الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة في المجموعة القصصية "مذبوحاً كما يحلو لهم " سهولة وعمق في السرد - علي أحمد عبده قاسم
الساعة 13:12 (الرأي برس - أدب وثقافة)


 

شكل الشباب المبدع لوحة بديعة في الفترة الأخيرة وخاض الكتابة باقتدار في الأجناس الأدبية كلها سواءً كانت رواية أو قصية قصيرة أو نص قصير جداً وفي المجال الشعري بمختلف مذاهبه وخصائصه علاوة عن المشاركات في المسابقات العربية وتمكن المبدع الشاب اليمني أن يتبوأ المراكز المتقدمة في تلك المسابقات والجوائز والذي يلفت النظر أن المبدع اليمني التزم بكل جوانب التميز الإبداعي رغم الظروف الشحيحة والصعبة، ولعل جائزة رئيس الجمهورية للإبداع استطاعت أن تبرز الكثير من الشباب في كل المجالات من هؤلاء الشاب القاص / خالد الحيمي والذي فاز بالجائزة في فرع النص القصص القصيرة جداً في مجموعته الموسومة (مذبوحاً كما يحلو لهم) المجموعة ضمت أربع مجموعات وهي: (مذبوحاً كما يحلو لهم, منعطفات خطرة، مشاعر قيد التعديل, بث تجريب لحكاية أخرى) في ست وثمانين صفحة من القطع الصغير .
امتاز النص بالسهولة والعمق والقدرة على استخدام اللغة بشكل إبداعي متواكب مع النص القصير من اختزال وتكثيف وادهاش ومفارقة، إضافة إلى الغموض والرمزية إلا أن هناك تفاوتاً في جزء يسير جداً من النصوص لا يرقى للنص القصير جداً للمباشرة الفجة والتي أغفلت شيئاً من معايير وضوابط النص القصير وقد ذكرت بعضها لكنها في أغلبها العام نصوص عميقة وناضجة وتستحق القراءة والتأويل .

 

وإذا كان العنوان (مذبوحاً كما يحلو لهم) ففيه شيء من دلالة التذمر وعدم الرضا خاصة وأن عبارة (كما يحلو لهم) عكست الرضا من طرف ليس هو راض عنه وليس براض عنهم والعنوان يعكس حالة تنم عن عدم التصالح مع الذات وحالة من الصراع الذي يعكس عدم التصالح مع المجتمع وصورة من صور الاستبداد للفكر والرؤية لاسيما والعنوان يعكس نوعاً من الكبت والقهر لا سيما ومفارقة القصة تقول (صار سعيداً لا يحمل رأساً) أي فكراً ورؤية تجاه الحياة والناس .
ففي نص (يلعبها صبية صغار) يقول: (يختارون واحداً منهم ويجلسونه على صخرة بسيف صقيل يبترون عضواً من أعضائه يفعلون ذلك مع كل فرد من المجموعة، فإذا انتهى الدور عند آخرهم جمعوا الأعضاء المبتورة وصنعوا منها تمثالاً وانصرفوا ينحني التمثال يذهب يمارس اللعبة ذاتها في مكان آخر).

 

في هذه الحكاية يلحظ المتلقي كيف رسم النص طريقة اللعب لهذه اللعبة (يختارون يجلسون، بسيف يبترون، يفعلون مع كل فرد، انتهى الدور، جمعوا الأعضاء صنعوا، ينصرفوا، ينحن، يذهب يمارس) وكأنها لعبة تدور بين مجموعة من الصبية وتلك قواعدها ومعاييرها وكأنها لعبة ممارسة لكن تأتي المفارقة في (ينحني التمثال، يذهب يمارس اللعبة في مكان آخر) من ذلك تحولت اللعبة من لعبة اجتماعية لأطفال إلى لعبة سياسية ولعبة أخرى فيها بتروا فيها انتقال لتجد حالة من الإعاقة للمجتمع وحالة من الاستلاب وخلق أصنام وتماثيل مجازية على حساب العامة وبذلك فإن السياسة يلعبها مجموعة لا يختلفون عن الأطفال ويخلقون تماثيل مستبدة تبتر وتقهر، وقد حاولت القراءة أن تخلق للنص نوعاً من المفارقة والإدهاش على الرغم من واقعية النص وإذا كان النص القصير جداً فيه سخرية ويرسم صورة عصرية لآلام الإنسان ومعاناته وإذا تأمل القارئ (( نميمة )) فإنه يلحظ التسريع من ناحية استخدام الجمل وشيئاً من المفارقة 
(( جاري رجل مدقع مولع بالسياسة ونشرات الأخبار، ويعارض ما يأتي فيها من أخبار الطقس يتذمر دائماً، من كل شيء زوجته أبنائه، العمل، المواصلات، الأصدقاء وحين تحدق فيه زوجته بنظراتها النارية الساخطة يذوب كقطعة ثلج ))، مما سبق سيلحظ المتلقي المفارقة ما بين يعارض، ويذوب )) لترسم شيئاً من عدم القدرة على التحكم في البيت ناهيك عن المعارضة السياسية فكانت المفارقة تأتي مجازية أعطت النص شيئاً من الإدهاش .

 

ولأن النص القصير قد يختزل قضية وإنسانياً ويلتقط حالة أو حدثاً ففي نص (( غموض )) يقول (( سار إلى جدث في خرائب أفكاره، منح الأحجيات تراتيله، متخماً بالأنا، مثقلاً بالغموض ..... أسموه شاعراً )) .
هذه ومضة السخرية والاستهزاء بوصف النص في بنيته التعبيرية يرسم تلك الدلالة (( سار في جدث، في خرائب الأفكار، منح الاحجيات، متخماً )) فالجدث القبر، والخرائب المكان البالي ويتوغل بالاستهزاء فيقول مثقلاً بالأنا متخماً بالغموض )) يلحظ المتلقي أن المقارنة ليست موجودة وتحول العنوان إلى فضح ومباشرة لومضة النص والمفترض أن لا يحدد فيقول شاعراً على الرغم من التسريع في الومضة في النص القصير .
وإذا كانت النهاية في القصة القصيرة جداً تأتي مخادعة لتخلق المفارقة والإدهاش فإن النص السردي استطاع أن يرسم ذلك بتمكن في كثير من النصوص السردية ففي نص (( ضياع )) يقول : (( في الطريق إلى أول موعد غرامي أضاع عينيه، وعندما عاد للبحث عنهما وجد عماه يتأبط ذراع حبيته )) فالمتلقي سيلحظ مباشرة المكان والزمان في (( الطريق إلى موعد غرامي )) فهذه البداية المباشرة المستقرة على معنى واضح ولكن تأتي المفارقة في (( وجد عماه يتأبط ذراع حبيبته )) فالصورة تبرز مفارقة الموعد والعمر لينعكس معنى الخيانة وأن حبيبته مع آخر يتأبط ذراعيها وإن كانت المفارقة غير مدهشة بوصف العنوان قد تلاءم مع النهاية التي كانت شبه مخادعة .

 

أما إذا تأملنا (( نص تسوق )) لا يستحسن الابن الأخضر، تفضل الأم الأحمر، يقترح الأب الأزرق يخرجون دون شراء شيء ... تعلو وجوههم ابتسامات بيضاء )).
ومن النص سيلحظ أن النص يعطي للمتلقي شفرات من خلال الألوان فالأخضر لون الخصوبة والفتوة والشباب في الحياة واللون الأحمر لون الحب والإثارة، والأزرق لون العطاء والتأمل والجمال والانبساط، تأتي المفاجأة ( يخرجون دون شيء وتعلو وجوههم ابتسامات بيضاء) اللون الأبيض لون الإقبال على الحياة والقلوب البيضاء والسعيدة ولكن إذا قرأها المتلقي بشكل مباشر فلم يضف النص شيئاً أو دلالة خاصة والكاتبا العنوان (( تسوق )) ليفضح النص وكأنهم يخرجون دون شراء شيء، ولعل العبارة المناسبة تكون (( دون شيء )) ليعطي كثافة أكثر المفترض أن يكون العنوان (( ألوان )) ليزيد النص كثافة وآفاقاً تأويلية لغوية، وإذا كان الغموض ميزة للنص القصير فإن (( نص ( تلبد )) يحكي هذا الغموض .. .
( سحابة سوداء تواسي القمر الحزين )
تحتضنه وتربت على كتفيه 
وبقضمة واحدة 
تلتهمه ،، صـــــ71 

 

مما سبق يمكن أن تأخذ الدلالات التالية (( تواسي، تحتضن، تربت )) هذا عطف ودفق من العطف الهائل الذي ينعكس على المتلقي من خلال السرد ولكنه عطف مخادع وغير حقيقي باعتبار الصورة تأتي سحابة سوداء، بقضمة واحده، تلتهمه) يشير النص إلى نوع من الخداع والمخاتلة والزيف خاصة والعنوان (تلبد) مواز للسحابة السوداء والقمر الحزين كما يعكس مضمون الخداع واستغلال حالة الالتهام ومن خلال العطف فكانت القصة الغامضة هي الوسيلة لإرسال هذا المضمون) . 
بالمقابل تتفاوت النصوص ما بين الأخذ بمعايير القصة القصيرة جداً بإتقان وهناك نصوص لم تضف شيئاً فكانت مجرد كلام وتعبير إنشائي .
ما يزال المطر يتساقط عبر الباب الزجاجي 
ثمة طفلان يتناضحان بالماء . 
وثالث يضحك) ماذا يريد النص أن يقول، هطول المطر مغرٍ للعب فهذا شيء معروف ولا تجديد أو ابتكار في هذه الومضة . 

 

وإذا كان الإدهاش عنصراً أساسياً في النص القصير فإنه يأتي من تسريع الجمل واتساق العبارات وتلاحمها مع المضمون وأن يقف القارئ متسمراً أمام النص من ذلك التلاحم والاتساق فيخلق تصادماً واستفزازاً في نفسيته وإذا تأمل ففي نص غياب (كانت تتسلل إلى البيوت، تفتح أبواب القلوب المعتمة, علاها نوراً ومحبة وذات خبث احتجبت فاستحال غيابها صداعاً وخرج الناس إلى الشوارع يتناطحون) صـ 50 
من خلال عبارات النص (كانت تسلل إلى البيوت تفتح، علاها) ويأتي في السياق (القلوب المعتمة، نوراً، محبة) فإن المتلقي يتخيل أنها شمس من نوع جديد ولون يقصده النص وهي شمس الحرية ولن عبارة ذات (ذات خبث) يلحظ أن النص يلمح للسياسة خاصة وأنه يستخدم الفعل (احتجبت) أو بمعنى أن الاحتجاب هو آني وسيعود الضوء بل إن الاحتجاب مفتعل فكان الطريق من المفارقة في النص (خرج الناس إلى الشوارع يتناطحون) بفعل غياب الحرية وافتعال الاحتجاب ينتج هذا الصراع وبذلك تلاحم النص فخلق إدهاشاً من خلال الغموض الذي عكسته اللغة ليترتب على ذلك مضموناً هو الصراع ما بين النور والظلام الحرية والاستبداد وصراعات افتعالات السياسة لخلق الفوضى وربما هذا النص اختزل عناصر كثيرة للقصة القصيرة من غموض وإدهاش ومفارقات وتكشف ولكن في نص 
(شمعة) الذي يقول (انطفأت الكهرباء, أشعل شمعة عادت الكهرباء أطفأ الشمعة انطفأت عادت انطفأت عادت، انطفأت، عادت أطفأ كل شيء وجلس في الظلام صـ28) هذه مباشرة فجة ليس فيها أي إضافة وإلا ماذا يريد أن يقول النص أن الظلام هو المخيم أما الحالة النفسية التي تغتلي بفعل هذا الحريق النفسي . ولكن في العموم الغالب يمتلك ناصية ومتمكن من رسم الفكرة والموقف إلا أن بعض النصوص المباشرة أخلت نوعاً بتلك القدرة خاصة وأن النص القصير قدرات من المبدع في اختزال موقف قد يكون موضوعاً لرواية ويكثف آفاق الدلالة في سطور فالاقتصاد باللغة يعكس قدرة المبدع ويدل على أن اللغة من خلال الإيجاز الكثيف أن ترسم مواقف عميقة مدهشة ومتلاحمة فإذا كانت المباشرة فيها افتقدت الومضة ذلك الإدهاش وهذا التصادم المستفز من النص لذلك فالكاتب يتخير ألفاظه بعناية بالغة وكل لفظ وصورة ليست اعتباطية بل مرسومه بعناية بالغة في النص القصير .

 

وحتى علامات الترقيم لها دلالاتها ولها إشاراتها الدلالية فالعلامات مثلها كمثل أي لفظ وجملة وعبارة ليتكون سياقاً متناغماً . ففي النص الذي يحمل عنوان المجموعة يقول (مذبوحاً كما يحلو لهم يمر بلا رأس، تلك الرأس التي أٌنهكت بأفكاره وهمومه الكثيرة ألقاها في سلة نسيانه، صار رجلاً سعيداً لا يحمل رأساً) صــ10 فمنها الذبح ليس الإزهاق والإماتة لكنه العيش دون التدخل في الأمور التي تخص صنفاً من الناس فكانت كما يحلو لهم) كما يروق لهم بلا تفكير (الرأس التي أنهكت بأفكاره وهمومه الكثيرة) كأنه بلا مطامح وآمال ورؤى (صار رجلاً سعيداً لا يحمل رأساً) فالرأس معادل رمزي للفكر والرؤى والخير ومن خلال التأمل في اللغة سيلحظ المتلقي تقديم الهيئة الحال (مذبوحاً) ليرسم صورة القتل الداخلي فهو يعيش كما يريدون سعيداً والسعادة ليست السعادة النفسية لكنها السعادة التي تبدد الأذى عنه، المفارقة الرائعة ما بين مذبوحاً وصار سعيداً لا يحمل رأساً) مما أضفى اندهاشاً بالنص ورسم قضية صراع الفكر والرؤية مع غيرها التي تستبد بفكرها).

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً