الأحد 10 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الاثنين 4 نوفمبر 2024
ضد التيار - فدوى الجراري
الساعة 17:16 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


    استغلت سواد الليل لتنفيذ قرارها الذي عزمت على تنفيذه منذ أن وعدت نفسها على ضرورة تغيير حياتها٬ وتمسح بيديها الدموع التي غسلت وجهها كل لحظة وكل دقيقة٬ لتفسح مجالا واسعا للابتسامة والضحكة رغم أن جروح القلب لم ولن تشفى٬ قررت بشجاعة وضع حد فاصل لكل المعاناة والمشاكل التي تكبدتها وعانت منها ولوحدها في صمت رهيب٬ قررت فعل المستحيل من أجل ألا تترك كرامتها تبعثر هباءا٬ فلا شيء يجبرها على تحمل ما هو أكبر من طاقتها وقدرتها٬ فترددها فيما مضى كان راجع  إلى تفكيرها في مصير قطة الماس التي بين ذراعيها٬ فلم تشأ أن تضيعها بقرار طائش لم تدرس  فيه جميع الاحتمالات والعواقب٬ وتحاسب عليه يوما بقسوة رغم انه لم يكن لها يدا فيه٬ لكن اليوم عزمت وقررت التنفيذ مهما كان الثمن ومهما كانت العواقب٬ فما تبقى في حياتها من أيام أهم ويستحق التضحية٬ والفصل الأخير من حكايتها مع الأيام أرادتها سعيدة٬ هنية٬ والصوت الطاغي فيها هو الضحك ولا شيء غيره٬ بخلاف فصول حكاياتها الأولى الشاقة٬ المؤلمة٬ والتي لا يسمع فيها إلا الآهات٬ أما بخصوص قطعة الماس والتي هي جزء من كيانها الكبير والذي تحملت من أجلها الكثير والكثير٬ فستحتفظ بها في حضنها المكان الوحيد الذي يليق بها٬ وما دامت تمتلك القدرة على ذلك ستدافع عنها بكل قوتها الطاهرة والمضمرة٬ والأخيرة أقوى وأعظم إن طفى بركانها على السطح٠      
    كانت مؤمنة إيمانا يقينا أن الغد أفضل لكن خارج هذه الأسوار٬ و معانقة الحلم الخالد يحتاج إلى كل عزيمة وإصرار٬ وعدم ترك الحواجز تكبل بأصفادها طاقة الأحرار٬ يكفي ما مضى٬ فالماضي قد انقضى وتباشير صباح الأمل قد انجلا٬  وما بين الماضي والحاضر خطوات طويلة وصعبة٬ لكن رغبتها وتحديها ستجعل ما بين والحاضر والمستقبل خطوة وحيدة قصيرة٬ أقصر من قياس قدمها٬ تتخطى أي حاجز أو عقبة٬ فما ينتظرها وقطعة الماس التي تعد ثروتها الوحيدة٬ بل وأغلى كنز سرقته من الماضي٬ رمت نظرة خاطفة إليها وهي في نومها العميق٬ فالذي في مثلها لا يعرف شيئا من مصائب الدنيا٬ ولا حتى ما يتحمله الآخر من عناء ومشقة من أجل أن تحيا بسلام٬ مسحت ما طفى على وجهها من دموع٬ ووعدت أن تكون هذه آخر دموع الألم التي تعانق الآن خدها في وداع أبدي٬ جمعت أشلاءها وقامت لتجمع أخف ما يمكن حمله وأهم ما يمكن الاحتياج إليه في مشوار طريقها الجديد٬ فما حملته  لسنوات طوال في جعبتها كان أثقل من أي شيء٬ انتظرت حلول الظلام٬ فالظلام ساتر٬ وتربصت بالنوم حتى يطبق على جفون الظالمين٬ جعلت خطواتها الحذرة على رؤوس الأصابع وكأنها راقصة بالي موهوبة٬  كل هذا حتى تتأكد من أنه لا يوجد ما يثني عزمها على تنفيذ ما خططت له طويلا٬ فلا تراجع ولا استسلام مهما كان٬ أضحت بموقفها هذا أخطر من أي لص محترف قادم على سرقة كنز ثمين٬ وما ستقدم عليه فعلا هو سرقة ثمينة من فم وحش ظالم٬ ستسرق ما تبقى من عمرها لكي تحياه بعيدا بسعادة٬ فما تحتاجه هو السعادة٬ الهناء٬ وراحة البال ولا شيء أكبر ولا أغلى من هذا ولا ذاك٠                                                       
     لم يثني عزمها العاصفة الممطرة في الخارج ٬ ولا حتى برودة الطقس القارس٬ فالإحساس الذي تحس به بالداخل كان ٲدفٲ من الجو٬  وكأن ما بداخلها لهيب جمر حارق٬ طاقتها النفسية مكنتها من بناء نفسها بعدما انعتقت من كل القيود٬ ونجحت في مساعيها نجاحا باهرا٬ حققت مستقبلا مشرقا٬ كأنما كانت تنتظر الفرصة لتبرهن عن كفاءتها وطاقتها المحبوسة٬ ولأصالتها لم تقطع حبل الود بين ابنتها ووالدها فارتباطهما ببعض أقوى من أن تمزقه٬ لكنها لم تقبل أو ترضخ للضغوطات من أجل العودة خلف الأسوار مجددا٬ فالذي مضى قد مضى لا عودة للوراء لو كلفها ذلك حياتها٠                                                                                 
       سألوها ما الذي جعلها تهرب من بيت زوجها ووالد قطعة الماس التي بين أحضانها٬ أجابت بكل ثقة وأنفة جوابا مقتضبا تحمل أكثر من مغزى ودلالة٬ جوابها كان مستنبطا من مثل شعبي سمعته من جدتها "ليس هناك قط يهرب من دار العرس" اكتفت بالإجابة لم تشأ فتح دفاتر الماضي والإبحار فيها مع من لا يجيد فن العوم٬ ويكتفي بتبليل قدميه على حافة الشط٬ فلا يوجد من يستطيع فهم آلامها ومعانتها٬ لذا لا داعي بان تسرد قصتها على من يفتقد للإحساس وفهم حجم الجرح والألم الذي عانت منه٬ لكن بينها وبين نفسها كانت تسترجع كيف أرغمت على الارتباط برجل بعمر والدها٬ كيف دفنت بالحياة في قبر زواج بارد لا دفء فيه ولا مشاعر٬ كيف تحملت معاشرة رجل أقرب للوحش منه إلى الإنسان٬ لا رأفة في قلبه ولا حنان عقله معلق في زاوية واحدة٬ فالمرأة بالنسبة إليه ما هي إلا وسيلة لإشباع البطن والغريزة٬ لا تصلح لشيء غير هذا٬ استجمعت قواها ونفضت عنها من جديد  غبار الماضي٬ وهي تردد في نفسها سحقا للتقاليد والأعراف التي تحجر على الإنسان وتجعل حاضره ومستقبله رهين بتنفيذها حتى ولو كانت فيها ظلم واجحاف في حقه٠                                                                                                                               
      منذ أن أعلنت تمردها  على التقاليد٬ حملت سيف المحارب المآزر لكل من تجده يسلك بأبنائه في نفس المسار الذي أجبرها والدها فيما مضى على سلكه مرغمة٬ لا شيء يستحق التضحية٬ لا شيء يستحق أن نظل ملفوفين في أثواب التقاليد البالية التي نسجها أجدادنا٬ في عهد قديم بخيوط الجهل وقلة الوعي٬ غير مدركين أن الزمن قد يتغير  وليس هناك قاعدة ثابتة لتطبيق كل الأعراف٬ لا يعترفون بوجود كيان حر في داخل كل إنسان يحتاج أن يعيش حرا وفق قناعاته واختياراته٬ وعدم سجنه في زنزانة بنيت وفق قياسات معينة لا تتوافق مع وضع العصر الراهن٬ أعلنت أنها ستعيش وفق اختياراتها هي ووفق قناعاتها هي لا يهمها أمر غير العيش حرة طليقة٬ حتى وان كانت اختيارات خاطئة وقناعات ناقصة للحكمة٬ فالأكيد أنها ستمنحها درسا وتجربة أهلا لها٬ وليس نتيجة ظلم وإجحاف٬ وإنما هو نتيجة سوء اختيار وعدم دراية٬ المهم ألا تعيش في جلباب والدها الذي نسجه له والده من قبل٬ ستمزق كل عرف لا يقبله العقل والمنطق٬ فليس هناك أغلى من حرية الفكر والجسد٬ الجسد الذي رضع من حليب الماضي٬ وكبر في الحاضر٬ وسيستقيم بفضل التجارب والمحن والخبرة عوده في المستقبل٠                                                               

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص