الأحد 10 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الاثنين 4 نوفمبر 2024
الصراع الدرامي ما بين الواقع والخيال في رواية"عائشة القديسة" للكاتب مصطفى لغتيري - فاطمة الزهراء لكناوي
الساعة 18:36 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


تمهيـــد
"عائشة القديسة" هي رواية للكاتب المغربي مصطفى لغتيري، الذي استلهم فكرتها من أسطورة عيشة قنديشة المغربية، وقبل الشروع في مقاربة أحداث الرواية، يلزم إعطاء ملاحظة ظاهرية لمكوناتها:
العنوان:
"عائشة القديسة" فور وقوع أنظارنا على العنوان يتراءى لنا أنه يوحي بأكثر شخصيات الجن المعروفة هنا في المغرب: عيشة قنديشة التي تعد من ادأكثر حكايات الرعب والأساطير التي تتردد على ألسنة الناس على مر العصور.
أصل الشخصية واقعي، فمنذ زمن بعيد حين كان البرتغاليون يستعمرون مدينة الجديدة وكان جنودهم ينشرون في الأرض فسادهم، في تلك الفترة عرفت امرأة تسمى عائشة تتخذ من محاسن وجهها وجمالها وسيلة لإغواء البرتغاليين واستدراجهم للإيقاع بهم وغرس خنجرها بين ضلوعهم. شاع خبر المرأة ورافقه الخوف منها والرهبة من ذكرها. بعد مرور الزمان أصبح الجميع يتوارث حكايتها لتصبح شبحا يطوف في أذهان كل من يخشاها وتغزو الواقع بالحديث عنها، لكن، هل فعلا عائشة جنية وأسطورة أم أنها حقيقة لها تاريخ؟ هذا هو التناقض الذي تمكن الكاتب من توضيحه في روايته هذه.
- الوصف الخارجي للكتاب:  
       الواجهة الأمامية
اتخذ غلاف الرواية رداء تحلق به وهو خلفية باللون الأسود الذي أطر به الغلاف، هو لون الشر والغموض، كما يشير إلى الظلام والرعب والليل وإلى الموت أيضا، مرفوقا بصورة جانبية عبارة عن لوحة لامرأة ملتف بلحاف مغربي تقليدي وملثمة، إذ لبا يظهر من وجهها إلا عيناها السوداوين. إنه سواد بارز يبرز جمال وجهها ومفاتنها. وبربطها بالعنوان يظهر بجلاء أن المرأة الممثلة في الصورة هي عائشة القديسة حسب تخمين المتلقي.
         الواجهة الخلفية
أما الواجهة الخلفية فقد امتلأت بسطور مقتبسة من الرواية لتبني في مجملها ملخصا مبسطا للرواية لكن تم التركيز بالأخص على تعريفنا بشخصية عائشة القديسة.

-الفصول/محتوى الرواية:
تم تقسيم الرواية إلى ستة فصول كل فصل تفرد بأحداثه وأفكاره المميزة له وبتسلسل الفصول هذا نلاحظ نمو السرد من منظور يثير الشوق والغموض في نفس المتلقي.
-الفصل الأول:
في قرية منزوية على الطريق الرابط بين الدار البيضاء وأزمور,التف أربعة زملاء لتبادل أطراف الحديث,إذ ينتهي بهم كما اتفقت عادتهم بنقاش حول عائشة القديسة التي يعدها الممرض مجردة من الخيال والخرافة إلا أنه يتصادم مع وجهة نظر سعد المعلم الذي حاول إقناعهم بعدم السماح لوهم عائشة أن يغزو أفكارهم,ذلك أنها مجرد ترهات يجهل مصدقوها أصلها ,في تلك الليلة ذاتها كان سعد قد قرر الاختلاء بالساحل رفقة صنارة صيده التي ما شهدت إلا النجوم على حبه لها.وعشقه للصيد ليلا راجع لكون الأخير زينة للسماء ,حين يزدان الشاطئ بانعكاس خجل ضوء القمر اللطيف.لكل هذه السباب وغيرها ورفض سعد دعوة صديقه وطلب زوجته بتأجيل الصيد  معلنا لنفسه حرية ممارسة هوايته.
-الفصل الثاني
بدأ الصياد طريقه بلهفة وصدر رحب مولع بالصيد وبانعكاس لمعان النجوم على مياه البحر الساكنة إلا أن متعته هذه سرعان ما بدأت تستتر وتتوارى بسبب ما اعترض طريقه من صرخات ونباح مفزع، إضافة إلى ما شوش أفكاره من فوضى التناقض التي مزقت أحشاء السكون إذ سرت فيه رعشة وهواجس متناقضة علقته بين الواقع والأسطورة بين الخوف من عائشة القديسة وتجاهلها بعد لحظات تهتز دراجته اهتزازا عنيفا لتنتهي طريقه أمام صخرة يصدم بها رأسه ليغط في نوم عميق. 
-الفصــل الثالث:
متعة السرد والوصف تلتحمان في هذا الفصل الاثر إذ يلج سعد عالما مجهولا، وكأنه في بعد آخر من الكون وفي هذا المكان بالذات تتوضح أمامه الصورة الحقيقية لعائشة تستمر الرحلة المرعبة من مكان لأخر كالقصر الذي يأوي خلف أسواره كائنات غريبة تدعو هيآتها على النفور  تبعث هيآتها على النفور وتذيب الجسد والرجفة تقطع فؤاده وفي انتقالاته وخطواته التي تقودها عائشة تعرض عليه الزواج مكرها وبسبب رفضه يجد نفسه أمام محاكمة لاتخاذ إجراءات معاقبته وذلك باختطاف  ابنه وعقله. 
-الفصل الرابع:
في هذا الفصل شاء القدر والتدبير أن يصادف أحد سكان القرية سعدا ملقيا على قارعة الطريق المؤدي الى الشاطئ فبعدما تراءت له هويته توجه به فورا للاتصال بالإسعاف وصلت الأخبار إلى زوجته المسكينة التي رافقته إلى المصحة مقنعة نفسها أن الأمور ستتحسن فيما بعد  بالأمل الذي به تصفو الحياة وتستمر  بنبض يعلوه عزم وإيمان
-الفصــل الخامس:
يتغير الفضاء على سعد أثناء غيبوبته كالأرجوحة تتراقص به بين ضفتي الخيال والحقيقة ونتيجة حربه ضد الكائنات القبيحة التي تقودها عائشة القديسة وحدها التي تقرر في أي جانب يقوم الحق ويتدفق الحلم لهذا فعندما انتصر سعد أمام عدوته بدأ يتبين له ما حوله من المصحة وعلامات السعادة تعلو محياه لتمكنه من التحرر من عالم رهيب كاد يقيده للأبد.
-الفصــل السادس:
بعدما استعاد سعد وعيه وغادرت ذاكرته قصة عائشة القديسة التي قيدته خلال غيبوبته يرى ذات يوم تلك المرأة نازلة من حافلة لتراوده شبكة من التساؤلات والشكوك تجعله في تقاطع وتقارب بين عالمين متناقضين لأجل غير مسمى .

استنتـــــاج:
ــ بما أن{عائشة القديسة} هي أول تجربة لي في عالم هذا الكاتب المبدع يمكنني القول أنها بداية جيدة وجميلة، إذ ستجعلني أستبشر خيرا بأنني أمام روعة من روائع الأدب المغربي.
كما ثمة إبداع ورقي يجللان هذه الرواية التي تجمع بين الأسلوب الخصب السلس وبين معلومات الكتاب، التي تستقي من التاريخ وحيا لها حول عائشة القديسة، التي تدفعنا أكثر حول هذه الشخصية الغامضة، إنها لرواية مفعمة بالإثار، زاد من جمالها ذلك الخيال البعيد عن الواقع في أحداثه القريب منه في مضمنه ورسائله التي وظفها الكاتب ضمن تنسيق منظم وجميل.
لقد ضاقت حروف اللغة على سعة معانيها حين قررت أصف هذه البراعة والبداهة في سرد قصة تحت طابع تاريخي .

لعل من الأشياء الجميلة والمفيدة التي صادفتها أثناء غوصي وسط سطور الرواية، أولها الطريقة التي استعرض بها الكاتب أحداث الرواية والتي يشوبها الغموض، وثانيها مقصدية الكاتب من الرواية وهي أن الصراع بين الواقع والأسطورة في الرواية يعكس وجها آخر لمجتمع يواجه تناقضات بين أحضان متقلبات الماضي والحاضر، تقطعات الحداثة والتقليد كما أن ثالث ما أثارني واستهواني بعد المثالين السابقين على سبيل الذكر لا الحصر هو تناول الكاتب للموضوعات التاريخية؛ وذلك من خلال كتابته عن الهامشي واللامفكر فيه، وتنقيبه عن موضوعات غير مطروحة، لكنها تمس بشكل عميق الإنسان المغربي بالخصوص, وخير مثال على ذلك رواية عائشة القديسة التي شكلت لي بداية للاطلاع على باقي الروايات والأعمال الأدبية لهذا الكاتب الذي أعتبره على رأس من أقتدي بهم من الكتاب والروائيين العرب المبدعين.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص