قطب العارفين وسلطان العاشقين عبد الهادي السودي
توفي في 932 هـ / 1525 م
اسمه محمد بن علي بن محمد السودي.من قبيلة قهب العكية، ولد في بلاد الزعلية ، قرية الجبيرية ، على الناحية الجنوبية من وادي مور في تهامة ، وتربى ودرس على يد والده قبل أن يذهب ليدرس على يد العلامة يحيى العامري في حرض ومن ثم إلى مكة حيث كان له فيها رباط كبير وأتباع ومريدون ، ثم المدينة المنورة التي مكث فيها زمناً قبل أن ينطلق إلى صعدة تحت تأثير منام نبوي حيث نشر الخرقة الصوفية فيها وتبعه خلق كثير ، ومنها جاء إلى صنعاء ليكون الإمام محمد بن علي السراجي أشهر من تحكم له وأخذ اليد عنه.
أسرته (بنو سود ) تعد أقدم أسر التصوف الكبرى في اليمن ، الولي الشهير أبوبكر بن أبي حربة جده السادس ، وصاحب دعاء ختم القرآن الولي (محمد بن يعقوب الشهير بأبي حربة) جده السابع ، ومؤسس الأسرة السودية الشيخ سود الكميت الشهير بقحم الخلا والمتوفى سنة 436ه جده الثالث عشر .
تتوزع الأسرة السودية في بلاد الزعلية ووادي مور وصليل وبني قيس وجبال ملحان والظاهر وحفاش وانتقلت أسر منهم إلى زبيد والمخا وصنعاء وتعز عدن ومكة والمدينة المنورة وغيرها ولا تزال أشهر مقبرة في عدن تحمل اسم الولي محمد بن يعقوب الشهير بأبي حربة .
في صنعاء ذاع صيت عبد الهادي السودي واشتهر وكان له رباط كبير يعرف برباط أبي الرجاء وكثر أتباعه ، قبل أن تناديه مدينة تعز بالتزامن مع جذبة كبرى أصابته ، فاتجه إليها ومعه جمع كبير من مريديه من صنعاء وتهامة وصعدة وبها استقر حتى مات ، وذاع لقبه (حامي حمى تعز ).
وقد تعرضت قبته التي بناها العثمانيون في القرن العاشر للتفجير بشكل همجي غاشم ومؤسف سنة 2017م.
يعد عبد الهادي السودي ذروة كبرى من ذرى التصوف ، سواء في شعره الفصيح أو شعره الحميني ، وكان أثناء جذبته و تحت تأثير الوارد يكتب أشعاره بالفحم على الجدران ، فإذا صحا محا ما كتبه فكان مريدوه يسارعون إلى نقل ما كتبه قبل أن يمحوه .
تتميز جملة السودي الشعرية بالسهولة والجمال لذلك رزق شعره القبول وخرج من الحضرات الصوفية لتصدح به حناجر المغنين في كل مكان وقد بقيت بعض قصائده تحتفظ بوهجها وروعتها ويتناوب المطربون غناءها رغم مرور رغم خمسة قرون على رحيله .
بقي لنا من تراث السودي :
-ديوان (بلبل الأفراح وراحة الأرواح)
-ديوان (نسيمات السحر ونفحات الزهر )
-رسائله ومكاتباته ومناقبه
وقد اشتغل عليها جميعاً الباحث والمحقق الكبير عبد العزيز سلطان المنصوب ونشرها .
وهذه طُعمة من تجليات السودي الباهرة :
-1-
بلبل الجحف الْيَمَانِيّ ... لم أزل مِنْهُ مبلبل
كلما غنى شجاني ... قطّ لَا مليت وَلَا مل
قد عناه مَا عناني ... فَلهَذَا مَال وميل
فلمه يَا أهل الْمعَانِي ... انا مُعْجم وَهُوَ مهمل ...
-2-
يَا سادة مَا عَنْهُم مَذْهَب ... فِي حبكم لي مَذْهَب مَذْهَب
قد رام مني عاذلي تَركه ... لكنه فِيمَا نوى أشعب
من أَيْن تسلو عَنْكُم مهجتي ... وَفِيكُمْ الْأَمْثَال بِي تضرب
يَا سَاكِني وَادي عذيب الْهوى... تعذيبكم كالشهد يستعذب
-3-
بددتم شملي فيا هَل ترى ... بعد الجفا يصفو لي المشرب
استودع الله الزَّمَان الَّذِي ... مَا فَارَقت ربعي بِهِ زَيْنَب
ناشدتك الله يَا نسيم الصِّبَا ... من أَيْن هَذَا النَّفس الطّيب
هَل أَنْت من ليلى بشير الرِّضَا ... أم أَنْت عَن أسرارها تعرب
أم جزت فِي روض بِهِ قدمشت ... ام ثغرها قبلك الأشنب
فهات اطربني بأخبارها ... فعهدك الْيَوْم بهَا اقْربْ
عجبت دهراً من رجال صبوا ... فاليوم منى عجبي يعجب
يَا أهل نجد هَذِه قصتي ... لَكِن إِلَيْكُم مِنْكُم الْمَهْرَب
-4-
كَيفَ حاروا فِيك وَاعجَبا ... يَا منى سَمْعِي وَيَا بَصرِي
أَنْت لَا تخفي على أحد ... غير عشق الْفِكر وَالنَّظَر
أَو على شخص بِهِ كمه ... لم يُشَاهد صُورَة الْقَمَر
بالظهور الصّرْف محتجب ... أَنْت هَذَا صَحَّ فِي الْأَثر
وَأَنت فيهم ظَاهر وبهم ... وَلَهُم لَوْلَا بَقَاء الْأَثر
لَو تلاشت عَنْهُم ظلم ... وانمحوا عَن عَالم الصُّور
شاهدوا معناك منبسطاً ... سارياً فِي سَائِر الْفطر
ودروا أَن الْحجاب هم ... عَن شُهُود المنظر النَّضر
وَقضى يَعْقُوب حَاجته ... وانْتهى زيد إِلَى الوطر
-5-
قَالَت سعاد وَقد رَأَتْ دمعي جرى ... صدق الْمُحدث والْحَدِيث كَمَا جرى
فدهشت من فرحي وَقلت نعم نعم ... مَا كَانَ حبكم حَدِيث يفترى
لي من هواكم صرفه وعتيقه ... حاشاي من ورديّه أن أسكرا
بِاللَّه يَا حادي النياق لحيهم ... فالصيد كل الصَّيْد فِي جَوف الفرى
سلم على أهل الْخيام وَقل لَهُم ... مَاتَ الْمُحب من الغرام وَمَا درى .
-6-
لي في ربى حاجر غُزيِّل اتلع
يسبي القلوب
حنب لقلبي بين بانِ لعلع
وقت الغروب
حتى تركني في اللوى والاجرع
أمسي ألوب
وارحمتا للعاشق المولع
كم له كروب
قد حل من أهوى ربوع نجد
وأنا الغوير
ما حيلتي يا أهل الهوى وجهدي
جهدي حقير
ما لي شفيع إلا عظيم وجدي
ذاك لي نصير
والدمع أربع في امخدود اربع
جاري سكوب
يا ليت شعري هل أرى بعيني
سيد الملاح
أقصى مرادي منتهى شجوني
طب الجراح
قد صار حبه مذهبي وديني
شهري مباح
ما لي مع العذال خل ينفع
لا ما أتوب
لو شاهدوا وجه الحبيب مثلي
قالوا أصاب
هذا المحيا للهموم يجلي
عشقه صواب
لكن حبيبي دون أهل عذلي
أرخى الحجاب
ما شاهدوا سافر ولا مبرقع
مسك الجيوب
من لم يذق طعم الهوى تعذَّب
طول الزمان
كأس الهوى من كل عذب أعذب
تركه هوان
فاشرب سلاف الأكرمين واطرب
تلق الامان
واترك كلام العاذلين أجمع
كله عيوب
طنب على وادي النقا خيامك
بين الأراك
واجعل عن السكان فيه كلامك
تبلغ مناك
لا تستمع عاذل نهاك ولامك
خله وراك
إياك من جور الملام تجزع
تدعى كذوب
-7-
كَيفَ حاروا فِيك وَاعجَبا ... يامنى سمعي وَيَا بصري
أَنْت لَا تخفى على أحد ... غير أعمى الْفِكر وَالنَّظَر
حيرة عَمت وأيّ فَتى ... رام عرفاناً وَلم يحر
-8-
(وَمِنْه)
لَا وَقد مِنْك معتدل ... عَن غرامي فِيك لم أمل
لَيْسَ لى عطف على اُحَْدٍ ... لَا وَلَا ميل إلى بدل
بك يَا سؤلي ظَفرت فَلم ... الْتفت للدَّار والطّلل
-9-
(وَمِنْه)
عاذلي في الْحبّ أَو خطره ... لست من ليلى وَلَا سمره
أَنا فى وَاد أَظُنك مَا ... قلت فِي الأفياء من شَجَرَة
لَا تطل فِيهِ الملام إلى ... أَن تذوق الحلو من ثَمَرَة
يَا حُلُول الشعب من اضمٍ ... انشقوني النشر من زهرَة