرم بل فيه حب صادق لتظل المرأة مفكرة في العواقب لا أن تظل رهينة خِدْرها مصدرا للولادة والمتعة وإعداد الطعام.
وكانت لغة السرد الروائي فصيحة تسير وفق لغة التنزيل العزيز توظيفا للمفردة القرآنية أو التركيب أو الآية فبدت المتعة حاضرة في أثناء القراءة.

إن رواية الظل والعاشقة عمل أدبي يقمُن أن يحظى بأنظار واعية فهو أشبه بالصدف الذي يحتوي على دُرّة قامس جلبها غواص دارين يخشى دونها الغرقا.

قد رامها صاحبنا حُججا مذ طر شاربه فهي إعلان واضح لتنوير جديد لقضايا المجتمع المُرجأة الناظرة إلى المتعاطين بالدين نظرة التقديس والاستسلام والباصرة إلى المرأة من طرف خفي وقد أحسن شيخنا أن بسط فكره في سرده هذا وليت الزمان يجود بزيارة منا إليه أو منه إلينا لنقيم نديا ينتدي فيه ذوو البصائر والنهى لمحاورته ومناقشة روايته على أعين الناس لعلهم يشهدون حتى تستقيم فِكَرُهم أو يحدث لهم ذكرا
 

.....................
أستاذ الأدب الجاهلي في الجامعة الهاشمية
بالمملكة الأردنية الهاشمية.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً