- الرئيس الإيراني: سنعيد بناء منشآتنا النووية بقوة أكبر
- لاريجاني: مطالب أميركا لا سقف لها ولن نقدم تنازلات غير مشروطة
- مصر تدعو إسرائيل للانسحاب من لبنان وتؤكد استعدادها للمشاركة في إعادة الإعمار
- ثلثا سكان اليمن عاجزون عن توفير احتياجاتهم الغذائية بعد إغلاق الحوثيين مكاتب الأمم المتحدة
- باريس سان جيرمان يمنح أشرف حكيمي فترة راحة ويغيب عن مواجهة لوريان
- بعد مقتل رئيس أركانه.. الحوثي يفعّل خطة طوارئ عسكرية وأمنية
- أحمد سعد وناصيف زيتون ورحمة رياض يستعدون لمعركة «أحلى صوت» الموسم السادس
- من الطلاق إلى الوداع الأخير..الفنان ياسر فرج يروي قصة عودته لزوجته المريضة
- أحمد داود يخوض السباق الرمضاني 2026 بمسلسل «بابا وماما جيران»
- الجيش الإسرائيلي يتهم «اليونيفيل» بإسقاط مُسيَّرة استطلاع فوق جنوب لبنان
لطالما كنتُ أتردد، وما أزال، في الكتابة عن الدكتور عبد العزيز المقالح. لسنوات طويلة كنتُ أمتنع أحياناً، وأتملص أحياناً أخرى، كلما طُلب مني أن أكتب عنه، خاصة من أولئك الذين يعرفون قربي من الدكتور إنساناً، وأكاديمياً، وشاعراً، وصديقاً، واستاذاً خاصاً ورئيساً في العمل.
لسنوات وأنا أتهيب أن أكتب أقل مما كتب، ويكتب، الآخرون عنه، وما أكثرهم، وما أجمل ما كتبوا! وهكذا عشتُ في وهْم أن ما سأكتبه لابد أن يكون على قدر علاقتنا الخاصة والكبيرة الممتدة منذ أن كنتُ طفلاً إلى اليوم. كان عليَّ أن أنتظر لسنوات طويلة، وحروب كثيرة، لكي أدرك أنه لا يمكن لي أن أكتب عن الدكتور عبد العزيز كما أريد، وأن القرب الكبير من أي شخصية كبيرة هو أكثر الموانع صعوبة ودهاء للكتابة عنها. كان عليَّ أن أنتظر كثيراً لأدرك أن الكتابة العفوية غير المنظمة عن الدكتور المقالح (كهذه التي بين يديكم) هي المتاح المنطقي والوحيد لشخص مثلي شكّلَ المقالح جزأ مهماً من حياته الشخصية والأدبية والوطنية، ورأى فيها امتداداً غزيراً لمدرسة فكرية عريقة شاءت الأقدار أن يكون أحد ابنائها.
لا تبدأ أول ذكرياتي عن المقالح في الكتب أو القصائد، بل في بيتنا، في مقيل أبي الذي كان يأتيه المقالح (مع بقية رواد المقيل) كل يوم أربعاء (في تلك الأيام من بداية ثمانينات القرن المنصرم). كان والدي حريصاً أن يوكل لي مهمة لم تكن تشكّل لطفل في ذلك العمر سوى عبء لا داعي له: استقبال ضيوفه في المقيل وعلى رأسهم صديقه الكبير "الدكتور عبد العزيز". من المعروف أن المقيل في اليمن لا يحتاج إلى بروتوكولات، ولا يعتبر مناسبة خاصة تستوجب استقبال الضيوف، لهذا لم أكن مقتنعاً بهذه المهمة العِبء التي كان يقحمني بها والدي، وكنتُ دائمُ التبرم، حتى وإن كنتُ اتحصل مقابلها بعض الحلوى والشكولاتة التي كان يخصصها لي الدكتور عبد العزيز، وهي العادة التي يعرفها رواد المقيل، إذ دائماً ما يُحضر الدكتور عبد العزيز معه كيساً بلاستيكياً به بعض الحلويات و(الجعالة) المختلفة يوزعها على أبناء صاحب المنزل الذي ينعقد فيه المقيل، "مقيل المقالح"، الظاهرة التي أدهشت كبار الأدباء والمفكرين العرب عبر سنوات زياراتهم المتعاقبة إلى اليمن السعيد.
في المقيل أيضاً تطورت علاقتي بالدكتور عبد العزيز حين كبرت وبدأت أرافق والدي إليه. كان والدي يحرص على عرض بداياتي الكتابية الأولى على الدكتور (من الآن وصاعداً سأستخدم هذه المفردة التي يستخدمها الجميع حين ينادونه أو يتحدثون عنه). كنتُ أنكمشُ خجلاً داخل نفسي وأنا استمع لقصيدة كتبتها أو مقال نشرته بصوت أحد قُرّاء المقيل والجميع يستمع له، متخيلاً مجاملاتهم اللطيفة التي ستنهمر عليّ وتجعلني أكثر خجلاً.
كان لمقيل الدكتور طقوسٌ ومواقيت لا تتغير بتغير الظروف ولا حتى الضيوف، ومن هذه الطقوس كانت القراءة الجماعية. يحدد الدكتور ما سيتم قراءته ويدفعه لأحد القُرّاء المعتادين، والذين تعاقبوا عبر السنوات والعقود، وكان من أبرزهم الاستاذ خالد الرويشان، والاستاذ محمد عبد السلام منصور، والدكتور حاتم الصكر وآخرون. عند الانتهاء من القراءة يُفتح باب النقاش والتعليق، ويدارُ الحديث بترتيب أنيق لا يعكر صفوه سوى بعض المقاطعين الذين لا يلتزمون عادة بالقوانين، والذين يضفون على المقيل بهجة إضافية. في أحيان كثيرة يتاحُ للشعراء من مختلف الأعمار أن يلقوا قصائدهم الجديدة، أو حتى لكتاب السرد أو المسرح أن يقرؤوا بعضاً من نصوصهم، ثم يبدأ التعليق والنقاش.
خلال ما يقرب من أربعة عقود من الزمن حضر مقيل الدكتور المئات من كبار كبار المفكرين والأدباء والشعراء والأكاديميين اليمنيين والعرب والأجانب، حتى أصبح المقيل أحد معالم الحركة الثقافية اليمنية وواجهتها الأكثر حميمية عند الجميع.
أثناء سنوات دراستي الجامعية في بريطانيا كنتُ حريصاً على حضور المقيل بشكل شبه يومي خلال أيام إجازاتي التي أسافر فيها إلى اليمن، لهذا لم ينقطع تواصلي مع المقيل إلا عندما كنت مسافراً خارج اليمن. وحين أكملت دراساتي العليا وعدت إلى اليمن أبحث عن عمل ومستقبل، في بلاد كانت الأمواج قد بدأت تتقاذفها بقسوة، كان المقيل هو ملاذي شبه اليومي، فيه ومنه كنت أنعم بيقين الصداقة الخالصة ومعين المعرفة الخلاقة. وهكذا أصبحت أحد رواده الدائمين، بل وأحد قُرّاءه أيضاً، وكم سعدت من خلاله بمعرفة العشرات من المبدعين في مختلف الأجناس الأدبية والفكرية والفنية، حتى شاءت الأقدار أن أغادر اليمن قبل خمسة أعوام تقريباً، فكان مقيل الدكتور هو آخر مكان كنتُ فيه قبل أن تقلني طائرة متهالكة من مطار صنعاء في رحلة أخرى إلى ما لست أعرف (حسب قول درويش).
الحديث عن مقيل الدكتور عبد العزيز المقالح كظاهرة وواقع يطول، وتأثيره على الحياة الثقافية في اليمن وانعكاساتها في وعي المثقف اليمني والعربي يحتاج إلى دراسة متأنية وعميقة لا أشك أن يقوم بها أحدهم يوماً ما.
منقولة من موقع خيوط ...
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر


