الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
ملامح الواقعية في النصوص الأدبية - مصطفى لغتيري
الساعة 16:37 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

تتجلى الواقعية في الأدب من خلال ملامح معينة. تتميز بالخصوص بالقدرة على الإيهام الشديد بمطابقة الواقع، سواء من خلال  رسم الكاتب لملامح الشخوص أو عبر تصوير الفضاء الذي تضطرب فيه الشخصيات، وينطبق ذلك أيضا على مستوى توظيف الزمن، الذي غالبا ما يحاكي الزمن الفزيائي الواقعي، وقد يتعزز هذا المنحى كذلك بتحديد السنوات بدقة، أو ذكر بعض الأحداث الواقعية التي يعرفها القارئ، فيغدو النص نتيجة لكل ذلك وكأنه انعكاس للواقع.
من أجل معرفة أعمق للواقعية في الأدب طرحنا الإشكال على مجموعة من المهتمين بالأدب قصد تقديم وجهة نظرهم في الموضوع من خلال الاستناد على نماذج لبعض ممثلي هذا الاتجاه الأدبي. وكان أول من ساهم برأيه الأستاذ رضوان المتوكل الذي قال بأن الواقعية تبرز  في الأدب من خلال عدة تمظهرات، ولعل أهمها هو ذاك الإيهام الشديد الذي يحدث بالتجانس والتشابه بين الواقع وبين المتخيل، وذلك يتم عبر عناصر السرد المختلفة سواء تعلق الأمر بالأحداث أو بالشخصيات أو بالأمكنة و حتى بالأزمنة. فأين تجلى هذا في الأدب العربي؟ وما تجسيد بعض ملامح هذه الواقعية في الأدب المغربي؟
ويضيف الأستاذ المتوكل قائلا بأنه لا ريب أننا إن عدنا إلى تصفح الأدب العربي، وبالتحديد المتن الروائي المهم الذي أبدعه ثلة من الروائيين العرب، سنجد تجليات الواقعية بازغة بوضوح لدى تحفة الأدب العربي نجيب محفوظ، وبالتحديد في كثير من رواياته، نذكر نموذجا لذلك، يتمثل في رواية " القاهرة الجديدة"، والتي عدّها بعض النقاد بمثابة بداية حقيقية لاعتماد نجيب محفوظ على أسلوب الواقعية الاجتماعية، بالضبط من خلال عنصر المكان، والذي يرتبط بالقاهرة في هذه الرواية.
وحينما، ننتقل إلى الأدب المغربي- يوضح الأستاذ المتوكل-، فلا بد أن نقف عند هرم من أهرام الرواية المغربية، نقصد هنا الروائي الكبير محمد برادة، والذي نلمس في رواياته، غالبا، الجانب الواقعي، ويبرز ذلك في رواياته الكثيرة من قبيل رواية " الضوء الهارب"، ورواية" لعبة النسيان"، ولعل رواية " بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات" تقربنا أكثر من مفهوم الواقعية، وذلك من خلال التدقيق في أحداثها والتي ارتبطت بأحداث سياسية واجتماعية وتاريخية عاشها فعلا المغرب، وبالضبط منذ عهد الاستعمار.
أما الأستاذة حبيبة خيموش فانطلقت من اعتبار الواقعية مذهبا فكريا نادى به مجموعة من المفكرين والأدباء والشعراء وغيرهم ردا على مذاهب  أخرى أغرقت في طي الواقع وطمسه، وقد سعى هذا التيار إلى رد الاعتبار إلى الواقع المعاش، والاشارة إلى قضايا لطالما رفع عنها القلم وكانت عبارة عن طابوهات بالنسبة للكتاب، وبمثابة خط أحمر، إلا أن الأمر لم يستمر طويلا حتى بزغ فجر تيار جديد لفت أنظار الكتاب والنقاد خاصة القراء من مختلف الطبقات، وذلك بانكباب هذا الادب على تعرية الواقع والحديث عن ما يعاش، واللافت للنظر هو اندماج المرأة بصفة عامة و بقوة في هذا التيار الذي ينادي بالواقعية، وخاصة المرأة المغربية، ونذكر على سبيل المثال الكاتبة مليكة مستضرف، التي اشارت في العديد من كتاباتها ومؤلفاتها إلى أنواع المعاناة، التي تعانيها المرأة المغربية من اغتصابات متكررة، كشفت فيها عن مواضيع لطالما تستر عليها المجتمع بحجة الحفاظ على المكانة، ونحن بصدد ذكر هذا النموذج المغربي فكيف لا نتحدث عن محمد شكري في كتابه الخبز الحافي، الذي يعد بمثابة شهادة للأدب والوقعي؟ 
فيما ذهبت الأستاذة فدوى الجراري إلى أن أنصار  الأدب الواقعي يسعون إلى تشريح المجتمع و تصويره تصويرا دقيقا دون إغراقه في المثاليات وبعيدًا عن مغالاة الرومانسية والجنوح للخيال من أجل الهروب من الواقع، ومن أجل هذا فقد تم الارتكاز على مجموعة من الخصائص والأسس التي تميز المذهب الواقعي في الأدب عن باقي المذاهب الأخرى والمتمثلة أساسا في ثلاث ركائز أساسية أولها الموضوعية أي نقل الواقع كما هو وعلى حاله دون تدخل ذاتية الأديب، ثانيا شخصيات الأدب الواقعي غالبا ما تكون مستقاة من الطبقة الهشة العاكسة لقضاياها الشعبية والمعيشية، ثالثا الأدب الواقعي هو انعكاس تأثير المجتمع على الإنسان.
هاته الأسس التي تظهر بشكل جلي في أعمال رواد الواقعية- تضيف الأستاذة فدوى- أبرزهم على المستوى المغربي نجد أعمال محمد شكري خصوصا في رائعته الخبز الحافي، و أعمال محمد زفزاف على سبيل المثال عمله محاولة عيش ذلك العمل الذي حكى أوضاع سكان الكريان و معاناتهم و لا حيلة بزوالها، مادام أن الإنسان تنحصر كل محاولاته في الحياة في محاولة واحدة هي محاولة عيش حتى ولو على قطعة خبز حافي، و في النماذج المشرقية نجد نجيب محفوظ رائد الواقعية  العربية بامتياز من خلال أغلب أعماله و روائعه التي سلطت الضوء على واقع المجتمعي المصري عبر حقب زمنية مختلفة، كما نجد كتاب جدد اكتسحوا الساحة الفنية و دافعوا عن الواقعية و أهميتها في تسليط الضوء على واقع مجتمعاتهم و أوضاع القهر و المعاناة التي تفشت في هياكله و نخرته حتى النخاع، فجاءت أعمالهم صرخة لمن لا صوت له، نذكر من بينهم الكاتب الأفغاني خالد حسيني ورائعته ألف شمس مشرقة التي حاكت الواقع الأفغاني على الصعيد الاجتماعي والسياسي ورصدت حياة نون النسوة كحياة ليلى ومريم وغيرهن ومدى تأثير الواقع على حياتهن ومسارهن.
 لتخلص في الأخير إلى أن الأدب الواقعي إن كان محاكاة للواقع الاجتماعي المعاش فهو ليس بغرض تعريته أو كشف المستور من المشاعر  و الهموم إنسانية المدفونة بين الضلوع و إنما لوضع السبابة على الجرح من أجل علاجه بشكل ما و عدم تركه ينزف ألما و حرقة.

أستاذ محمد محيبي من جانبه ركز على المصطلح قائلا بأن مصطلح الواقعية في الادب، هو مذهب يرى الواقع  مستقلا بعيدا عن ذاتية الكاتب، فيقاس الكلام بمدى مطابقته للواقع، بعيدا عن الخيال و العاطفة وبعيدا عن التزييف، وشخصيات هذا الأدب وموضوعاته تنبع بشكل كبير من صراع الطبقات الاجتماعية، خصوصا النماذج المهمشة منها، كما أن هذا الأدب يعبر عن تأثير المجتمع في الإنسان، و يبرز نظرت هذا الإنسان  تجاه المجتمع 
من أهم أدباء المدرسة الأدبية  الواقعية، ذكر الأستاذ محمد يوسف ادريس وعبد الرحمان الشرقاوي والأديب نجيب محفوظ .. هذا الأخير يعد أبرز من اعتمد  الواقعية في أعماله الغزيرة، من بينها  رواية "اللص والكلاب" حيث حرص على الاحتفاظ بأسماء الأماكن التي تدور فيها أحداث الرواية، وكذلك قد اهتم بمشاكل طبقتي المجتمع الدنيا والوسطى للمجتمع المصري، و نقل إلينا صورا عن الواقع حول الصراع الذي يعيشه الإنسان بين الماضي والحاضر وبين نفسه والمحيط الذي يعيش فيه..
أما الأستاذة  فاطمة اكوراي فترى أن الإتجاه الواقعي يلامس كل ما له علاقة بالمجتمع و تمظهراته، وقد عرف هذا الإتجاه الأدبي في المغرب أوج نضجه في أواسط الستينات من القرن الماضي، و انصب اهتمام الأدباء على المعيش اليومي من فقر و بطالة و تشرد وتهميش  انحلال وفساد  وهلم جرا، واعتبرت الأستاذة فاطمة كتابات محمد شكري هي عصارة التراكمات الحياتية التي عاشها، يقول في هذا الصدد" علمتني الحياة أن أعي لعبة الزمن و أن أنتظر بدون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته" ومن أهم كتبه التي برز فيه ذاك جليا "الخبز الحافي" الذي تتطرق فيه إلى إلى تيمات كانت وقتذاك تعد من الطابوهات في المجتمع مثل المخدرات،  العنف، الجنس بما فيه الدعارة... بالإضافة إلى محمد زفزاف الذي كانت كتاباته ملتصقة باليومي و المعيش لدى الطبقات المهمشة ومن قصصه، " الكابوس لرجلين" يتحدث فيه عن الإنحراف الجنسي و الدعارة، لأسباب اجتماعية و اقتصادية، ضحيتها أساسا العنصر النسوي، و "بيوت واطئة" الذي يعري فيه الواقع من خلال تشخيصه للواقع اليومي لماسح الأحدية.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً