الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
كتاب دراسات في الأدب في حضرموت قبل القرن العشرين - أ.د. مسعود عمشوش
الساعة 18:26 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

المحتويات

المقدمة
أولا- علاقة الأدباء الحضارم بالحكام في القرن العاشر للهجرة
ثانيا- ملامح فن السيرة الذاتية في كتاب (سفينة البضائع وضمينة الضوائع)
ثالثا- مقامات باعبود
رابعا- فن الرسائل في حضرموت في القرن الثالث عشر الهجري

المقدمة

قبل ثلاث سنوات، كتبت في مقدمة كتابي (الرواية في حضرموت في تسعين عاما): حضرموت أرضُ علمٍ وعلماء. والحضارم، قبل أن يهتموا بخزائن المال أهتموا أولا بخزائن الكتب، فملأوها بالمخطوطات، ليس في الفقه واللغة فقط، بل كذلك في العلوم والطب والأدب. وقبل أن يمارس الحضارم التجارة مارسوا التأليف والكتابة، في أرضهم وفي المهاجر الكثيرة التي استقروا بها؛ فكتبوا الشعر والمقامات والتراجم والسيرة الذاتية وأدب الرحلات.
فبدءاً من امرئ القيس الكندي، ومرورا بعبد الصمد باكثير وعمر عبد الله بامخرمة ومحمد عمر بحرق وعبد الله عمر بامخرمة وعلي بن حسن العطاس وعبد الله بن علوي الحداد وأبي بكر باعبود وأبي بكر بن شهاب وعلي أحمد باكثير وأحمد عبد الله السقاف وعبد الله سالم باوزير وصالح باعامر وعمّار باطويل، أسهم الأدباء الحضارم بشكل كبير في مسار الأدب العربي في حضرموت وخارجها.
ولا تزال كثير من كتابات الحضارم الأدبية مخطوطةً، ومعظم ما طُـبع منها لم يلق الاهتمام اللائق به. ففي كتب تاريخ الأدب العربي، باستثناء ما كُتِب عن امرئ القيس، وعلي أحمد باكثير، لا نعثر إلا على فقرات محدودة تناول بها الدكتور شوقي ضيف الشاعرين عبد الصمد باكثير وعبد الرحمن العيدروس، وذلك في إطار حديثه عن أدب الجزيرة العربية في كتابه (عصر الدول والإمارات، الجزيرة العربية – العراق – إيران) الذي يقع ضمن سلسلة تاريخ الأدب العربي. وقد أكد شوقي ضيف فيها أن عبد الصمد باكثير "من الشعراء الممتازين في الجزيرة العربية لهذا العصر بعامة".
وبالنسبة للحضارم أنفسهم، فهناك من حاول منهم توثيق حركة الأدب في حضرموت، ويبدو لي أن نصيب الشعر يفوق كثيرا نصيب النثر. وفي اعتقادي يُعَد (تاريخ الشعراء الحضرميين)، لعبد الله بن محمد بن حامد السقاف، الذي نُشِر أول مرة في القاهرة سنة 1353 هـ (1934م)، ويقع في خمسة أجزاء، من أهم تلك المؤلفات؛ ففيه لم يكتف المؤلف بذكر الشاعر وشعره بل حرص على تضمينه ترجمة موجزة للشعراء الذين قدمهم مرتبين وفق تاريخ ميلادهم، وأورد قصيدة أو أكثر لكل منهم. ولا يزال هذا الكتاب من أهم المراجع لدراسة الشعر في حضرموت.
وتعد إسهامات الأديب المؤرخ عبد القادر محمد الصبان في توثيق الأدب في حضرموت ونقده في غاية الأهمية؛ فللصبان كتابان يدخلان في إطار دراسة الأدب الحضرمي ونقده، هما: (عبد الصمد باكثير شاعر حضرموت في القرن العاشر) الذي صدر بالرونيو عن المركز اليمني للأبحاث الثقافية بحضرموت، و(موازنة بين شاعرين: حضرمي ولبناني) ألفه سنة 1935 إثر حضوره مساجلة شعرية بين صالح بن علي الحامد والشاعر اللبناني محمد علي الحوماني. وله كذلك كتاب ثالث طبع بعنوان (الحركة الأدبية في حضرموت)، ويُعدّ الأول من نوعه؛ ففيه حاول الصبان أن يتتبع مسار الأدب في حضرموت عبر العصور، من العصر الجاهلي وحتى القرن العشرين. وفيه، وزّع المؤلف تاريخ الأدب في حضرموت على ستة عصور، وكرس قسما من الكتاب لكل عصر، وذلك على غرار مؤرخي الأدب الغربيين والعرب. وقبل أن يقدّم لأشهر الأدباء في كل عصر ونماذج من نصوصهم، حرص المؤلف على البدء بتقديم عرضٍ للظروف السياسية والاجتماعية والدينية السائدة في ذلك العصر. ويختم كل قسم بتقييم موجز لأدباء ذلك العصر. وفي الذكرى العشرين لوفاة الصبان كتب د. أحمد باحارثة "يقف الصبان في كتابه (الحركة الأدبية في حضرموت) متفرداً في سرد عرض شامل للأدب الحضرمي وشعرائه، بعدما كانت الدراسات السابقة له تكتفي بدراسة شاعر واحد أو الترجمة المفردة لكل شاعر على حدة، وليس هذا العمل بالأمر الهيِّن لما يعتور التاريخ الحضرمي عموماً في مراحله الزمنية من غموض وشحة في المعلومات وفقد للمصادر التاريخية، ومع ذلك استطاع الصبان الاهتداء في سبيله ووطأ الطريق لمزيد من الدراسة والعمق والتفصيل لمن يأتي بعده".
وتناول المؤرخ سعيد عوض باوزير في كتابه (الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي) الذي صدر سنة 1961، بعض الأدباء، وذلك ضمن ما يقرب من مائة وعشرين شخصية حضرمية مشهورة قديماً وحديثاً. وبينما بادر الباحث علي سالم بكير إلى طباعة كتابه (أدباء تريم في القرن الرابع عشر الهجري) بالرونيو، لا يزال كتاب عمر محمد باكثير (تاريخ شعراء سيئون) مخطوطا. ويمكن أن نذكر هنا أن المستعرب البريطاني روبرت سيرجانت، الذي نشر كتابا بعنوان (نثر وشعر من حضرموت)، كان له الفضل في تشجيع عددٍ من الباحثين الحضارم على الاهتمام بتوثيق الأدب الحضرمي الشعبي ودراسته.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن هناك بعض الدارسين، من الأكاديميين وغير الأكاديميين، قد تناولوا أديبا حضرميا بعينه، مثل عبدالرحمن جعفر بن عقيل مؤلف (عمر بامخرمة السيباني 884 - 952 هـ : حياته و تصوفه و شعره)، وعلي أحمد بارجاء مؤلف (الشاعر الحكيم الفلاح أبو عامر). وكُرِّست بعض الأبحاث والرسائل العلمية لكتابات عبد الله بن علوي الحداد وأبي بكر بن شهاب وعبد الرحمن بن عبيد الله السقاف وصالح بن علي الحامد. ومنذ نحو عقدين من الزمن يعكف الباحث أحمد باحارثة على دراسة نصوص عدد من الأدباء الحضارم؛ فبعد أن حضّر رسالة الماجستير حول (محمد عبد القادر بامطرف أديبا 2006)، كرس رسالة الدكتوراه (للنقد الأدبي في حضرموت 2011)، ثمّ شرع في تأليف عدد من الكتب حول الأدب في حضرموت، منها: (علي أحمد باكثير ناقداً أدبيا) و(باسودان شاعر الرمزية وناقدها في حضرموت) و(ابن عبيد الله ناقدا أدبيا). ومع تأكيدنا على أهمية تلك الدراسات التي عنيت بهذا الأديب أو ذاك وفائدتها كونها تعد تمهيدا ضروريا لإنجاز المشاريع الشاملة لكتابة تاريخ الأدب في حضرموت، نرى أن هذا النوع من المشاريع لم تتبلور ملامحه حتى الآن إلا في كتاب عبد الله السقاف (تاريخ الشعراء الحضرميين)، وكتاب عبد القادر محمد الصبان (الحركة الأدبية في حضرموت)، وفي كتاب د. أحمد باحارثة (أدوار الأدب الحضرمي)، الذي صدر عن مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر في نهاية عام 2019.

هذا الكتاب:
لا يقع هذا الكتاب في إطار (تاريخ الأدب) الذي يقوم برصد مسار أدب قومي ما ويتتبع مراحله ويسلط الضوء على الظروف السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية التي سادت في كل مرحلة وأثرت في ملامح النصوص الأدبية، ويقدم كذلك أبرز أعلامه في كل مرحلة. بل يقع هذا الكتاب في إطار (النقد الأدبي) الذ يسعى إلى دراسة الإبداع الأدبي من خلال تحليل النصوص وتبيان عناصر الأصالة والجمال فيها. وغالبا ما يطلق على هذا النوع من الدراسات النقدية: الدراسات الأدبية. لهذا فالدراسات الأربع التي يتضمنها هذا الكتاب تقع بالأحرى في إطار الدراسات النقدية الأدبية. وقد حرصت فيه على تسليط الضوء على بعض جوانب الأدب في حضرموت، لاسيما النصوص النثرية، التي لم يسبق أن اهتم بها الدارسون الآخرون، حسب علمي.

ففي الدراسة الأولى تناولت علاقة الأدباء الحضارم بالحكام في القرن العاشر للهجرة، الذي تميّز في حضرموت بالثراء في مختلف الجوانب؛ فخلاله شهدت البلاد تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية مهمة. وبلغ الأدب الحضرمي القديم خلاله ذروة تطوره. وقد تركزت الدراسة على أربعة شعراء هم: عمر عبد الله بامخرمة ومحمد عمر بحرق وعبد الله عمر بامخرمة وعبد الصمد عبد الله باكثير. وقد قاموا جميعهم بدور فعّال في الحياة الاقتصادية والسياسية والعسكرية للبلاد، وسعوا إلى توجيه الأحداث الوجهة التي يبتغونها، وذلك بواسطة سلاح الكلمة أو الانخراط المباشر في الحياة السياسية. وخلصنا في نهاية الدراسة إلى أن هؤلاء الأدباء، الذين ينتمون إلى نخبة المجتمع ويتمتعون بمواهب متعددة سعى الحاكم للاستفادة منها لترسيخ سلطته، قد ارتبطوا بالحاكم بعلاقات، تارةً إيجابية وتارةً سلبية، وظلوا في الغالب مضطرين إلى كسب رزقهم من خلال خدمة الحاكم ومدحه والتقرب إليه.
وخصصتُ الدراسة الثانية لتحليل كتاب (سفينة البضائع وضمينة الضوائع)، الذي ألّفه الحبيب علي بن حسن العطاس (1121هـ -1172هـ) في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته، إذ إنني لمست أنه يتضمّن سيرة ذاتية فريدة في الأدب العربي القديم؛ فبعكس كثير من مؤلفي السِّيَر الذاتية الأخرى استطرد مؤلف (سفينة البضائع وضمينة الضوائع) كثيرا في الحديث عن طفولته وزوجاته وعائلته بجرأة يندر أن نجدها في الأدب العربي القديم. كما أن الكتاب يتميّز باستخدامه الواسع لتقاليد الكتابة العربية في العصور المتأخرة، مثل استخدام العامية، والسجع، والمزج بين النثر والشعر، والتوسع في استخدام التناص مع القرآن الكريم والحديث النبوي.
أمّا الدراسة الثالثة: (مقامات باعبود)، فقد كرستها لإبراز ما يميّز فن المقامات في حضرموت من خلال تقديم (المقامات النظرية ذات الألفاظ الجوهرية)، التي ألفها أبو بكر محسن باعبود، المولود في نهاية القرن الحادي عشر للهجرة في بلدة بور الواقعة بين مدينتي سيؤن وتريم في وادي حضرموت. وقد قدمتها في ندوة اللغة العربية التي نظمتها كلية الآداب والتربية- جامعة عدن في نوفمبر 1989.
وفي الدراسة الأخيرة، رأيت أن أتوقف أمام بعض نصوص الرسائل التي حررها بعض الكتاب الحضارم في القرن الثالث عشر الهجري، مع التركيز على (مكاتبات الحبيب حسن بن صالح البحر)، وذلك لما تحتويه من أبعاد فنية مهمة ومعبّرة عن معظم ما كتبه الحضارم من مراسلات في ذلك القرن، وكذلك أبعادٍ موضوعية ذات أهمية تاريخية كبيرة، إذ إنّ كاتبها، الذي كان منخرطا بشكل كبير في الحياة الاجتماعية والسياسية، وثّق فيها عددا من الأحداث المهمة التي شهدتها مدن وادي حضرموت عند منتصف القرن الثالث عشر الهجري.
وفي الختام، أتمنى أن يُسهم هذا الكتاب المتواضع في التعريف ببعض نصوص الأدب في حضرموت قبل القرن العشرين، وأن يجد قارئه بعض الفائدة، وأن يكون حافزا لطلبة الدراسات العليا لمواصلة الاهتمام بأدبنا، توثيقا وتحقيقا ودراسة.
والله من وراء القصد.


الأول من مايو 2020

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً